أعلنت مصر رفضها إلغاء تطبيق عقوبة الإعدام، كما تحفظت على المساواة غير المشروطة بين الرجل والمرأة، بينما أعلنت التزامها بنحو 81% من التوصيات المقدمة إليها أثناء مراجعة سجلها في حقوق الإنسان أمام مجلس الأمم المتحدة في جنيف. فيما شككت 11 منظمة حقوقية مصرية &في نوايا الحكومة بالإصلاح في سجلها في حقوق الإنسان وإيقاف الإنتهاكات الجسيمة.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة:&جاء رفض مصر إلغاء أو تعليق العمل بعقوبة الإعدام، بعد نحو أسبوعين من تنفيذ أول حكم إعدام بحق أحد أنصار الرئيس الإسلامي السابق محمد مرسي. وتتعرض مصر لانتقادات شديدة داخلياً وخارجياً، بسبب إصدار أحكام بالإعدام الجماعي بحق قيادات وأعضاء بجماعة الإخوان المسلمين بينهم المرشد العام محمد بديع.
أعلنت الحكومة المصرية، قبولها 224 توصية والموافقة الجزئية على عدد 23 فيما رفضت 53 وذلك من إجمالي 300 توصية وُجهت لها من 121 دولة، لتحسين حالة حقوق الإنسان، أثناء الجلسة الأولى للاستعراض الدوري الشامل لملفها الحقوقي أمام الأمم المتحدة في (نوفمبر) تشرين الثاني ٢٠١٤.
ورفضت مصر إلغاء أو تعليق العمل بعقوبة الإعدام، وقال مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير عمرو رمضان: "عدم تأييد بعض التوصيات، وهو ما تم في أضيق الحدود الممكنة، قد يكون بسبب تعارض هذه التوصيات مع نصوص الدستور، ومن بينها على سبيل المثال ما يقرّه الدستور حول كون الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع، أو حين تتعارض توصية مع حقوق معترف بها للدول في إطار القانون الدولي أو القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومثال لما تقدم التوصيات التي طالبت بإلغاء أو تعليق العمل بعقوبة الإعدام في مصر، مع الأخذ في الاعتبار أن القانون المصري ينظم بوضوح إطار العمل بهذه العقوبة والضمانات الخاصة بتنفيذها على نحو ما أوضحه الوفد المصري بشكل مفصل خلال جلسة المراجعة، في نوفمبر الماضي".

الاعدام
يأتي رفض مصر للإلغاء أو تعليق عقوبة الإعدام، بعد اسبوعين من تنفيذ أول حكم إعدام بحق محمود رمضان، بتاريخ 7 (مارس) آذار الجاري، وهو أحد مؤيدي الرئيس السابق محمد مرسي، بتهمة قتل صبي عبر إلقائه من مكان مرتفع. فيما صدرت أحكام بالإعدام الجماعي بحق 619 من قيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين بينهم المرشد العام محمد بديع، بينما صدرت أحكام باستطلاع رأي المفتي في إعدام 44 آخرين، غير أن تلك الأحكام ليست نهائية، بينما أصدرت محكمة الجيزة للجنايات حكمها بإعدام 183 شخصاً.
وتتعرض مصر لانتقادات شديدة من منظمات ونشطاء سياسيين وحقوقيين داخلياً، بسبب الإفراط في إصدار الأحكام بالإعدام جماعياً بحق قيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، ولعل آخرها إنتقادات وجهها الإتحاد الأوروبي إليها، تعليقاً على إصدار محكمة جنايات الجيزة حكم الإعدام بحق 183 شخصاً، وقال الاتحاد "قرار المحكمة المصرية بالحكم على 183 متهما بالإعدام، بعد محاكمة جماعية يشكل انتهاكا لالتزامات مصر الدولية في مجال حقوق الإنسان"، مشيراً إلى أن عقوبة الإعدام "قاسية وغير إنسانية، ولا تمثل رادعا وتعتبر حرمانا للكرامة الإنسانية والنزاهة".
&
المساواة
ورفضت مصر التوصيات المتعلقة بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، معلنة تحفظها على المادتين 2و16 من "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" بسبب تعارضها مع أحكام الشريعة الإسلامية، وقال رمضان: " مصر أيدت جميع التوصيات التي تتفق مع ما سبق أن أعلنته الحكومة من التزام بمراجعة التشريعات المنظمة لحقوق المواطنين، وتعديلها بما يتفق مع الدستور المصري ومراجعة الموقف التعاقدي لمصر في ما يتعلق بالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، علماً بأنه جار حالياً النظر في هذا الإطار في تحفظ مصر على المادتين (2) و(16) من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وذلك بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، بينما لم يتم تأييد التوصيات التي تتعارض مع الدستور أو القانون".
