اعتبر مرصد عراقي يعنى بالحريات الصحافية محافظة البصرة العراقية الجنوبية عاصمة لقمع حرية التعبير وهجرة الصحافيين بعد سنوات متتالية من التهديد والقتل والخوف، فيما دعا نائب عراقي إلى اعلان الطوارئ وإرسال قوات إضافية إلى المحافظة لوقف التدهور الامني الخطير فيها.
لندن: أشار المرصد العراقي للحريات الصحافية في العراق فرع البصرة في تقرير عن اوضاع الصحافيين في ثاني اكبر محافظات العراق بعد بغداد، حيث يقطنها اكثر من 5 ملايين نسمة، إلى أنّه بعد عام ألفين وثلاثة "سقوط النظام السابق" كان أبسط ما يحلم به الصحافي في بلاد الرافدين أن يمارس المهنة دون رقابة وزنزانة معتقل.. لكن الصحافة خلال هذه الفترة لم تستطع نقل الحقيقة والمصداقية بلا ضريبة دم وخطف وإعتقال فكانت ضحية للعنف والتطرف والتسلط.
وأكد على سقوط العديد من الضحايا والجرحى والمخطوفين والمعتقلين، إضافة إلى هجرة الكثير من الخبرات الإعلامية المهمة بسبب التضييق والقتل والتهديد والمساومة، "لهذا بات العراق أحد أخطر البلدان على حياة الصحافيين حسب التقارير الدولية الأخيرة".
واوضح المرصد ان اول إستهداف صريح للكلمة الحرة حدث قبل عشر سنوات، ومن ذلك اليوم ولم يتوقف هذا الإستهداف المتعمد والمتكرر والذي ذهب ضحيته الكثير من الأقلام الصحافية والأسماء الاعلامية، بينما الجاني يغيبُ دوماً ودائماً من الردع والحساب، أما الجريمة فيتم تقييدها ضد مجهول.
ووثق المرصد العراقي أبرز الإستهدافات لصحافيي البصرة للسنوات&العشر&الماضية، كما يلي:
&
2004… سنة التهديد
في منتصف العام ألفين وأربعة عرفت التهديدات حضورها على الصحافيين في البصرة، وشملت الذين يغطون أنشطة قوات التحالف الدولي في المدينة، لاسيما تلك المؤسسات الإعلامية التي كانت تشرف على إدارتها القوات البريطانية، فضلاً عن التهديدات المباشرة بتكميم أفواه الصحافيين الذين حاولوا فضح عمليات تهريب النفط من قبل المافيات المتحكمة بمقدرات المدينة في تلك الفترة.&
&
2005… أول الضحايا
في شهر شباط (فبراير) من العام ألفين وخمسة، قدمت الصحافة في البصرة أول ضحاياها، حيث إغتيل مراسل قناة الحرة عبد الحسين خزعل البصري لدى خروجه من منزله الواقع في منطقة المعقل وسط المدينة.
وفي شهر أيلول (سبتمبر)، فقدت البصرة صحافياً آخر، فاخر حيدر، وُجدت جثته مرمية على رصيف أحد الشوارع وعليها آثار إطلاقات نارية، فاخر حيدر كان يعمل متعاوناً مع صحف بريطانية وأميركية إضافة إلى عمله في إذاعة وتلفزيون المربد.
&
2006… القوائم السوداء
في العام ألفين وستة، إتخذت جماعات العنف المنظم أسلوباً جديداً في ترويع وتهديد الصحافيين في البصرة، وذلك بإعتماد القوائم السوداء، حيث وُضعت أسماء العديد من الصحافيين في تلك القوائم التي تصفها الجماعات المسلحة بالخائنة والعميلة، وتتعارض مع نهجها الدموي التسلطي، البعض من الصحافيين غادروا البلاد حينها بحثاً عن بيئة آمنة لهم ولعوائلهم خصوصاً بعد ضعف أداء الأجهزة الأمنية في حماية الصحافي من رصاصات الغدر والتصفية الجسدية.
&
2007… الإستهداف يتواصل
وفي هذا العام كان واضحًا ان من أصر على مواجهة الخطر دفع ثمن الإستهداف كما حصل للصحافي ماجد البريكان مراسل إذاعة سوا في مطلع العام ألفين وسبعة، والذي نجا بأعجوبة من محاولة إغتيال تعرض لها من قبل شخصين كانا يستقلان دراجة نارية ورشقا سيارته بعدة إطلاقات نارية.
&
2008… مواجهة مختلفة
في العام الفين وثمانية قامت القوات الحكومية وبمساعدة قوات التحالف الأميركية - البريطانية بعملية عسكرية في المدينة وخاضت حرب شوارع شرسة، وأثناء تلك العمليات العسكرية تعرض كادر قناة الحرة في البصرة لمحاولة إستهداف، فـجُرح المراسل مازن الطيار فيما نجا مصوره هاشم مهدي أحمد من حادث الهجوم.
