أعلن في بغداد اليوم عن وفاة& أحمد الجلبي زعيم المؤتمر الوطني العراقي وأكبر معارضي الرئيس العراقي السابق صدام حسين ومهندس الغزو الأميركي لإسقاطه.


أسامة مهدي: علمت "إيلاف" ان الجلبي توفي صباح اليوم في منزله في منطقة الكاظمية في ضواحي العاصمة العراقية الشمالية، اثر نوبة قلبية لم تمهله طويلاً، وذلك عن عمر 70 عامًا. واخر مهمة كان يتولاها قبل وفاته هي رئاسة اللجنة البرلمانية في مجلس النواب العراقي، وسبق أن شغل منصب نائب رئيس الوزراء في حكومة ابراهيم الجعفري التي تشكلت في اواخر عام 2005.

وأحمد عبد الهادي الجلبي من مواليد بغداد عام 1945، وهو مؤسس حركة المؤتمر الوطني العراقي، ويعتبر من أبرز المعارضين لرئيس النظام السابق صدام حسين، واستطاع ان يجمع الحركات السياسية العراقية المعارضة لصدام في تسعينات القرن الماضي تحت مظلة المؤتمر الوطني بدعم اميركي.

وخلال فترة معارضته للنظام العراقي السابق، كان الجلبي يدفع بقوة لإسقاط النظام عن طريق القوة، ويحشد من خلال علاقاته مع مختلف الاوساط السياسية الاميركية بهذا الاتجاه، حيث كان يسرّب معلومات سرية عن وضع النظام وتحركاته في وسائل الاعلام العالمية، وخاصة ما يتعلق منها بمزاعم امتلاكه لاسلحة الدمار الشامل، التي ظهر زيفها في ما بعد.

مصرفي انشغل بهموم السياسة
والجلبي& من عائلة عراقية شيعية معروفة تعمل في القطاع المصرفي، وحاصل على درجة الدكتوراه الفلسفية في الرياضيات، وقد أصبح رجل اعمال، بعدما اسس بنك البتراء في الأردن، وكانت الاوساط الغربية تعده لخلافة صدام حسين، حيث ارتبط بعلاقات وثيقة مع الدوائر الاميركية، وخاصة مع وزارة الدفاع (البنتاغون). وكان والده وزيرًا للتجارة في العهد الملكي.&

وقد غادر احمد الجلبي العراق عام 1958 بعد سقوط النظام الملكي، واعلان الجمهورية العراقية في 14 تموز (يوليو) من ذلك العام، وعاش معظم حياته بعد ذلك في الاردن وبريطانيا، باستثناء فترة منتصف التسعينيات، عندما سعى الى تنظيم انقلاب من شمال العراق ضد صدام حسين، الذي اكتشف المحاولة، ونكل بعدد كبير من المشاركين فيها.
&
حدث ذلك خلال تفجر القتال عام 1998 بين الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي السابق جلال طالباني والديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني الذي استنجد بصدام لدفع خطر مقاتلي طالباني عن احتلال اربيل، التي دخلتها القوات العراقية، واستطاعت قتل واعتقال العديد من المعارضين، ودفع قوات طالباني الى الخلف ومنعها من السيطرة على اربيل.&&

من العمل المصرفي الى السياسي
والجلبي دارس للرياضيات في جامعة شيكاغو ثم في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، وانشغل في العمل المصرفي، حيث حكم عليه غيابيا عام 1992 في محكمة عسكرية أردنية بتهمة انهيار مصرف بترا، الذي شارك في تأسيسه عام 1977. وبعد مرض الملك حسين ومكوثه في مستشفى مايو في شيكاغو التقى به الجلبي، وطلب منه العفو عن الحكم، لكن القضية ظلت معلقة منذ ذلك الوقت.

وخلال مقابلات صحافية في اوائل عام الفين، وحين اشتد الضغط الغربي على نظام صدام وسطوع نجم الجلبي فإنه قلل من احتمالات أن يتولى دورًا رئيسًا في أي حكومة مقبلة في العراق. وقال "شخصيا لن أسعى لكي اصبح رئيسًا للعراق، ولا ابحث عن المناصب، ومهمتي ستنتهي بتحرير العراق من حكم صدام حسين". وكان يدعو انذاك الى تشكيل حكومة ائتلافية، لنقل البلاد إلى حكم ديمقراطي ببناء فيدرالي يمثل جميع الأعراق والطوائف.

وكان الجلبي يدعم في العديد من القطاعات داخل الكونغرس الأميركي ووزارة الدفاع (البنتاغون)، وهو صاحب خطة "المدن الثلاث" التي ترمي إلى أن يقوم المنتفضون بالاستيلاء على عدد من المناطق الرئيسة، ثم عزل وتطويق صدام.

وفي عام 1998 قام الرئيس الأميركي بيل كلينتون بإقرار خطة لإنفاق نحو 90 مليون دولار لمساعدة المعارضة العراقية، وخصوصا المؤتمر الوطني العراقي، بهدف الإطاحة بنظام صدام، والذي تحقق عام 2003، فاصبح الجلبي أحد أعضاء مجلس الحكم في العراق، الذي تشكل في عام 2004، وسلمت له مقاليد الحكم.

من العلاقات مع واشنطن الى التنسيق مع طهران
وطيلة معارضته لصدام حسين، ارتبط الجلبي بعلاقات مع وزارة الدفاع ووكالة المخابرات الاميركيتين، وكان ينسق معهما لاسقاط نظام صدام حسين، وعمل على تحشيد الغرب ضده، وطالما كان يسرب معلومات، ويدلي بتصريحات عن امتلاك العراق لاسلحة دمار شامل، وضرورة اسقاط نظامه بالقوة "لتخليص المنطقة والعالم من خطره".

وحين غزت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا العراق عام 2003 اكتشفت عدم صدقية مزاعم الجلبي حول هذه الاسلحة، فادارت له ظهرها. لكنه انتقل بعدها الى احضان طهران، وشكل البيت الشيعي، الذي جمع القوى الشيعية تحت مظلة واحدة، خاض فيها الانتخابات الاولى، التي شهدها العراق عام 2005، والذي كان نواة التحالف الوطني الشيعي الحالي، الذي شكل اربع حكومات منذ ذلك الوقت، برئاسة ابراهيم الجعفري والمالكي، لدورتين، ثم حيدر العبادي حاليا. لكن التحالف الشيعي لم يمنح الجلبي اي دور فاعل في الحياة السياسية، كما لفظته طهران، التي لم تغفر له على ما يبدو علاقاته السابقة مع الدوائر الاميركية.

آخر لقاء في لندن
وفي آخر لقاء لي مع احمد الجلبي في لندن قبل اكثر من عام، وجّهتُ إليه سؤالاً يقول: انت مهندس اسقاط صدام حسين، بالتعاون مع الاميركيين، وصاحب فكرة التحالف الشيعي وزعيم المؤتمر الوطني، الذي كان اكبر تشكيل معارض لصدام، لكنك لم تحظَ بدور أو منصب كبير في النظام الجديد.. فأين الخطأ.. فيك.. أم في القوى الشيعية أم في الاميركيين.. فأجاب متبسمًا.. في هذه كلها! .. في رد لخص فيه دوره السياسي وعلاقاته الداخلية والخارجية.
&