&
تشكيك بنوايا مصر
وبالمقابل، شككت 11 منظمة حقوقية مصرية، "بوجود إرادة سياسية لوقف التدهور المستمر في سجل حقوق الإنسان في مصر"، معتبرة أن "إعلان الحكومة المصرية قبول بعض التوصيات والتحفظ على بعضها، في الجلسة الثانية للاستعراض، يبقى بلا معنى أو قيمة إذا لم يتحول لممارسة فعلية على أرض الواقع تبرهن وجود إرادة سياسية لحماية حقوق الإنسان والمدافعين عنها".
وقالت المنظمات في تقرير لها رفعته إلى الأمم المتحدة، وحصلت "إيلاف" على نسخة منه، إنها استعرضت خلال تطورات حالة حقوق الإنسان في مصر خلال الفترة من (نوفمبر) تشرين الثاني 2014 – موعد الجلسة الأولى– وحتى مارس 2015، موعد الجلسة الثانية.
وانتقدت المنظمات الإستخدام المفرط للقوة من قبل الشرطة في مواجهات التظاهرات السلمية، واعتقال النشطاء أو إصدار أحكام جائرة بحقهم، أو منعهم من السفر.
&
انتهاكات
وأوضحت المنظمات وعلى رأسها: مركز القاهرة لحقوق الإنسان، أن: على مستوى الممارسة العملية، شهدت تلك الحقوق في الأشهر القليلة الماضية انتهاكات واضحة تتنافى مع ما أبدته مصر من ترحيب وتفهم لتلك التوصيات الدولية. ففي 30 نوفمبر الماضي، بعد أيام من جلسة الاستعراض، اندلعت تظاهرات في ميدان عبد المنعم رياض، في وسط القاهرة اعتراضًا على حكم المحكمة الذي فُسّر على أنه يبرئ مبارك من قتل وإصابة المتظاهرين في 2011. وتعاملت الشرطة مع تلك التظاهرات بالعنف المعتاد نفسه، فسقط قتيلان وأصيب 9 متظاهرين بحسب وزارة الصحة، كما ألقت قوات الأمن القبض على مائة متظاهر.
وخلال شهري نوفمبر وديسمبر 2014، وثقت منظمات حقوقية القبض على 39 طالبا وطالبة، على خلفية تظاهرات أو أنشطة جامعية، بعضهم تم القبض عليه من منزله.
وفي 24 يناير وبينما قرر50 عضوا في حزب التحالف الشعبي الاشتراكي تنظيم مسيرة سلمية بالزهور، واللافتات إحياءً لذكرى الخامس والعشرين من يناير 2011، هاجمت قوات الأمن المسيرة وتعمدت فضها بالقوة المفرطة، الأمر الذي أسفر عن مقتل المدافعة عن حقوق الإنسان شيماء الصباغ عضو الحزب، ووجهت اتهامات للمشاركين في المسيرة – بل والشهود على الواقعة – بالمشاركة في تظاهرة أخلت بالأمن العام.
ووجه النائب العام مؤخرًا تهمة ضرب أفضى إلى موت أحد الضباط المشاركين في فض التظاهرة، وهو ما تعتبره المنظمات خطأً في تطبيق القانون هدفه حماية الضابط المتهم.
في 8 فبراير 2015 فشلت قوات الأمن في تأمين دخول بضعة آلاف من جمهور نادي الزمالك لمشاهدة مباراة لفريقهم في الدوري المصري، ونتيجة التعامل العنيف لقوات الشرطة مع جمهور المتفرجين بالغاز والخرطوش، سقط أكثر من 22 قتيلا، بينهم فتاة تبلغ من العمر 14 عامًا.
وأضاف التقرير: أما على صعيد الحق في تكوين الجمعيات والمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، فاستمرت مضايقات الحكومة لهم بأشكال مختلفة، فالتهديد بإغلاق تلك المنظمات أو تعريض أفرادها للخطر لا يزال مستمرًا، الأمر الذي دفع عددًا من المنظمات إلى نقل جزء من أنشطتها خارج البلاد، كما دفع بمنظمات أخرى إلى تقليص أنشطتها وخفض عمالتها.
وأوضح: فوجئ أربعة من العاملين في المعهد المصري الديمقراطي بعد شهر من جلسة الاستعراض الدوري الشامل في تشرين الثاني (نوفمبر)، بقرارات منعهم من السفر على خلفية قضية التمويل الأجنبي في 2011. كما وُجهت لهم ادعاءات "بالتحايل على قانون الجمعيات وتأسيس شركة تمارس أغراض الجمعيات"، فيما صدر في شباط (فبراير) 2015 حكمًا تعسفيًا ضد الناشط أحمد دومة بالإضافة إلى 228 بينهم ٨ مدافعات بالسجن المؤبد وغرامة 17 مليون جنيه مصري على خلفية تظاهرهم في ديسمبر 2011.
