شيّعت بغداد رسميًا اليوم جثمان زعيم المؤتمر الوطني العراقي أحمد الجلبي، الذي توفي أمس بنوبة قلبية، وذلك بمشاركة الرؤساء الثلاثة، وحشد من السياسيين والنواب، تتقدمهم فرقة حرس الشرف الرئاسية وعائلته التي صحبت طبيبين أميركي وبريطاني للوقوف على الأسباب الحقيقية للوفاة.


أسامة مهدي: انطلقت مراسيم التشييع التي تابعتها "إيلاف" عبر قنوات محلية من مبنى مجلس النواب العراقي في وسط المنطقة الخضراء المحمية وسط العاصمة، حيث كان الجلبي يتولى رئاسة اللجنة المالية البرلمانية، وقد وضع نعش الجلبي على عجلة، تتقدمها صورة كبيرة له، وقد لف بغطاء اسود، من دون أن يغطى بالعلم العراقي، كما هو معهود في تشييع الشخصيات الوطنية الراحلة.

وتقدمت المشيعيين فرقة حرس الشرف الرئاسية، التي كانت تحيط بالجثمان، على نغمات الموسيقى الحزينة، حيث شارك في التشييع، الذي لم يستغرق طويلا، افراد عائلة الجلبي ورؤساء الجمهورية فؤاد معصوم والحكومة حيدر العبادي والبرلمان سليم الجبوري، اضافة الى النواب والقادة السياسيين وممثلي العشائر. وبعد انتهاء مراسيم التشييع تم نقل نعش الفقيد الى مدينة النجف (160 كم جنوب بغداد) حيث يوارى الجثمان الثرى في مقبرة السلام الشهيرة هناك.

طبيبان أميركي وبريطاني للوقوف على سبب الوفاة
وتوفي الجلبي صباح امس بنوبة قلبية، كما قيل، لكنّ شكوكًا من بعض افراد عائلته بسبب الوفاة استدعت تشريح جثمانه لمعرفة السبب الحقيقي للوفاة، لكن التقرير النهائي بذلك لم يصدر بعد، حيث كان رئيس ائتلاف العراقية اياد علاوي قد طلب من الحكومة اجراء فحص دقيق لجثمان الجلبي لمعرفة الاسباب الحقيقية للوفاة.

واليوم، كشف مصدر مسؤول أن عائلة الجلبي جلبت معها طبيبين، احدهما اميركي، والآخر بريطاني، لكشف "غموض" وفاته المفاجئة. ونقلت وكالة "السومرية نيوز" العراقية عن المصدر قوله إن العائلة قامت اليوم بجلب طبيبين، احدهما اميركي، والآخر بريطاني، بهدف تشريح الجثة، وكشف اسباب وفاة فقيدها المفاجئة. واضاف أن "عائلة الجلبي تشكك بموته".. مشيرًا الى أن "تشييعه من مجلس النواب كان رمزيًا".

وكان رئيس ائتلاف الوطنية اياد علاوي قد دعا الحكومة امس الى اجراء كشف طبي دقيق للوقوف على السبب الحقيقي لوفاة الجلبي. وقال علاوي في بيان "ننعى الى شعبنا العراقي الكريم واحدًا من ابنائه واخًا عزيزًا وابن اسرة كريمة عملت من اجل العراق وبنائه".

واضاف انه "بهذه الفاجعة الاليمة خسرنا رجلاً شجاعًا تصدى ببسالة للدكتاتورية، وعمل ضمن قناعته للعراق من دون كلل". وطالب الحكومة "باجراء الكشف الطبي الدقيق على جثمان الفقيد للوقوف على السبب الحقيقي لوفاته".

القادة العراقيون يعتبرون رحيل الجلبي خسارة للعراق
وفي تصريحات وبيانات، فقد اشاد القادة العراقيون بدور الجلبي في مقارعة النظام السابق وإسقاطه. وقال الرئيس معصوم "كان للفقيد الكبير دور محوري مع ابرز قيادات العراق في محاربة الدكتاتورية والعمل على تقويضها والشروع ببناء العراق الديمقراطي الاتحادي الحر، وظل يعمل بدأب وإصرار من اجله حتى آخر لحظات حياته". واضاف "ان فقدان الدكتور الجلبي في مثل هذه الظروف خسارة كبيرة لا يعوّضها الا دوام ذكره الطيب".

