فيما تبدأ في الرياض اليوم أعمال القمة الرابعة للدول العربية الأميركية اللاتينية بمشاركة 34 دولة، بينها 22 عربية و12 أميركية، فقد شكا العراق من غياب رغبة دولية كافية لمنع تسرب المقاتلين الأجانب إلى بلاده، منوهًا بأنه ما دام عناصر الإرهاب يرتبطون بدول العالم كافة، فعلى هذه أن تستيقظ وتستفيق من غفلتها، وتشعر أنها أمام العراق الذي يُقاتِل نيابة عنها، وليس أصالة عن نفسه فقط.


أسامة مهدي: قال وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري في كلمة بلاده خلال المؤتمر الوزاري للقمة، وتسلمت "إيلاف" نصها مساء امس، إن هناك ثلاث مصالح مُهمّة، وثلاثة أخطار تهدِّد العلاقة بين الدول العربية وبين دول العالم.. حيث تكمن المصالح في الثروات، فالشرق الأوسط يمتلك ثلثي احتياطيِّ نفط العالم، ويمتلك ثروات أخرى، كما إنَّ لديه موقعًا إستراتيجيًّا يربط بين القارّات الثلاث (آسيا، وأفريقيا، وأوروبا).

ويحتلُّ العراق هذا الموقع منذ زمن بعيد، لذا كان دائمًا مطمعاً لتكالـُب وتصارُع الإرادات من مُختلِف دول العالم، فالثروات جعلته حافزاً أساسيّاً لتحقيق التنمية المُستدامة، وتحقيق التطوُّر الاقتصاديِّ، وانعكاسه على البنى الاجتماعيّة المُختلِفة، كما إنه مُؤهَّل لأن ينفتح على العالم من موقع الثروة الاقتصاديّة، واستقطاب دول العالم المُستثمِرة من الناحية الاقتصاديّة.

واوضح ان الجانب الثاني هو التاريخ الحضاريّ للشرق الأوسط. وقال ان الإنسان في منطقة الشرق الأوسط عُمُوماً، وفي العراق بصورة خاصّة، يمتلك مثل هذه الأصالة الحضاريّة ذات الستة آلاف سنة، مُؤهَّل لأن يتعامل مع حاضر الحضارة، ومُستقبَل الحضارة ويفهم كيف يتعامل مع الدول الأخرى ذات الحضارة الإنسانيّة المُشترَكة، مُضافاً إلى ذلك أنَّ هناك مخاطر كثيرة تهدِّد العالم اليوم، أوَّلها الخطر الإرهابيُّ.

لا رغبة دولية كافية في منع تدفق المقاتلين الى المنطقة
وشدد على أن الإرهاب اليوم ظاهرة طفحت على السطح، ولم تكن وليدة هذه المنطقة أو تلك المنطقة، بقدر ما نشرت ظلـَّها في أكثر مناطق العالم، فالإرهاب المُعاصِر في 2001 كان في الولايات المُتحِدة الأميركيّة في نيويورك، وواشنطن، ثم امتدَّ إلى أوروبا، ومناطق أخرى، وجاء إلى الشام ومن الشام عبر إلى العراق، فهو يُشكـِّل خطراً حقيقـيّاً، ويدقُّ أجراس الخطر في كلِّ بلدان العالم.

وخاطب المؤتمرين قائلًا "عندما تفتحون ملفَّ الإرهاب لا بُدَّ أن تضعوا العراق كمُحكٍّ، لتـُدرِكوا جيِّداً أنَّ العراق يُحقـِّق اليوم انتصارات باهرة ضدَّ الإرهاب، وجعل الإرهاب يتراجع إلى الخلف، ويندحر، ولكن عندما نعقد مُقارَنة بين نهاية 2014 والآن في 2015، ازداد عدد الذين يأتون من دول العالم المُختلِفة من 82 دولة إلى أكثر من 100 دولة ممّا يعني أنَّ الإرادة الدوليّة لم تتفعَّل بدرجة كافية لتكبح جماح المُتطوِّعين، والذين يتسرَّبون من دول التطوُّع إلى دول العُبُور إلى دول التدريب إلى دول التمويل الماليِّ إلى دول الضحيّة".

