القاهرة: اختلطت الدموع بصلاة الجنازة في قرية العور بمحافظة المنيا، حيث أقيم قداس بعد ظهر الاثنين في كنيسة هذه البلدة الفقيرة، التي اعدم تنظيم الدولة الاسلامية 13 من شبابها ورجالها في ليبيا.

تزوج السماء

وطوال عقود، اعتاد مئات من شباب ورجال هذه القرية السفر إلى ليبيا بحثًا عن لقمة عيش تؤمن لأسرهم حياة افضل. لكن يوم الاحد شكل لهم صدمة مفجعة بفقدان ابنائهم ذبحًا بيد تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، بدلًا من عودتهم محملين بالمال.

وعلى مقعد داخل كنيسة القرية، جلس بشرى الموظف بوزارة التربية والتعليم مستسلمًا لقدره يتأوه بصوت مسموع حزنًا على ابنه كيرلس (22 عامًا) الذي قتل نحرًا مع 20 قبطيًا اخرين معظمهم من أبناء قريته.
وقال الرجل الخمسيني بحزن: "سافر إبني إلى ليبيا منذ 40 يومًا فقط بعد انهاء خدمته العسكرية، واخبرني انه ذاهب للعمل وجني مال يمكنه من الزواج"، قبل أن يضيف والدموع تملأ عينيه: "لقد سافر ليتزوج السماء".

نريد جثامينهم

انهار عدد من ذوي الضحايا الرجال الذين تجمعوا داخل وحول كنيسة القرية غير المسقوفة ذات المذبح المغطى بالخوص. وسقط شقيق أحد الضحايا منهارًا بعد نوبة بكاء شديدة، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
اما النساء، فقد افترشن بملابسهن السوداء أرض غرفة كبيرة في منزل احداهن حيث تعالت صرخاتهن العالية ونحيبهن المتواصل في القرية المنكوبة.

ويروى اهالي القرية بحزن بالغ أن اولادهم الـ13 كانوا يقيمون جميعًا في منزل واحد، قبل أن يقدم مسحلون من تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) على دهم المكان فجرًا، وامر مالك المنزل بتسليمه "المصريين المسيحيين".

ولا يعرف الأهالي التفاصيل الدقيقة للمأساة التي ألمت بابنائهم لكن املهم الوحيد الآن هو استلام جثثهم لدفنها. ووسط نحيب الرجال المختلط بعويل النساء المتعالي، صاح احدهم: "لو أن السيسي يعيد لنا جثامينهم لندفنها ستبرد نارنا".

التدقيق في رسغهم

على غرار 12 اخرين من اولاد عمومته الذين قتلوا معه، ومثل مئات من شباب العور والقرى المجاورة، كان كيرلس يعمل مياومًا في مدينة سرت الليبية، حيث كان يكسب قرابة 26 دولارًا (نحوة 200 جنيهًا) في اليوم، وهو مبلغ يفوق بكثير الدولارات الخمسة التي يمكن أن يكسبها في مصر يوميًا.

وامام الكنيسة الواقعة في شارع طيني ضيق على جانبيه منازل من دور أو دورين من الطين أو الطوب الأحمر، شكا اهالي القرية من أن المسيحيين في ليبيا كانوا مستهدفين. لا يعرفون من الجهة التي تستهدفهم تحديدًا، لكن العديد من رجال القرية العائدين من ليبيا يروون انه قبل عودتهم كان يتم إيقاف المصريين والتدقيق في رسغهم للتأكد من ديانتهم.

ويتذكر عماد خلف (35 عامًا) الذي عاد من بنغازي قبل ثمانية أشهر ذلك قائلًا: "كان بعض الليبيين ينزلوننا من السيارات في الشارع بحجة التحقق من جواز السفر، وعندما يرون الصليب على رسغي يضربونني ويسرقون أموالي". وبذبح الاقباط الـ 21، اصبح كثيرون من أهالي المنيا يعيشون في قلق بالغ على أقاربهم الذين ما يزالون في ليبيا ويريدون تدخلا من الدولة للمساعدة في عودتهم.

يريدون الانتقام

لا يزال هناك مئات الالاف من المصريين في ليبيا يعمل معظمهم كمياومين في مجال البناء او الخدمات. ووسط قلق وتوتر، يقول داوود عزيز، من قرية حمصوم المجاورة للعور: "اخي يعمل سباكًا في مصراتة منذ عام ونصف ومعه زوجته وأولاده. اتصل بي اليوم ويريد العودة فورًا، إلا أنه لم يجد الا طائرة بعد أسبوعين عن طريق عمان".

ويهيمن احساس القهر والرغبة في الثأر على أهالي العور. يقول بشرى فوزي: "ليت السيسي يستدعينا للتجنيد، ويرسلنا إلى هناك لننتقم لقتل اولادنا".

واعلن الجيش المصري أن طائرات حربية قصفت الاثنين مواقع لتنظيم الدولة الاسلامية في ليبيا في اجراء وصفته مصر بانه حقها في "الدفاع الشرعي عن النفس". لكن الأم الثكلى والمصدومة ايزيس التي فقدت ابنيها صموئيل (26 عامًا) وبيشوي (23 عامًا)، تردد: "لا شيء يعوض عن الابناء".