تتصاعد في العراق اعتراضات على تشريع البرلمان العراقي قانونًا يرغم الأولاد القاصرين على اتباع ديانة آبائهم غير المسلمين الجديدة في حال إسلامهم، رفضته أقليات دينية عراقية واعتبرته إجحافًا وإكراهًا دينيًا وفكريًا وسياسيًا وتمزيقًا لوحدة الشعب، ودعت إلى حذف المادة التي تنص على ذلك من القانون، وطالبت الرئيس معصوم برفضه، فيما علق نواب الأقليات حضورهم جلسات البرلمان احتجاجًا.
لندن: صوّت مجلس النواب العراقي في 27 من الشهر الماضي على قانون البطاقة الوطنية، الذي ينص في مادته 26 (ثانيا) على أن "يتبع الأولاد القاصرون في الدين من اعتنق الدين الإسلامي من الأبوين".. الأمر الذي رفضته مكونات وأقليات دينية عراقية، معتبرة في تصريحات وبيانات لـ"إيلاف" أن هذا يعني إكراه الأطفال غير البالغين من أتباع الديانات والمذاهب الأخرى على إعتناق الدين الإسلامي في حالة إعتناق أي من الأبوين لهذا الدين.
&
نواب الأقليات يعلقون عضويتهم
وقد علق النواب، الذين يمثلون الاقليات في مجلس النواب، حضورهم لجلسات البرلمان احتجاجاً على قانون البطاقة الوطنية، مؤكدين رفضهم لمادته الثانية، ومعتبرين انها تمثل اجحافًا بحق الاديان غير المسلمة.
من جهته، قال المنتدى العراقي لمنظمات حقوق الإنسان أن تمرير قانون البطاقة الوطنية عبر مجلس النواب، متضمناً هذه الفقرة لا ينسجم مع الروح الوطنية التي يحملها اسم& القانون، حيث ان نص الفقرة (ثانياً) من المادة 26 لا ينسجم مع طبيعة المجتمع العراقي المتعدد الثقافات والحضارات والأديان والطوائف، كما انه لا ينسجم مع مبدأ العدالة والمساواة بين العراقيين على اختلاف انتماءاتهم وعقائدهم.
واضاف انه من المهم الإشارة إلى أن الدولة المتقدمة تسعى دائمًا إلى تحقيق العدالة والحرية والمساواة بين مواطنيها، وتعمل جاهدة من أجل رفاهية مواطنيها، ورفع كل ما من شأنه التفريق بينهم، لذلك تعاقب قوانينها كل من يفرّق بين المواطنين على اساس الدين، القومية، اللغة، اللون، العمر والجنس.
واشار الى ان ما جاء في الفقرة (ثانيا) يعتبر إجحافًا بحقوق المواطنين العراقيين وأولادهم من أتباع بقية الديانات والمذاهب، وفيه تمييز واضح بينهم وبين المسلمين، فضلاً عن أن نص الفقرة يتعارض مع قوانين حقوق الطفولة، كما إن الأطفال الذين يسمون مسلمين بحكم هذه الفقرة، تعتبر تسميتهم هذه بمثابة سلب إرادة غير البالغ وغير المميز عقليًا، وتطبيقها يعتبر مخالفة صريحة للقيم والمبادئ الديمقراطية ولوائح حقوق الإنسان العالمية، كما إنها تتعارض مع الدستور العراقي، الذي يحمي المواطن العراقي من كل أنواع الإكراه الفكري والديني والسياسي، إضافة إلى ان تطبيقها يعني تذويب لأتباع الديانات غير الإسلامية بغطاء قانوني، وذلك بحد ذاته تمييز على أساس الدين.
وطالب المنتدى الرئيس فؤاد معصوم بالإعتراض على هذه المادة ضمن الفترة المحددة للإعتراض القانوني البالغة شهرًا، ورفعها من القانون، أو تعديلها بما يضمن حقوق المواطنين العراقيين وحريتهم في اتباع الديانات والمذاهب بدون أكراه أو إجحاف.