واكد على "ضرورة دراسة هذه التجربة عن كثب دراسة صحيحة ودقيقة، لأنَّ ما يُصيب العراق اليوم قد يُصيب دولاً أخرى في الغد وهذا ما لا نتمناه". وقال ان الإرهاب لا ينتمي إلى دين مُعيَّن، ولا إلى مذهب مُعيَّن، ولا يستوطن في منطقة دون أخرى، إنـَّما يُهدِّد العالم كلـَّه، فلا يُمكِن التفكيك بين الإرهاب في هذا البلد، وفي بلد آخر؛ لذا مسؤوليّة كلِّ الدول بلا استثناء أن تقف صفًا واحداً إلى جانب الدول المنكوبة بالإرهاب لتكبح جماحها، وتصدَّها، وتحمي بلدانها من مغبّة الانتشار السريع للإرهاب الذي سيتفشى.
&
الخطر الثاني من الأخطار الثلاثة هو ما تتعرَّض له فلسطين.. فلسطين التي تـُمثـِّل عُمق الديانات من الناحية المعرفيّة، ومن الناحية الفكريّة، وتـُمثـِّل مُتسَع الأمم لكلِّ دول العالم تنزف دماً بين فترة وأخرى، ولا يغيب الجرح الفلسطينيُّ عن النزف في كلِّ مقطع من مقاطع التاريخ، ولا يُنكِر أحد هذه المُشكِلة التي تهزُّ العالم دائماً، وتـُعيد إلى الأذهان انتهاك حُرمة الأمم، والناس، والديانات بمُختلِف أنواع الانتهاكات. والعالم - للأسف الشديد - لم يرتقِ إلى مُستوى المسؤوليّة، ويُواجـِه هذا الخطر المُشترَك الذي يُهدِّد العالم كلـَّه.

تحول الارهاب الى ثقافة
واوضح الجعفري ان ثالث المخاطر هو الاحتراب الثقافيّ، لان الإرهاب اليوم تحوَّل إلى ثقافة، وصار يعرف كيف يفتك بالمُجتمَعات ثنائيّة المُركـَّبات؛ ليُحوَّل الثنائيّة المُتكامِلة إلى ثنائيّة مُتحارِبة، بعدما عاشت فـُصُولاً من المُواءَمة، والانسجام، فاخترق المُدُن، والمحافظات، والدول، والبلدان ذات الثنائيّات المُنسجمة من الناحية المذهبيّة ليُحوِّلها إلى ثنائيّات تحارُب.

واشار الى انه حتى الجانب السياسيّ يحلُّ فيه الإرهاب، ويُحاول أن يُشيع هذه المخاطر الثلاثة.. ودعا الدول المشاركة في القمة الى امعان النظر في تجربة العراق، وكيف واجَهَ الإرهاب رغم التحدِّيات الاقتصاديّة، والأمنيّة، والسياسيّة، وكيف أصرَّ على الحفاظ على وحدته، وسيادته، وأصرَّ على تحريك المُشترَكات بين أبناء الديانات، وأبناء المذاهب، وأبناء القوميّات المُختلِفة.

واضاف إنَّ تجربة العراق بهذا الحجم، وبهذا العمق، جديرة أن يُنظـَر إليها بكلِّ احترام، ويجب الوقوف إلى جانب العراق وقفة مسؤولة.. العراق يُقدِّم أغلى شيء.. يُقدِّم الدم، ويُقدِّم المال، ويعيش حصاراً مُركـَّباً من كلِّ النواحي، من أجل أن يُدافِع عن نفسه، ويُدافِع -أيضاً- بالوكالة عن كلِّ دول العالم.

وشدد على انه مادام عناصر الإرهاب يرتبطون بدول العالم كافة، فعلى هذه الدول أن تستيقظ وتستفيق من غفلتها، وتشعر بأنـَّها أمام العراق الذي يُقاتِل نيابة عنها، وليس أصالة عن نفسه فقط.. وقال "لذا تمنياتنا عليكم أن تدرسوا التجربة العراقـيّة في مُواجَهة الإرهاب، وتستفيدوا منها للحدِّ من امتدادات الإرهاب الوشيك الذي قد يتحرَّك في أيِّ بلد من بلدانكم".

وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي اعلن في منتصف حزيران (يونيو) الماضي ان نحو 40 انتحاريًا يدخلون البلاد شهريا، داعيا دول الجوار الى الحد من تدفقهم. وقال "يدخل العراق كمعدل شهري اربعون انتحاريًا في الشهر، يتسببون بقتل الابرياء من العراقيين". واشار الى ان "عدد المقاتلين الاجانب في العراق الآن اصبح يفوق عدد العراقيين .. معتبرا انه "على الآخرين ان يوقفوا مجيء هؤلاء الارهابيين الى بلادنا، وان يوقفوا ماكينة القتل والتدمير والارهاب".

بيان تاريخي
والليلة الماضية، وصف وزير الخارجية السعودي عادل الجبير البيان، الذي سيتم بحثه اليوم في القمة الرابعة للدول العربية ودول اميركا اللاتينية، بأنه بيان "تاريخي وشامل وقوي جدًا وايجابي من ناحية المواقف ويغطي قضايا عديدة".

ورفض في تصريح صحافي عقب اجتماع وزراء خارجية الدول المشاركة الكشف عن تفاصيل البيان، مؤكدًا أنه تم التوافق على جميع بنوده. واشاد بالسياسة الخارجية لدول اميركا الجنوبية ومواقفها المؤيدة دائما للقضايا العربية وأبرزها القضية الفلسطينية.

وكان وزراء الخارجية العرب ونظراؤهم في دول اميركا الجنوبية قد انتهوا امس خلال اجتماعهم المشترك من بحث صيغة مشروع (اعلان الرياض) المقرر صدوره من القمة المشتركة بين رؤساء وقادة الجانبين المقرر عقدها في الرياض اليوم وغدًا.

&