شهدت بغداد ومدن عراقية خارجها مساء اليوم تظاهرات احتجاج ضد "حيتان الفساد"، مطالبين بإصلاح القضاء وعدم تسويف مطالبهم.. فيما اعتبر ائتلاف عراقي قصف مخيم ليبرتي للاجئين الإيرانيين قرب العاصمة بمثابة إعلان لتمرد الميليشيات المسلحة على الدولة.


أسامة مهدي: تظاهر الآلاف من العراقيين وسط اجراءات امنية مشددة في ساحة التحرير في وسط بغداد وفي مراكز ومدن المحافظات الجنوبية، مطالبين بمكافحة الفساد ومحاسبة من أسموهم "حيتان الفساد"، وتقديمهم إلى المحاكمات، منددين بسوء الخدمات، وداعين الى اصلاح القضاء وعدم تسييسه، كما رفعوا شعارات تطالب الحكومة بالمزيد من الإصلاحات، مؤكدين رفضهم سلم الرواتب الجديد.

كما شهدت المحافظات الجنوبية، كربلاء وبابل والبصرة والنجف والسماوة وواسط وذي قار وكربلاء وميسان والديوانية، تظاهرات احتجاج، طالبت بإجراء مزيد من الإصلاحات في مؤسسات الدولة. وشدد المتظاهرون على ضرورة محاربة ظاهرة الفساد وحيتانه "الذين اثروا على حساب الشعب وشرائحه الفقيرة والمسحوقة، وتفعيل دور الاجهزة القضائية وهيئة النزاهة، وتحريك الملفات المعلقة، واعادة النظر بقرار سلم الرواتب الجديدة، ومراعاة حالة الموظفين المعاشية من قبل الحكومة المركزية".. وحذروا الاحزاب الحاكمة من تسويف مطالبهم.

وفي بعض المحافظات حاول المتظاهرون التوجه الى مقار حزبي الفضيلة والدعوة، مطالبين بإخلاء مقارهم. لكن القوات الامنية منعتهم من ذلك.. واكدوا استمرارهم في الاحتجاجات.

يذكر ان بغداد و10 محافظات اخرى تشهد منذ حوالى الشهرين تظاهرات ضد الفساد وفقدان الخدمات بدعم من المرجعية الشيعية العليا، الامر الذي ارغم رئيس الوزراء حيدر العبادي على اتخاذ بعض الاجراءات الاصلاحية والتقشقية، لكنها لم ترضِ المواطنين، الذين يلحّون على تقديم كبار الفاسدين الى المحاكم.

وامس اجتمع ممثلون عن المتظاهرين مع العبادي، واصدروا بيانا عقب ذلك، حصلت "إيلاف" على نصه، اشاروا فيه الى انهم طرحوا عليه عددًا من المطالب الملحّة التي من شأنها "اصلاح بنية الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان الحريات العامة وإصلاح النظام السياسي في البلاد وتخليصه من الفساد ووباء المحاصصة الطائفية وإبعاد مؤسسات الدولة عن الولاءات الحزبية".

وقالوا انهم شددوا على ضرورة إصلاح القضاء وفق آليات قانونية ودستورية بعيداً عن أي تأثير حزبي وطائفي، لان ذلك وحده كفيل بضمان استقلال القضاء وعدالته واتخاذ إجراءات جادة لإصلاح هيكلية وعمل الهيئات المستقلة وضرورة الارتقاء بالخدمات وفتح ملفات الفساد ومعاقبة الفاسدين وإحالتهم على القضاء والعمل على استرداد المال العام الذي نهبوه وفق القانون.. اضافة الى ضمان استقلالية إعلام الدولة وتحرير شبكة الإعلام العراقي من هيمنة الاحزاب السياسية.

من جهته أكد العبادي للمتظاهرين أن "حزمة الإصلاحات الاولى كانت مهمة لأنها استهدفت تفكيك المحاصصة في الدولة وإلغاء بعض المناصب والغاء رواتب وحمايات شاغلي تلك المناصب، إضافة إلى استرجاع القصور التي استحوذوا عليها".

يذكر ان العبادي وضمن حزم الاصلاحات التي اطلقها في التاسع من آب (اغسطس) الماضي قد الغى مناصب نواب رئيس الجمهورية الثلاثة، ومناصب نواب رئيس الحكومة الثلاثة، كما اعفى 123 وكيل وزارة ومديرًا عامًا من مناصبهم، واحالهم على التقاعد.. وايضًا قرر تقليص عدد المناصب الوزارية الى 22 بدلاً من 33 عبر الغاء ثلاثة مناصب لنواب رئيس الوزراء واربع وزارات، ودمج ثماني وزارات وجعلها اربعًا فقط. كما قام بتقليص مرتبات المسؤولين الكبار والغاء غالبية عناصر حماياتهم واعادتهم الى القوات الامنية.

اتت هذه الخطوات الاصلاحية بعد اسابيع من التظاهرات في بغداد ومناطق عراقية عدة، طالب خلالها المحتجون بمكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين وانهاء تسييس القضاء وتوفير الخدمات، لا سيما المياه والكهرباء .

ائتلاف عراقي: قصف مخيم تمرد للميليشيات على الدولة
هذا واعتبر ائتلاف متحدون للاصلاح بزعامة نائب رئيس الجمهورية العراقي السابق اسامة النجيفي قصف مخيم ليبرتي الحرية للاجئين الايرانيين في العراق بمثابة اعلان لتمرد الميليشيات المسلحة على الدولة.

