تمكن ثوار سوريا من صدّ قوات النظام وميليشيات تابعة له وإيقاف تقدمه في جنوب حلب، بعد وصول تعزيزات من جيش النصر وجيش الفتح إليه، بعدما شهدت قرى ريفي حلب الجنوبي والشمالي حركة نزوح كثيفة نحو الحدود التركية، بعد معارك كانت دائرة هناك وقصف روسي ومخاوف من تواصل انتقام جيش الأسد عبر دك قراهم.


علي الإبراهيم: حركة نزوح كبيرة يشهدها الطريق الواصل بين قرى ريفي حلب الجنوبي والشمالي، وصولًا إلى الحدود السورية التركية، حيث ينتشر نحو 50 ألف نازح هربوا من معارك مشتعلة هناك، ويقيم معظمم النازحين في الأراضي الزراعية، وضمن مخيّمات قريبة من الشريط الحدودي، في ظل معاناة إنسانية صعبة تفتقد إلى أبسط مقومات الحياة.

نزوح كثيف
جاء هذا النزوح بعد قصف جوي روسي عنيف، إضافة إلى هجوم برّي، شنته قوات نظام الأسد، مدعومة بميليشيات عراقية ولبنانية، بقيادة إيرانية، تحت تصرف قاسم سليماني، وذلك في مناطق ريف حلب الجنوبي.

هذا القصف أدى إلى نزوح أكثر من 1000 عائلة خلال الأيام الماضية، في ظل اشتداد المعارك، وتقدم جزئي لقوات النظام والميليشيا التابعة له، في نقاط عدة، كان يسيطر عليها تنظيم داعش.

وسط أحد الحقول في شمال سوريا، وضمن خيمة صغيرة، تسكن السيدة الخمسينية أم محمد مع عائلتها، التي نزحت ليلًا من منزلها في بلدة عبطين تحت القصف. تروي الأم لـ"إيلاف" تفاصيل النزوح، قائلة: "اشتد القصف علينا في ساعات الليل، وانتشرت أخبار عن تقدم قوات النظام، والاستعداد لاقتحام البلدة، فما كان أمامنا سوى الرحيل، تاركين بيوتنا وكل ما نملك". تضيف السيدة:" لقد هربنا بأرواحنا، فكما تعلم أن هذه العصابة عند دخول أي بلدة تقوم بالقتل والتدمير". واعتبر النازحون، الذين التقتهم "إيلاف"، أن الحملات العسكرية الشرسة، التي يشنها النظام على جنوب مدينة حلب، لا تدل إلا على ضعفه وسعيه إلى الإنتقام من المدنيين.

الثوار يوقفون التقدم
المعارك الدائرة في جنوب حلب بين فصائل الثوار وقوات النظام والميليشيا التابعة له تحت غطاء جوي روسي، أفضت إلى سيطرة قوات النظام على بلدات وقرى عدة منذ أيام، هذا ما دفع معظم أهالي مدن العيس والحاضر والزربة الواقعة في جنوب حلب إلى النزوح هربًا من عمليات انتقامية يمكن أن تنفذها قوات النظام، بحسب الأهالي الذين التقتهم "إيلاف".

القائد العام لجيش النصر محمد منصور، وفي تصريح لـ"إيلاف"، قال: "وصلت تعزيزات عسكرية من جيش النصر وجيش الفتح، عددها أكثر من خمسة آلاف مقاتل، إلى جنوب حلب، إضافة إلى آليات ثقيلة ومتوسطة، وذلك لصدّ تقدم هذه الميليشيات، المدعومة من الطيران الروسي، وهذه التعزيزات أوقفت تقدم قوات النظام، وهدفها كان استعادة المناطق التي خسرتها الفصائل أخيرًا".

