روى وليد جنبلاط قصة الجاسوس السويدي الذي خبأه السوفيات في قصره أربع سنوات، وقدم اعتذاره للشعب السويدي عما حصل.
بيروت: لطالما كانت العلاقة متينة بين المختارة وموسكو. فمنذ أيام الزعيم الراحل كمال جنبلاط، كانت هذه العلاقة موسومة بالنضال المشترك من أجل المبادئ الاشتراكية، حتى نال جنبلاط وسام لينين للسلام بين الشعوب.
&
استمرت العلاقة وطيدة بين موسكو السوفياتية والمختارة الجنبلاطية في ايام وليد جنبلاط، بعدما ورث زعامة الحزب التقدمي الاشتراكي بعد اغتيال والده في العام 1977.
&
إلا أن أحدًا لم يكن ليتوقع أن تقود هذه العلاقة المميزة بين جنبلاط والسوفيات إلى أن يخفوا في قصره بالمختارة جاسوسًا.&
&
سر الجاسوس
&
هذا سرّ أفشاه جنبلاط الأربعاء الماضي، حين كتب مقالة نشرها موقع جريدته الأنباء بالانكليزية، روى فيها واقعة إخفاء الجاسوس ستيغ برغلينغ أربع سنوات في قصر المختارة، بين 1990 و1994.
&
كتب جنبلاط: "سيكتب أحدهم سيرة حياتي ذات يوم. قد أكون حيًا حينها لأزوّده بالمعلومات، أو قد أكون تقمّصت في الصين بحسب عقيدة التوحيد، وفي هذه الحالة، لا أدري إن كان كاتب سيرتي يتقن لغة المندرين.
&
لنعد إلى موضوع الجاسوس ستيغ برغلينغ الذي تورّطت، مع الأسف، في إخفائه أربعة أعوام في المختارة، بين 1990 و1994.
&
كيف حصل ذلك؟ في 1990، وصل الجنرال فلاديمير اسماعيلوف، نائب مدير الاستخبارات العسكرية السوفياتية، إلى المختارة في زيارة ودّية. كان طويل القامة، أحمر الشعر، كث الشاربين، يرفقته أحد معاونيه، وصديقٌ مشترك".
&
بعد الأنخاب
&
أضاف جنبلاط: "مع السوفيات والروس، يبدأ الكلام الجدّي بعد تناول خمس أو ست كؤوس من الفودكا، وبعد رفع عدة أنخاب بصحة الصداقة اللبنانية-السوفياتية، والكفاح المشترك بين الحزب التقدّمي الاشتراكي والحزب الشيوعي السوفياتي. بعدها، قال لي اسماعيلوف: الرفيق وليد، أنت صديق كبير للاتحاد السوفياتي، ولن ننسى أبدًا موقفك الداعم للشعب السوفياتي ونضالنا المشترك ضد الإمبريالية. أعتقد أن بعضكم يعرف هذه المصطلحات.
&
وفي مختصر مفيد، سألني الجنرال اسماعيلوف إن كنت أستطيع إيواء أحدهم في المختارة. وكيف لي أن أرفض طلبه؟ فقد قدّم لي السوفيات مئات المنح الدراسية، ودرّبوا آلافًا من عناصر الحزب التقدمي الاشتراكي في قواعدهم، وزوّدونا مجانًا بأسلحة وذخائر قيمتها 500 مليون دولار بين 1979 وأواخر الثمانينيات.
&
وافقت من دون تردّد، وأكملنا تناول الغداء الذي امتدّ وقتًا طويلًا. أتساءل كم زجاجة فودكا استهلكنا في تلك الجلسة، بالطبع في سبيل القضية المشتركة، أي محاربة الإمبريالية وترسيخ دعائم الاشتراكية".
&
مكث أربع سنوات
&
تابع جنبلاط: "بعد أسبوعَين، جاء رجل في أواخر العقد الخامس من عمره مع زوجته، فجهّزنا لهما الطابق العلوي في منزل نعمة طعمة، النائب الحالي في البرلمان، وصديق آل جنبلاط، كي يسكنا فيه. فقد كان آل طعمة &- ولا يزالون – مشهورين بكرم الضيافة.
&
لكن من كان ذلك الرجل وزوجته؟ ستيغ برغلينغ بذاته وزوجته إليزابيث ساندبرغ. وقد مكث أربع سنوات في ضيافتنا، يشاركنا الغداء والعشاء.
&
يمكنني أن أسترسل في رواية هذه القصة لكن قد تطول كثيرًا، لذلك سأكتفي بتعليقَين في الختام.
&
أولًا، كان أمرًا غريبًا إلى حد كبير أن يطلب مني السوفيات أن أخبّئ أحد جواسيسهم الكثر، ولاحقًا تأكّدت شكوكي بأن الأمبراطورية السوفياتية ليست على ما يرام، فقد انهارت بعد عامٍ واحد".
أضر بي
&
وأردف جنبلاط: "ثانيًا، هرب السيد آبيه، بحسب التسمية التي أطلقناها على ستيغ برغلينغ، من لبنان في 1994 عائدًا إلى السويد، خلال وجودي في موسكو في عهد يلتسين، وقد سُجِن هناك. وبالطبع، كشف للصحافة السويدية عن المكان الذي اختبأ فيه، فواجهت حرجًا شديدًا مع أصدقائي السويديين من الحزب الديموقراطي الاشتراكي، وكانت تربطني بهم صلات وثيقة، بفضلها سنحت لي الفرصة أكثر من مرة للقاء شخصية عظيمة وأحد كبار القادة في القرن العشرين، الراحل أولوف بالمه.
&
ألحق هذا الجاسوس الكثير من الضرر بالسويد وبي. وأعتذر للشعب السويدي ولأصدقائي الديمواقرطيين الاشتراكيين. فأنا لم أستطع أن أرفض طلب الجنرال فلاديمير اسماعيلوف".
التعليقات