رغم كثرة الحديث عن فشل الحراك المدني في لبنان، يعتبر الكثيرون أنه لم يفشل، بل هدأ قليلًا، وسيعود من تحت الرماد، لينطلق بقوة أكبر، خصوصًا هذا الأسبوع مع الدعوة إلى وقفات رمزية ضد الفساد.


ريما زهار من بيروت: دعت حملة "طلعت ريحتكم" إلى "وفقة رمزية عند الحادية عشرة قبل ظهر اليوم الأربعاء، أمام وزارة العدل، وغدًا الخميس أمام وزارتي الاتصالات والمالية، والسبت عند الثالثة بعد الظهر في منطقة رياض الصلح في وسط بيروت.

وأكدت الحملة أن أولويتها الآن هي المطالبة بحل أزمة النفايات، ودعوة الحكومة إلى عقد جلسة لإقرار قانون الانتخاب على قاعدة النسبية. وفي ظل هذه الدعوات أين أصبح الحراك المدني في لبنان، وهل صحيح أنه أخفق في حملته كما يدّعي الكثيرون؟.

يقول الكاتب والمحلل السياسي معن بشور لـ"إيلاف" إن هذه الحملات قد حققت جزءًا مهمًا من أهدافها، وهو أولاً أن تبرز صوت الغالبية الساحقة من اللبنانيين، الرافضين للأوضاع الشاذة التي تعيشها بلادهم على كل المستويات، وثانيًا أنها أطلقت نوعًا من الدينامية، سواء على مستوى الشارع أو على مستوى السلطة، وفي جو الحراك برزت فكرة الحوار لدى المسؤولين، بغضّ النظر عن نتائجها، ولكن هذا الحراك دفع المسؤولين إلى أن يتلاقوا ويتدارسوا الأوضاع العامة في البلاد، وثالثًا دفعت أيضًا ببعض المسؤولين إلى الحديث عن تسوية شاملة، وإلى إطلاق مبادرة رئاسية، بغضّ النظر عن نتائجها، ولولا الحراك المدني ما كان السياسيون سيتحركون باتجاه الحوار أو المبادرات.

صعوبات
يلفت بشور إلى أن هذا الحراك واجه صعوبات من داخله أيضًا، فتعدّد الحملات واصطدامها بما يمكن تسميته "بالمجتمع العميق" في لبنان، إضافة إلى الدولة "العميقة" الموجودة، حيث تتحكم الاعتبارات الطائفية والمذهبية، وبالتالي هذا المجتمع العميق أجهض ويجهض العديد من مباردات الإصلاح، التي تبدأ بإصلاح النظام الانتخابي، الذي لا يتم إلا باعتماد النسبية، حيث يتمثل الجميع، فالمجتمع العميق وقف بقوة أمام هذا الحراك، لكن هذا الحراك كالجمر تحت الرماد، إن خبا وهجه أحيانًا، فإنه سيعود بشكل أفضل، ولكن نتمنى أن يواكب هذه الدعوات للتحرك، هذا الأسبوع، تقويم عميق من قبل كل الحملات، لأسباب أو لتجربة المرحلة الأولى من الحراك، كي تكون المرحلة الثانية أكثر إنتاجًا وإثمارًا.

بوصلة الحراك
ولدى سؤاله كيف يمكن تحريك بوصلة الحراك المدني شعبيًا كي يقف في وجه الفساد؟، يجيب بشور: "أعتقد أنه يجب أولاً أن تتوحد كل الحملات، وأن يخرج الجميع من الاعتبارات الذاتية أو الشخصية، وأن تكون لهذا الحراك مطالب محدّدة، لا تتوسع لتصل إلى مطالب من الصعب تحقيقها، لا بد من إنجازات محدودة، ليبني الحراك عليها، وكل هذا يتطلب خلوة عميقة بين أهل الحراك وداعميهم، لكي يدرسوا بعمق التجربة الماضية، ويستخرجوا الدروس والعبر منها، لكي ينطلقوا في المرحلة الجديدة بزخم وفاعلية أكبر.

الفساد
هل يمكن القول اليوم إن الفساد والطبقة الحاكمة تغلبت على الحراك المدني في لبنان؟، يقول بشور إن الفساد والطبقة الحاكمة من القوة بمكان يصعب اختراقه في أسابيع أو أشهر، فهذه معركة طويلة، وإذا اعتقدنا أننا قادرون على حسمها بفترة قصيرة، نكون واهمين، ولكن أعتقد أن الطبقة الحاكمة في لبنان سيتراجع تأثيرها ودورها، وأن الفساد سيحاصر عاجلاً أم آجلاً، لأن الفساد وأسلوب التحكم بمصير البلد لا يمكن أن يعيشا في بلد شعبه حي كالشعب اللبناني.

إلى أي مدى عدم توحيد الجهود والمطالب للحراك المدني كانت وراء القول إنه فشل؟، يجيب بشور بأن الحراك المدني لم يفشل، بل هدأ قليلًا، وبدون شك تعدّد المطالب كان أحد أسباب هذا التراخي، ولكن جدول هذا الحراك لا يزال موجودًا، وسيبرز صداه في وقت لاحق.

&