وحول سبب الهجمة الشرسة التي تشنها قوات الأسد، مدعومة بميليشيات لبنانية وإيرانية وعراقية، أكد القاضي محمد حلاق، التابع لغرفة عمليات جيش الفتح، لـ"إيلاف" أنه "وبعد التحقيق مع عدد من الأسرى اللبنانيين والإيرانيين، الذين تم إلقاء القبض عليهم في معارك ريف حلب، تبيّن من خلال الاعترافات أن هذه القوات يقودها قاسم سليماني، وهدفها التمدد نحو الشمال، في محاولة للاقتراب أكثر من بلدتي الفوعة وكفريا، ذات الغالبية الشيعية، والمواليتين لنظام الأسد، والمحاصرتين من قبل المعارضة في ريف إدلب الشمالي، وذلك بهدف فك الحصار عنهما"، على حد تعبيره.

يشكل هذا التقدم الكبير لقوات النظام خرقًا غير مسبوق في مناطق المعارضة، التي خسرت السيطرة على أكثر من 50 كيلومترًا مربعاً خلال الفترة الماضية، في ريف حلب الجنوبي.

ورقة ضغط على تركيا
ليس خافيًا على أحد توجّه النازحين نحو الحدود السورية التركية، ومنهم من يتجه لاجئًا إلى داخل الأراضي التركية، حيث تسعى قوات النظام إلى تهجير عدد أكبر من الأهالي، وذلك كورقة ضغط على تركيا، في محاولة منها لإجبار الأخيرة على التخلي عن موقفها، لكن الصورة تبدو واضحة، فالعمل ليل نهار على تعزيز أوضاع اللاجئين في الأراضي التركية مستمر، إضافة إلى تقديم كل الخدمات والتسهيلات إلى جميع اللاجئين.

محمد سليم، أحد النازحين من ريف حلب الجنوبي، يقول لـ"إيلاف": "رغم أننا نعاني أوضاعًا إنسانية صعبة، لكن كرامتنا تبقى محفوظة، سواء هنا (الشريط الحدودي) أو داخل تركيا، التي استقبلت اللاجئين، وتساعدهم كل يوم، بعدما هجّرنا جيش الأسد والميليشيات التي تسانده" على حد تعبيره.

تراجع داعش
وفي وقت سابق، تعرّض تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" لخسائر كبيرة في المناطق التي كان يسيطر عليها في جنوب مدينة حلب، إثر الهجوم الكبير الذي شنته قوات النظام مدعومة بغطاء جوي روسي، وخاصة مطار كويرس، والمناطق المحيطة به.

وأكد محمد المصري، القيادي العسكري في جيش الفتح، لـ"إيلاف"، أن "المعركة التي خاضها النظام كانت بقيادة ميليشيات إيرانية ولبنانية وعراقية"، مضيفًا أن "إيران تسعى إلى استكمال مخططها الاحتلالي لسوريا". أضاف: "بعد انسحاب داعش من هذه المناطق، تقدم النظام، وسيطر على مناطق جديدة، في الوقت الذي كنا نشنّ فيه هجومًا على حماه".

أما عن استعدادات فصائل المعارضة لصدّ الهجوم، فقال: "تم تعزيز كل الجبهات العسكرية، بالتعاون مع غرف العمليات، لتشكيل قوة مؤازرة واحدة لصد الهجوم"، مؤكدًا أن "التدخل الإيراني والروسي زادهم تصميمًا على متابعة دفاعهم عن أرضهم وعرضهم ودينهم".

وأضاف: "اليوم وأمس تكبّد النظام ومن معه خسائر فادحة في العدة والعتاد، وتم قتل أكثر من أربعين مرتزقاً إيرانياً، بينهم قادة، ومنهم الضابط الإيراني مسعود أصغري، قائد الحملة العسكرية في ريف حلب الجنوبي، كما جرى أسر عناصر لبنانية"، على حد تعبيره

وأكد أحمد الأحمد، مسؤول العلاقات العامة في فيلق الشام: "نحن بانتظار من يريد أن يدفن نفسه في المنطقة، وسترى إيران وروسيا قوة الثوار في هذه المواجهة. أما خسائر داعش أمام النظام، فلن تثنينا عن التقدم، وإلحاق الخسائر بهم في العدة والعتاد".
&