انقسم قراء إيلاف نصفين: نصف مع إعادة آيا صوفيا إلى الكنيسة الأرثوذكسية، ونصف ضد ذلك، لكن، أليس هذا الصرح الثقافي ملكًا للبشر كلهم بعدما تحول متحفاً دينيًا مفتوحًا أمام الجميع؟
&
حرب موسكو - أنقرة اليوم مالئة الدنيا وشاغلة الناس، كيف لا وروسيا تلقت صفعة بـ 24 صفعة، حين أسقط لها الأتراك طائرة سوخوي-24، التي يرى فيها الكرملين مفخرة الصناعة الحربية الروسية في حقبة ما بعد الحرب الباردة. فكان الردّ أن "هيا نقطع على الأتراك إمداد النفط والغاز لنلقنهم درسًا لن ينسوه".
&
التهديدات الروسية مستمرة، والتهديدات التركية المقابلة لا تضعف، حتى وصل الأمر إلى مطالبة بعض غلاة "التريّس" تركيا بإعادة آيا صوفيا إلى الكنيسة الأرثوذكسية، أي إلى الروس حماة الأرثوذكس التاريخية وامهم الحنون. فسألت "إيلاف" قراءها سؤالها الاسبوعي: "هل تؤيد عودة كنيسة أيا صوفيا إلى الكنيسة الأرثوذكسية؟". أجاب 4633 قارئا عن هذا السؤال، فوافق 2161 منهم (بنسبة 47 في المئة)، وعارض 2472 منهم (بنسبة 53 في المئة).
&
ثمة من يسأل: "ما مناسبة هذا السؤال؟ وهل وصلت الأمور بين تركيا وروسيا إلى هذا الدرك من التوتر؟"
&
تحريض لبناني
&
مفيد القول إن رودريك الخوري، اللبناني المسيحي ورئيس حزب المشرق، كان هو أول من أطلق هذه الدعوى من موسكو إذ حل فيها زائرًا، محرضًا روسيا على استعادة ما سماه "كاتدرائية آيا صوفيا" للروم الأرثوذكس، حتى أنه تشاور &مع سيرجي غافريلوف، عضو مجلس الدوما الروسي، لإيجاد حل لاستعادة "آيا صوفيا" من تركيا.
&
وجاء في رسالة نشرها خوري على صفحته الخاصة وفي موقع إخباري لبناني يدعمه، إن مجلس الدوما الروسي دعم فكرة إعادة كاتدرائية آيا صوفيا للروم الأرثوذكس في القسطنطينية إلى الكنيسة الأورثوذكسية، بحسب تصريحات رئيس لجنة الملكية ومنسق المجموعة البرلمانية بين الفصائل بشأن حماية القيم المسيحية سيرجي غافريلوف.
&
وقال خوري إن الجانب الروسي يرى إمكان التطرق الى مسألة كاتدرائية آيا صوفيا، المزار القديم للعالم المسيحي في القسطنطينية والتي كانت كاتدرائية بيزنطية قديمة، متوقعًا خطوة ودّية من الجانب التركي في هذا الموضوع، ومؤكدًا أن روسيا مستعدة للمشاركة ماليًا واشراك افضل المهندسين المعماريين الروس من اجل ترميم النصب المسيحي العالمي. وبأن من شأن هذه الخطوة أن تساعد تركيا والإسلام في اثبات حسن نيتهم الذي هو فوق السياسة.
&
ويؤكد خوري أن عضو الدوما قال له جازمًا: "ينبغي اعادة كاتدرائية آيا صوفيا إلى المسيحيين".
&
خارج التاريخ
&
القسمة بين قراء "إيلاف" بشأن هذه المسألة شبه متساوية إحصائيًا، متساويةً رأيًا، مع غلبة قليلة لأصحاب "المعارضة". إن المطالبة الموسومة "متعصبة" باستعادة الأرثوذكس كنيستهم من المسجد، أو حتى من المتحف، التركي إنما هي دعوة مشوبة بخطر العودة إلى عصور التناحر، التي يبدو الكون عائدًا إليها واثق الخطوة.
&
يقول الباحث الدكتور أحمد مفلح لـ "إيلاف" إنها دعوة نافلة، "فهل يمكن إعادة التاريخ إلى الوراء؟ أو اختزاله؟ أو محوه؟ فالتاريخ واقع، لكن ليس الواقع تاريخًا، والسؤال: ’إذا أعيدت آيا صوفيا، فماذا عن القدس؟ ماذا عن قبة الصخرة؟ ماذا عن المسجد الأموي؟‘ وحتى في السياق السياسي، هل تعود أميركا للهنود الحمر يومًا".
&
لا يلوم مراقبون تصاعد هذه الحملة على تركيا، خصوصًا من قبل الذين يدورون في الفلك الروسي بعدما ساق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاتهامات ضد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان والأتراك بالتنسيق مع داعش، الذي صار اليوم مثال القتلة في العالم أجمع. ففي الأمر شبهة "ثأر" كما قال مفلح، "لكن الداعين إلى ذلك خارج التاريخ، وخارج منطق التاريخ، في جوانبه السياسية والتاريخية". وحتى إذا كان الثأر من الأتراك بالدعوة إلى استعادة آيا صوفيا، فإن منطق الأشياء يقول إنه منذ حول أتاتورك هذا الصرح متحفًا، صار ملكًا للانسانية جمعاء، وخرج حتى من يد الأتراك أنفسهم، وتحولوا قائمين عليه، مشرفين على صونه، يديرونه إداريًا ولا يقررون شأنه في أي حال من الأحوال، وإن كان هؤلاء يبحثون عن ثأر ما من الأتراك، أو من المسلمين حتى، فليجدوا ميدانًا غير هذا الميدان.
&
تاريخيًا
&
تقول الرواية التاريخة إن آيا صوفيا كانت كاتدرائية سابقًا قبل أن يتحول إلى مسجد ثم إلى متحف ديني في عام 1923، ويقع في مدينة إسطنبول في تركيا. بدأ الإمبراطور جستنيان بناء هذه الكنيسة عام 532، واستغرق بناؤها نحو خمس سنوات، وتم افتتاحها رسميًا عام 537. ولم يشأ جستنيان أن يبني كنيسة على الطراز المألوف في زمانه بل كان دائما يميل إلى ابتكار الجديد، فكلف المهندسين المعماريين إيسودور الميليسي وأنثيميوس التراليني ببناء هذا الصرح الديني الضخم وكلاهما من آسيا الصغرى.
&
غير السلطان محمد الفاتح المبنى ليكون مسجدًا، وأضاف إليه منارة، ثم أضيف إليه منارة أخرى في زمن السلطان بايزيد الثاني. بقي أيا صوفيا مسجدًا 481 عامًا، ليحوله مصطفى كمال أتاتورك إلى متحف في عام 1934.
&
في عام 2014، نظمت جمعية "شباب الأناضول" فاعلية لصلاة الفجر في ساحة المسجد تحت شعار "أحضر سجادتك وتعال"، في إطار حملة داعية إلى إعادة متحف آيا صوفيا مسجدًا. وكانت الجمعية ذكرت أنها قامت بجمع 15 مليون توقيع للمطالبة بإعادة تحوّل المتحف إلى مسجد، إلا أن الحكومة التركية صرّحت بأن لا نية لتغيير الوضع الحالي لآيا صوفيا.