&
حقوق المرأة
كما انتقد التقرير إصدار أحكام بحبس النشطاء، وقال: "قضت محكمة الاستئناف في ديسمبر 2014 بالحبس لمدة عامين بحق المدافعتين عن حقوق الإنسان يارا سلام وسناء سيف و٢٢ آخرين، على خلفية اتهامهن بالمشاركة في تظاهرة سلمية في محيط قصر الاتحادية الرئاسي في حزيران (يونيو) 2013، للتنديد بحبس نشطاء آخرين بسبب قانون التظاهر القمعي".
وقال التقرير إن الحكومة المصرية لم تقم بإجراءات كافية للحد من العنف والتمييز ضد المرأة، وأوضح: حثت الدول مصر على تشجيع المشاركة السياسية للمرأة، ومقاومة كافة أشكال التمييز ضدها، ومقاومة العنف الجنسي. الأمر الذي لم يشهد أي تغير ملحوظ على مدى الأشهر الماضية، سوى بعض الخطوات الشكلية، مشيراً إلى أن افتقار استراتيجية الحكومة القومية لمكافحة العنف ضد المرأة إلى الشفافية، واتهمت الحكومة بتجاهل إدماج أيّ من المنظمات الحقوقية النسوية في إرساء قواعد تلك الاستراتيجية.
&
كما اتهم التقرير الحكومة بالتقاعس في وضع حد للتحرش الجنسي، وقال: رغم جهود المجموعات النسوية لتعديل المواد 267 و268 و269 لم تنل تلك المواد أي تعديل، ناهيك عن تقاعس الدولة عن معاقبة الجناة في وقائع الاعتداء على النساء. فرغم تعدد حالات التحرش الجماعي والذي وصل إلى الاغتصاب الجماعي في بعض الحالات منذ نوفمبر 2012، لم يتم حتى الآن محاسبة أيّ من مرتكبي تلك الجرائم عدا 7 أفراد في الثامن من يونيو 2014.
وتنص المادة الثانية من إتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة على الآتي: "تشجب الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتتفق على أن تنتهج، بكل الوسائل المناسبة ودون إبطاء، سياسة تستهدف القضاء على التمييز ضد المرأة، وتحقيقا لذلك تتعهد القيام بما يلي:&
(أ) إدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الأخرى، إذا لم يكن هذا المبدأ قد أدمج فيها حتى الآن، وكفالة التحقيق العملي لهذا المبدأ من خلال التشريع وغيره من الوسائل المناسبة.
(ب) اتخاذ المناسب من التدابير، تشريعية وغير تشريعية، بما في ذلك ما يناسب من جزاءات، لحظر كل تمييز ضد المرأة.
(ج) فرض حماية قانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل، وضمان الحماية الفعالة للمرأة، عن طريق المحاكم ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى في البلد، من أي عمل تمييزي.
(د) الامتناع عن مباشرة أي عمل تمييزي أو ممارسة تمييزية ضد المرأة، وكفالة تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا الالتزام.
(هـ) اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص أو منظمة أو مؤسسة.
(و) اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضد المرأة.
(ي) إلغاء جميع الأحكام الجزائية الوطنية التي تشكل تمييزا ضد المرأة.
&
بينما تنص المادة السادسة عشرة من الإتفاقية على:
&1. تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، وبوجه خاص تضمن، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة:
(أ) نفس الحق في عقد الزواج.
(ب) نفس الحق في حرية اختيار الزوج، وفي عدم عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل.
(ج) نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه.
(ح) نفس الحقوق والمسؤوليات بوصفهما أبوين، بغض النظر عن حالتهما الزوجية، في الأمور المتعلقة بأطفالهما وفي جميع الأحوال، يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول.
(هـ) نفس الحقوق في أن تقرر، بحرية وبإدراك للنتائج، عدد أطفالها والفاصل بين الطفل والذي يليه، وفي الحصول على المعلومات والتثقيف والوسائل الكفيلة بتمكينها من ممارسة هذه الحقوق.
(د) نفس الحقوق والمسؤوليات في ما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم، أو ما شابه ذلك من الأعراف، حين توجد هذه المفاهيم في التشريع الوطني، وفي جميع الأحوال يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول.
(ز) نفس الحقوق الشخصية للزوج والزوجة، بما في ذلك الحق في اختيار اسم الأسرة والمهنة ونوع العمل.
(ح) نفس الحقوق لكلا الزوجين في ما يتعلق بملكية وحيازة الممتلكات والإشراف عليها وإدارتها والتمتع بها والتصرف فيها، سواء بلا مقابل أو مقابل عوض.
2. لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي اثر قانوني، وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية، بما في ذلك التشريعي منها، لتحديد سن أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمرا إلزاميا.
&