تراجع عن مبدأ التعددية
من جهتها، عبّرت المديرية العامة لشؤون الأيزيديين في بغداد عن بالغ أسفها وخيبة املها في تمرير قانون البطاقة الموحدة من دون تعديل مسألة مهمة وأساسية في حق المكونات غير المسلمة وتقييد حرية المعتقد عبر ضغط الغالبية البرلمانية على الأقلية البرلمانية الممثلة لأبناء الأقليات وتهميش صوتها ومطالبها، التي تمثل صوت أبناء الأقليات لتمرير الفقرة الثانية من المادة 26 من قانون البطاقة متجاهلين كل الاعراف والمواثيق والمعاهدات وحقوق الانسان الدولية التي وقع عليها العراق".
واشارت المديرية الى ان "القاصر المولود لأبوين غير مسلمين يولد على دينهما، فإن أسلم أحدهما بحكم القانون سيكون ملزمًا قانونيًا أن يتحول الأبناء القاصرون إلى الدين الجديد، ولا يحق لهم العودة، في حال رغبوا في أن يرجعوا إلى الدين الذي كان عليه".. وتساءل قائلًا "كيف وهو لم يشهد الشهادة، وهو قاصر صار مسلمًا من دون حتى دراية منه، وما الضرر لو رجعوا إلى دينهم الاول". ووصفت القانون بالإجحاف والغبن، ويضاف "الى الصفعات التي تكال للأقليات على ارض تشهد أنهم شيّدوا أساسها، وهم أهل دين حق ودين محبة".
تمزيق لوحدة الشعب العراقي
اما الرابطة الكلدانية في العراق والعالم فقد اعتبرت تصويت مجلس النواب على قانون البطاقة الوطنية تمزيقًا لوحدة الشعب العراقي. وقال رئيس الرابطة صفاء صباح هندي إن القانون مجحف بحق المسيحيين في العراق لكونه يمزّق وحدة الصف العراقي بجميع مكوناته لمخالفته للديمقراطية وحقوق الإنسان، التي نصت عليها الأعراف الدولية، كما انه يتناقض مع ما جاء في الدستور العراقي بأن المواطنين متساوون أمام القانون، بغض النظر عن الدين والعرق والقومية وكذلك حرية الفكر والعقيدة.&
ودعت جميع رؤساء الكنائس في العراق وأصحاب الضمائر النيرة الى الوقوف صفاً واحدًا لإلغاء هذه المادة".. موضحة أن "البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو قد طلب سابقًا بضرورة تعديل المادة على أن تصبح (أن يبقى الأطفال القاصرون على دينهم لغاية إكمالهم سن الثامنة عشرة، عندها لهم حق الاختيار)، وهذا ما أكده ممثلو الكوتا المسيحية في مجلس النواب، ولم يحظَ بتأييد العدد الكافي".
كما اعرب أساقفة الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم المجتمعون في روما السبت الماضي عن أسفهم لرفض مجلس النواب تعديل قانون البطاقة الموحدة، معتبرين إياه تراجعاً مؤسفاً عن مبدأ التعددية.
ويشير القانون، الذي صوّت عليه البرلمان، والمقدم من لجان الأمن والدفاع والقانونية والخدمات والاعمار في الاسباب الموجبة لصدوره، الى انه "يأتي نظرًا إلى تعدد الوثائق التعريفية لدى المواطنين، ولغرض التخفيف عن كاهل المواطن، ومواكبة التطور الحاصل في منظومات العمل الحكومية في دول العالم المتقدم، من خلال استخدام احدث الانظمة الادارية، ولبناء شبكة متكاملة للمعلومات المدنية، وتوحيد نموذج شهادة الجنسية العراقية، ونموذج البطاقة الشخصية ونموذج بطاقة السكن في وثيقة واحدة وضمن شبكة معلومات واحدة، ولأهميتها في الجانب الامني للمواطن والدولة".
التعليقات