من جهته، قال رئيس مجلس النواب سليم الجبوري إن رحيل الجلبي هو فقدان لشخصية وطنية متزنة كرّست حياتها لخدمة الوطن. واضاف "نعزي بألم بوفاة أحمد عبد الهادي الجلبي عضو مجلس النواب ورئيس المؤتمر الوطني". واشار الى انه كان "للفقيد دور كبير في محاربة الدكتاتورية والشروع ببناء العراق الديمقراطي، ورحيله فقدان لشخصية وطنية متزنة كرّست حياتها لخدمة الوطن".

اما رئيس الوزراء حيدر العبادي فقد عزى بوفاة الجلبي. وقال إن الراحل افنى حياته في معارضة النظام الدكتاتوري، وكان له دور كبير في بناء العملية السياسية والديمقراطية في العراق.

من جانبه، قال تحالف القوى العراقية السنية إن الفقيد كان "احد أعمدة العملية السياسية ومن الشخصيات التي تميزت ببناء علاقات متطورة مع الشركاء السياسيين كافة، وتركت بصمة واضحة من خلال عمله رئيسًا للجنة المالية في مجلس النواب.
&
توفي في بغداد اثر نوبة قلبية عن 70 عامًا
وتوفي أحمد الجلبي، الذي يعتبر من اكبر معارضي الرئيس العراقي السابق صدام حسين ومهندس الغزو الاميركي لاسقاطه في منزله في منطقة الكاظمية في ضواحي العاصمة العراقية الشمالية، اثر نوبة قلبية لم تمهله طويلا، وذلك عن عمر 70 عامًا. وآخر مهمة كان يتولاها قبل وفاته هي رئاسة اللجنة البرلمانية في مجلس النواب العراقي، وسبق ان شغل منصب نائب رئيس الوزراء في حكومة ابراهيم الجعفري، التي تشكلت في اواخر عام 2005.

وأحمد عبد الهادي الجلبي من مواليد بغداد عام 1945، وهو مؤسس حركة المؤتمر الوطني العراقي، ويعتبر من أبرز المعارضين لرئيس النظام السابق صدام حسين، واستطاع ان يجمع الحركات السياسية العراقية المعارضة لصدام في تسعينات القرن الماضي، تحت مظلة المؤتمر الوطني بدعم اميركي.

وخلال فترة معارضته للنظام العراقي السابق، كان الجلبي يدفع بقوة لإسقاط النظام، عن طريق القوة، ويحشد من خلال علاقاته مع مختلف الاوساط السياسية الاميركية بهذا الاتجاه، حيث كان يسرب معلومات سرية عن وضع النظام وتحركاته في وسائل الاعلام العالمية، وخاصة ما يتعلق منها بمزاعم امتلاكه لاسلحة الدمار الشامل، التي ظهر زيفها في ما بعد.

مصرفي انشغل بهموم السياسة
والجلبي من عائلة عراقية شيعية معروفة تعمل في القطاع المصرفي، وحاصل على درجة الدكتوراه الفلسفية في الرياضيات، وقد أصبح رجل اعمال، بعدما اسس بنك البتراء في الأردن، وكانت الاوساط الغربية تعده لخلافة صدام حسين، حيث ارتبط بعلاقات وثيقة مع الدوائر الاميركية، وخاصة مع وزارة الدفاع (البنتاغون). وكان والده وزيرًا للتجارة في العهد الملكي.&

