تمكن العلماء من جعل الإنسان يحرّك السيارة بأفكاره المجرّدة، وأن يحرّك ذراعه الاصطناعية بأعصاب جسده، وهكذا تتقلص الفجوة بين الإنسان والروبوت بالتدريج. التقنيات الأخيرة تحاول أن تجعل من بشرة الإنسان مفتاح أزرار وجهاز تحكم يتحكم بالأجهزة التي يحملها.


ماجد الخطيب: يمكن للإنسان مستقبلاً أن يضغط على أزرار موشومة على جسده كي يتحكم بناظم القلب، الذي يتحكم بنبض قلبه، أو أن يلمس الشاشة المطبوعة على يده كي يزرف الأنسولين من أنبوبة مزروعة تحت جلده، تتحكم بنسبة السكر في الدم. كما يمكنه استخدام هذه التقنيات، ببساطة، للتحكم بجهاز الموسيقى، الذي يحمله في أذنه، أو في الساعة الذكية، التي تقيس أفعاله الحيوية عند ممارسة الرياضة.

الأدهى من ذلك أن التقنيات الجديدة تتيح له ربط الأجهزة مباشرة على بشرته، بمعنى ربط توصيلة الجهاز (أو لصقها) مباشرة على جهاز التحكم المروم على يده. ويأمل العلماء بربط هذه الأجهزة لاسلكيًا بأفعال الإنسان الحيوية، وهذا يتيح تحويل كامل جسم الإنسان إلى بشرة لمس عوضًا من شاشة لمس.

وكي تتحول البشرة إلى شاشة لمس، لا بد من تقنيات جديدة تحوّل الشرائح الإلكترونية إلى شرائح سيليكونة شفافة ولاصقة يقلّ سمكها عن سمك ورقة، كما ينبغي تصغير المجسات إلى أحجام نانوية، تتيح استخدامها في مثل هذه الشاشة البشرية. ثم لا بد أن تكون هذه الشرائح شديدة المرونة، وألا تؤثر سلبًا على بشرة الإنسان.

"آي سكن" بدلًا من السمارت ووتش
واضح أن إطفاء الساعة الذكية أسهل بكثير من إطفاء الهاتف الجوال عندما يرن في جيب الشخص أثناء اجتماع خاص. لكن الساعة تبقى صغيرة، وأحرفها وشاشتها صغيرة، ويحتاج الإنسان جهدًا كي يتحكم بها، في حين أن بشرة اللمس المسماة "آي سكن" تتيح له فعل ذلك بكل سهولة.

وبشرة اللمس Iskin من إنتاج الباحث مارتن فايغل وفريق عمله من الجامعة الألمانية زاربركن في ولاية زارلاند. وهي عبارة عن شريحة إلكترونية شفافة ورقيقة تلصق على أي جزء بارز من جسد الإنسان، الذراع صيفًا كمثل، كي تحوّل البشرة إلى شاشة تحكم بالأجهزة. تحتوي الشاشة على أجهزة استشعار&تعمل بمثابة أزرار لمس، تشبه عمل شاشة اللمس.

الشريحة ناقلة للتيارات الكهربائية الصغيرة، أو الإيعازات، لكن ما يقرب بين هذه الشاشة الروبوتية والإنسان هو أن هذه الشريحة الإلكترونية تكاد تندمج ببشرة الإنسان لشدة رقتها، ويشعر الشخص بضغط أصابعها عليه، لأنها لا تؤثر سلبًا على حاسة اللمس.

يستطيع الإنسان بفضل الجيل الأول من "آي سكن" أن يجري المكالمات الهاتفية، أو التحكم بجهاز الموسيقى، لكن فايغل يعد بجيل مقبل، يحوّل الذراع إلى لوحة أزرار كاملة يستطيع الإنسان كتابة نصوص طويلة عليها. ويعتقد فايغل أن مثل هذا التطوير سيفرض نفسه في عالم الصحافيين والكتّاب خلال سنوات قليلة. ويضيف فايغل "هدفنا البعيد هو تحويل كامل جسم الإنسان إلى لوحة مفاتيح أو شاشة تحكم بمختلف الأجهزة، وبالتالي تقليص الفجوة بين الإنسان والآلة".

أزرار حسب الطلب
وشريحة "آي سكن" ليست أبدية بالطبع، لأنه من الممكن للإنسان أن يرفعها عن ذراعه، كي يلصقها على باطن كفه، كما يمكنه أن يلفها برفق، وأن يحتفظ بها في جيبه. بمعنى أن يقرر الإنسان الفترة التي يلصق بها الشريحة على جسده، كما يقرر وقت حاجته إليها. وتتيح صناعتها وتركيبتها استخدامها بأشكال وألوان مختلفة مثل الوشوم.

ويمكن لكل صاحب تخصص أن يقتني عليها الأزرار التي تناسبه، وهكذا يستطيع الموسيقي أن يرسم عليها النوطات، وأن يتحكم بها، ويمكن للصحافي أن يقتني نسخة مفاتيح الحروف كي يكتب بوساطتها. التطبيق الآخر الممكن مستقبلاً هو استخدام شريحة "آي سكن" للتحكم بقيادة السيارات وروبوتات الخدمة والأجهزة المنزلية.

تمكن العلماء في زاربركن من إنتاج "آي سكن" بأشكال عدة، فهناك الشكل المستطيل المعتاد، إضافة إلى الشكل المربع، أو الشكل الدائري الشبيه بقرص بلوري صغير. ولكن هناك إمكانية لإنتاجها بأشكال أخرى تدمج بين التقنية والموضة وعالم الكماليات.

وبحسب يورغن شتايمله، عضور فريق العمل من جامعة زارلاند، فإن الشريحة قابلة للطيّ، وتتيح للإنسان التحكم بشكلها بكل مرونة. وإذا كانت النماذج الأولى من "آي سكن" تربط مباشرة على الأجهزة بوساطة كابل، فإن الجيل المقبل منها سيجري تزويده بميكروتشيب يتيح ربطها بالأجهزة المختلفة لاسلكيًا. وتستعرض جامعة أنسبروك النماذج الأولى من "آي سكن" في المعرض الدولي للكومبيوتر "سيبت"، الذي يقام في الفترة بين 16-20 آذار (مارس) الجاري في مدينة هانوفر الألمانية.