وقال الائتلاف في بيان صحافي الجمعة اطلعت على نصه "ايلاف" ان "الاعتداء الصاروخي الآثم الذي تعرّض له الايرانيون اللاجئون في معسكر ليبرتي، واوقع في صفوفهم العشرات من الشهداء والمئات من الجرحى، هو اعلان من ميليشيات خارجة عن القانون، لا تضع في حسابها اية مصلحة وطنية تحديها للنظام العام ولإظهار الحكومة امام المجتمع الدولي بمظهر العاجز في وقت نحن أحوج ما نكون فيه الى تضامن العالم معنا".

واشار الى ان هذا الاعتداء على اللاجئين الايرانيين ليس الاول، الذي يطالهم، رغم انهم موجودون بعلم الحكومة والمنظمات الدولية وبموجب الاتفاقيات الدولية الخاصة بطالبي اللجوء. ودعا الحكومة الى الالتزام بتعهداتها في توفير الحماية للاجئين الايرانيين.. وقال "لا يعقل ان بلدًا مثل العراق تقوم دول شقيقة وصديقة بتوفير الملاذ الامن للملايين من مواطنيه المهاجرين واللاجئين، يعجز عن توفير الحماية لقاطني معسكر ليبرتي، وهم في وسط بغداد".

وطالب اتحاد متحدون رئيس الوزراء حيدر العبادي بالإيعاز بتقديم الرعاية الصحية العاجلة إلى الجرحى وتذليل المشاكل الانسانية التي يعانيها اللاجئون الايرانيون ونقل موضوع حماية المعسكر الى جهات محايدة تستطيع ان توفر لهم ظروفاً آمنة بشكل افضل.

وكان مخيم ليبرتي الحرية قرب مطار بغداد الدولي الذي يضم 2200 عنصر من اعضاء منظمة مجاهدي خلق الايرانية المعارضة قد تعرّض مساء امس لهجوم صاروخي بحوالى 80 صاروخا من صنع ايراني، اسفر عن مقتل وجرح اكثر من 60 شخصا.

وقد تبنى قائد ميليشيا جيش المختار العراقي الشيعي المرتبط بإيران واثق البطاط عملية مهاجمة المخيم الذي كان قاعدة عسكرية اميركية سابقة.. ودعا الى مغادرة مجاهدي خلق الاراضي العراقية على وجه السرعة. وقال "انهم وبرغم التسهيلات المقدمة من الدول الاوروبية واميركا اصرّوا على احتلال جزء من اراضينا"، متوعدا المنظمة بتكرار مثل هذه العمليات اذا لم تغادر الاراضي العراقية.

وقد طالب وزير الخارجية الأميركي جون كيري اليوم الحكومة العراقية بتعزيز الأمن في المخيم، ودعاها إلى القبض على المسؤولين عن الهجوم ومحاسبتهم. وقال في بيان "نحن نتشاور مع الحكومة العراقية للوقوف على المدى الكامل لهذا الهجوم غير المبرر". وقال ان الولايات المتحدة عازمة على مساعدة المفوضية العليا للاجئين لنقل سكان المخيم إلى مكان دائم وآمن خارج العراق، ودعا المزيد من الدول الى التجاوب مع هذا الوضع الانساني الطارئ.

كما عبّرت مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة عن قلقها ازاء الاضرار والاخطار التي يتعرّض لها سكان المخيم. وقالت في بيان ان الانباء تشير الى مقتل نحو 20 شخصا من سكان المخيم واصابة العشرات بجروح،& وما زال العمل يجري للتأكد من المدى الكامل للاصابات والاضرار في المعسكر.

واشار المفوض السامي لشؤون اللاجئين انطونيو غوتيريس الى ان "هذا هو الفعل الاكبر الذي يرثى له، وانا اشعر بقلق بالغ إزاء الضررالذي قد يلحق باولئك الذين يعيشون في مخيم ليبرتي، ويجب ان يستمر كل جهد ممكن لتحديد المسؤولين عن القصف ومحاسبتهم".
&
اما بعثة الامم المتحدة في العراق "يونامي" فقد دانت بشدة الهجوم الذي وقع على المخيم، وحثّت حكومة العراق على عمل كل ما في وسعها للوفاء بالتزاماتها تجاه توفير الحماية الكافية لسكان المخيم، والشروع في إجراء تحقيق مستقل في حوادث القتل، من شأنه أن يقود إلى تقديم الجناة إلى العدالة. وبعد الانسحاب الاميركي من العراق في عام 2011 تم نقل عناصر مجاهدي خلق من مخيم "أشرف" في شمال شرق بغداد الى مخيم ليبرتي.

وكان المخيم قد تعرض خلال السنوات الثلاث الاخيرة الى هجمات صاروخية مماثلة اعلنت مسؤوليتها عنها ميليشيات عراقية شيعية ترتبط سياسيا وعسكريا وتدريبا وتسليحا مع النظام الايراني الحليف لبغداد. وقد ادت تلك الاعتداءات الى قتل حوالى 117 شخصا من سكان المخيم، فيما توفي 27 آخرون بالموت البطيء، بسبب الحصار الطبي المفروض عليهم.

ويطالب المجلس الوطني للمقاومة الايرانية بتوفير الحماية للسكان من قبل الحكومة العراقية والولايات المتحدة والأمم المتحدة والإعتراف بمخيم ليبرتي مخيمًا للاجئين ورفع الحصار عنه واستبدال إدارة المخيم بأفراد يتمتعون بالنزاهة والحيادية وغير مرتبطين او تابعين للنظام الايراني.
&