وقد غادر احمد الجلبي العراق عام 1958 بعد سقوط النظام الملكي واعلان الجمهورية العراقية في 14 تموز (يوليو) من ذلك العام، وعاش معظم حياته بعد ذلك في الاردن وبريطانيا، باستثناء فترة منتصف التسعينيات، عندما سعى الى تنظيم انقلاب من شمال العراق ضد صدام حسين، الذي اكتشف المحاولة، ونكل بعدد كبير من المشاركين فيها.
وحدث ذلك خلال تفجر القتال عام 1998 بين الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي السابق جلال طالباني والديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني الذي استنجد بصدام لدفع خطر مقاتلي طالباني عن احتلال اربيل، التي دخلتها القوات العراقية، واستطاعت قتل واعتقال العديد من المعارضين، ودفع قوات طالباني الى الخلف ومنعها من السيطرة على اربيل.&&

من العمل المصرفي الى السياسي
والجلبي دارس للرياضيات في جامعة شيكاغو، ثم بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا، وانشغل في العمل المصرفي، حيث حكم عليه غيابيًا عام 1992 في محكمة عسكرية أردنية بتهمة انهيار مصرف بترا، الذي شارك في تأسيسه عام 1977. وبعد مرض الملك حسين، ومكوثه في مستشفى مايو في شيكاغو، التقى به الجلبي، وطلب منه العفو عن الحكم، لكن القضية ظلت معلقة منذ ذلك الوقت.

وخلال مقابلات صحافية في اوائل عام الفين، وحين اشتد الضغط الغربي على نظام صدام وسطوع نجم الجلبي، فإنه قلل من احتمالات أن يتولى دورًا رئيسًا في أي حكومة مقبلة في العراق. وقال "شخصيًا لن أسعى لكي اصبح رئيسًا للعراق، ولا ابحث عن المناصب، ومهمتي ستنتهي بتحرير العراق من حكم صدام حسين". وكان يدعو انذاك الى تشكيل حكومة ائتلافية لنقل البلاد إلى حكم ديمقراطي ببناء فيدرالي يمثل جميع الأعراق والطوائف.

وكان الجلبي يحظى&بدعم في العديد من القطاعات داخل الكونغرس الأميركي ووزارة الدفاع (البنتاغون)، وهو صاحب خطة "المدن الثلاث" التي ترمي إلى أن يقوم المنتفضون بالاستيلاء على عدد من المناطق الرئيسة، ثم عزل وتطويق صدام.

وفي عام 1998 قام الرئيس الأميركي بيل كلينتون بإقرار خطة لإنفاق نحو 90 مليون دولار لمساعدة المعارضة العراقية، وخصوصًا المؤتمر الوطني العراقي، بهدف الإطاحة بنظام صدام، والذي تحقق عام 2003، فاصبح الجلبي أحد أعضاء مجلس الحكم في العراق، الذي تشكل في عام 2004 وسلمت إليه مقاليد الحكم.

من العلاقات مع واشنطن الى التنسيق مع طهران
وطيلة معارضته لصدام حسين ارتبط الجلبي بعلاقات مع وزارة الدفاع ووكالة المخابرات الاميركيتين، وكان ينسق معهما لاسقاط نظام صدام حسين، وعمل على تحشيد الغرب ضده، وطالما كان يسرب معلومات، ويدلي بتصريحات عن امتلاك العراق لاسلحة دمار شامل وضرورة اسقاط نظامه بالقوة "لتخليص المنطقة والعالم من خطره".

وحين غزت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا العراق عام 2003 اكتشفت عدم صدقية مزاعم الجلبي حول هذه الاسلحة، فادارت له ظهرها. لكنه انتقل بعدها الى احضان طهران، وشكل البيت الشيعي، الذي جمع القوى الشيعية تحت مظلة واحدة، خاض فيها الانتخابات الاولى التي شهدها العراق عام 2005، والذي كان نواة التحالف الوطني الشيعي الحالي، الذي شكل اربع حكومات منذ ذلك الوقت برئاسة ابراهيم الجعفري والمالكي لدورتين ثم حيدر العبادي حاليا. لكن التحالف الشيعي لم يمنح الجلبي أي دور فاعل في الحياة السياسية، كما لفظته طهران، التي لم تغفر له على ما يبدو علاقاته السابقة مع الدوائر الاميركية.

&
&