كما تعرض مكتب قناة العراقية في البصرة لهجوم مسلح، أسفر عن أضرار جسيمة بمبنى المكتب دون إلحاق أذى بالعاملين.&
&
2009 - 2011
ساهمت العمليات العسكرية في تقليل نسب إستهداف الصحافيين، ولكن هذا لا يعني أن البيئة كانت آمنة بشكل كامل للصحافي الحر بأن يزاول عمله بلا مضايقات وإستهدافات ومساومات.
&
2011 - 2012
السلطات المحلية فرضت تشديدًا مبالغاً فيه على حرية الصحافيين، بل منحت الأجهزة الأمنية حق الإعتداء على رجالات الإعلام، وهذا ما سجّـل أكثر من علامة إستهداف خلال هذين العامين، فقد تعرض أربعة صحافيين في البصرة للضرب المبرح بقوة السلاح كونهم شاركوا في تغطية تظاهرة تطالب بتحسين الخدمات ومحاربة الفساد، الصحافيون هم : شهاب أحمد - نبيل الجوراني - محمد الراصد - محمد الجابري.
&
2013… ضحية جديدة
ثم انضم الصحافي الشاب وضاح الحمداني لمجموعة الصحافيين المغدورين، بعد أن فارق الحياة بسبب رصاصة طائشة تعرض لها أثناء تغطيته واجباً صحافياً يخص قناة بغداد الفضائية، وكان يعمل فيها مراسلاً.
&وتعدُّ البصرة من أكثر مدن العراق التي ينتشر فيها السلاح غير المرخص "خارج سيطرة الدولة"، وأغلب مناطق المدينة تشهد بين الحين والآخر نزاعات عشائرية يذهب ضحيتها الكثير من الأبرياء دون قدرة السلطات الحكومية على بسط نفوذها الكامل على تلك المناطق.
&
2014 - 2015
&وتعتبرهذه الفترة هي الأسوأ في مدينة البصرة حيث غابت سلطة القانون بشكل واسع وباتت التهديدات علنية وتستهدف أعداداً كبيرة، حتى أن القادة الأمنيين في المدينة صرّحوا بأن عقاب الصحافيين يبدو من ورائه أجندة منظمة وتعمل على تصفية كلِّ قلم حر وصحافي نزيه، في الأشهر القليلة الماضية تعرّض العديد من الزملاء لتهديدات الجماعات المسلحة وبعضهم اضطر خوفاً ورعباً وهلعاً من المغادرة والهروب خارج الوطن، فيما البعض الآخر عانى الأمرين، من وحشية المسلحين ومضايقات السلطة، كما حدث مع الاعلاميين: شهاب أحمد - منتظر الكركوشي - حيدر الحلفي - بدر السليطي" على خلفية تغطيتهم التظاهرات الشعبية المطالبة بالإصلاحات السياسية ومحاكمة رموز الفساد.
كما أن نقيب الصحافيين في البصرة حيدر المنصوري تعرض هو الآخر للتهديد بالقتل من خلال منشورات وُجدت في باحة نقابة الصحافيين.
وفي العام الحالي وتحديدًا قبل شهرين فُجع الوسط الصحافي في المحافظة بمقتل الصحافي سياب ماجد العقابي مراسل وكالة العراق تايمز، والذي خطفه مسلحون يرتدون ملابس قوات الشرطة، وبعد يوم على إختطافه وجُدت جثته مرميةً في الشارع وعليها آثار تعذيب وإطلاقات نارية في الرأس والصدر.
&
هجرة الصحافة
ولكل ذلك، فقد دفعت البصرة ثمناً باهظاً عندما خسرت أبرز الأسماء الصحافية والإعلامية، والتي قررت المغادرة خارج البلاد هرباً من رصاصات القتل بعد أن تم تهديدها بشكل مباشر بالتصفية الجسدية وسط عاجز وتهاون من الأجهزة الأمنية، ومن بين أبرز الأسماء التي غادرت بسبب ذلك:
حيدر الحلفي "مراسل قناة الشرقية" - علي يساس "مقدم برامج باذاعة البصرة" - سلام المناصير "مراسل قناة العراقية ومن ثم قناة MBC السعودية" - هاشم مهدي أحمد "مصور قناة الحرة" - ثائر التميمي "مصور تلفزيون المربد" - حيدر هشام الجزائري "مصور قناة العراقية" - حسين عبد الوهاب "مراسل قناة العراقية" - أنوار الامارة "مديرة إذاعة البصرة" - أمجاد ناصر "مراسل قناة الشرقية" - إياد ريال المنصوري "مصور قناة العراقية ومن ثم وكالة رويترز" - جوان ناصر "مراسلة قناة العراقية" - صلاح مهدي "مذيع بإذاعة النهرين" - عادل كاظم "مخرج بإذاعة البصرة" - عماد السلمان "مراسل قناة الفرات".
&
دعوة لاعلان الطوارئ
ومن جهته، فقد دعا عضو مجلس النواب عن محافظة البصرة النائب عبد السلام المالكي إلى اعلان حالة الطوارئ في المحافظة بعد التدهور الامني الكبير الحاصل فيها، مطالبًا القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي إلى التدخل فورًا وبشكل شخصي والاشراف بشكل مباشر على ارسال قوات امنية اضافية لمسك زمام الامور فيها.
وقال المالكي في بيان صحافي اطلعت "إيلاف" على نصه"، إن "البصرة تعاني وخلال هذه الفترة من تدهور امني كبير وصراع بين جهات بعضها معلوم والآخر مخفيّ مع تصفيات جسدية للخصوم بشكل خلق نوعًا من الفوضى داخل المحافظة، حيث وصل عدد الضحايا من جراء تلك الصراعات إلى اكثر من 40 ضحية مسجلة فقط ناهيك عن حالات الخطف والصدامات العشائرية في عدة مناطق منها، والتي زادت الطين بلة".
وأضاف أن "البصرة تعتبر الشريان الاقتصادي للبلد وموازنة العراق تعتمد بما نسبته اكثر من 80% من وارداتها، وأي انهيار امني أو هيمنة لجهات غير الحكومة الاتحادية على مقدراتها سيدخلنا في دوامة تحرق الاخضر باليابس، وقد تؤثر بشكل مباشر على كل البلد اقتصاديًا وامنيًا ناهيك عن الاضرار المادية والبشرية التي ستلحق بالمحافظة التي هي بالاصل تعاني من اوضاع صعبة".
واكد المالكي على "ضرورة ايلاء القائد العام للقوات المسلحة اهمية قصوى بوضع المحافظة الامني، والعمل على ارسال قوات امنية اضافية للسيطرة على الوضع وانهاء حالة الفوضى والرعب التي تنتاب مواطنيها مع اعلان حالة الطوارئ لحين عودة الامن بشكل تام قبل فوات الاوان وخروج المحافظة عن سيطرة الدولة".
صحافي يقضي 8 ايام معتقلاً متعرضًا للتعذيب
بعد ثمانية ايام من الاعتقال والتعذيب، فقد أفرجت السلطات العراقية عن الصحافي ضرغام الزيدي الذي يعمل لحساب مؤسسة الشبكة للثقافة والإعلام في مدينة الناصرية جنوب البلاد على خلفية تهمة بالتظاهر. وقد تعرض الزيدي خلال اعتقاله إلى الضرب المبرح من عناصر أمنيين على طريق كربلاء النجف في نقطة تفتيش تابعة لعمليات الفرات الأوسط عندما كان متوجهًا إلى محافظة النجف، وقد بدت عليه آثار الضرب المبرح الذي تسبب به عناصر نقطة التفتيش.
وقد ابلغ ضرغام الزيدي المرصد إنه وشقيقه كانا متوجهين إلى مدينة النجف الأشرف من كربلاء للقاء إحدى الشخصيات الدينية المرموقة حين تم إيقافهما في نقطة تفتيش تابعة لقيادة عمليات الفرات الأوسط في منظقة خان النص، مضيفًا إنه تم إنزالهما من السيارة والتدقيق بإسميهما، حيث نادى أحد الجنود بكلمة مطلوبين، وعلى الفور قام جنود آخرون بضربنا بأيديهم وتوجيه لكمات قاسية ودون رحمة ودون أن نعرف الأسباب والمبررات، وتم وضعنا في سيارة ونقلنا على الفور إلى مقر عسكري وعرضنا على القاضي في اليوم التالي حيث أفرج عنا وطلب مني التعرف على الجنود الذين قاموا بضربنا لكنني لم أستطع بسبب إرتفاع نسبة السكر في الدم والرعب والأذى الذي لحق بي.
الزيدي أشار إلى إنه عرف في ما بعد إنه مطلوب للجهات الأمنية في الناصرية بتهمة التظاهر ضد الحكومة، حيث نقل وشقيقه إلى مدينة الشطرة في ذي قار وتم إلتقاط صور خاصة لهما من قبل مركز الشرطة الذي كان يسعى إلى تجنب المساءلة القانونية بسبب الآثار التي بدت على وجهيهما، وبقيا في السجن لثمانية أيام وتم الإفراج عنه حين تأكد للقضاء إنه لم يشارك في التحريض على العنف، أو الطائفية وإن خروجه كان للتغطيات الصحافية وليس لممارسة دور مخالف للقانون.
وطالب المرصد العراقي للحريات الصحافية الحكومة العراقية بالتحقيق في الواقعة وتحويل المتورطين بواقعة الإعتداء إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل.
&
التعليقات