يقول مؤرخون وعلماء آثار غربيون، إنّ تدمير آثار العراق وتاريخه، لم يبدأ في شباط/فبراير 2015 أو 2013 عندما ظهر داعش، بل بدأ في 20 آذار/مارس 2003 مع غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة، مؤكدين أن للتنظيم رسائل يروم ابلاغها من خلال تعامله العنيف مع ما حوله.


عبدالإله مجيد من لندن: يستحوذ تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" على اهتمام وسائل الاعلام بتدمير آثار تاريخية في العراق. وهو بهذه الصور يريد ايصال رسالة مؤثرة، وفي حرب الصور هذه فان الرسالة لا تخطئ عنوانها.&

انه تصعيد مدروس من جانب داعش الذي يرى ان صور الآثار المدمرة أبلغ أثرا من صور الاعدامات لأنها تُبث على شاشات التلفزيون في انحاء العالم ولا تُحال الى أعماق الانترنت.&

ويريد داعش ان يقول بهذه الصور انه ليس قادرا على قتل الحاضر فحسب بل وتدمير الماضي ايضا: نحن اسياد الزمان والمكان. وتهدف دولة الخلافة كما يسمي داعش المناطق التي يسيطر عليها، توسيع دائرة التدمير الى البُعد الرابع.&

تثير أفعال داعش التي تصفها الصحافة العالمية بالهمجية والوحشية تساؤلات عما إذا كان داعش حقا يعربد عربدة غير عقلانية ضد العصر الحديث أم انها خطة عقلانية ومناورة دعائية لاستدراج الغرب الى ما يعتبره اصحاب الرؤية الدينونية في داعش "المعركة النهائية الفاصلة".&

وتنقل مجلة شبيغل عن البروفيسور ديفيد بينولت استاذ الدراسات الاسلامية في جامعة سانتا كلارا الاميركية ان اشرطة الفيديو التي ينشرها داعش هي "اشرطة تجنيد"& يراد بها استنهاض الهمم في الجهاد ضد الكفار.

وبحسب بينولت فان هذه الافلام يُراد بها يضا استفزاز أعداء داعش وبث الخوف في نفوسهم.&

حرب غير قانونية

يقول الرأي الشائع ان داعش عندما ينهال بمعاوله على تماثيل نينوى في شمال العراق انما يدمر مهد الحضارة، وهو رأي صائب بكل تأكيد.

ولكن ما لا يقل صوابا ان هذا التدمير لم يبدأ في شباط/فبراير 2015 أو 2013 عندما ظهر داعش على رادار الاعلام الغربي لأول مرة.

بدأ التدمير في 20 آذار/مارس 2003 مع غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة لما سُمي "تحالف الراغبين".

فهذه الحرب التي أُشعلت بلا تفويض من مجلس الأمن وبالتالي ضد القانون الدولي، هي التي أوجدت دولة العراق الفاشلة اليوم والتهديد المحدق بالعالم انبثق من بين الخرائب التي خلفتها هذه الحرب. وان الفراغ الذي أحدثته هو الذي مكَّن غضب الاسلاميين من التفاقم اصلا. وأوجدت الحرب على الارهاب ما يرتكبه داعش اليوم من ارهاب.&

الصحيح ايضا ان الجنود الاميركيين ثم البولنديين الحقوا اضرارا جسيمة بمدينة بابل القديمة، مهد الحضارة الآخر، عندما اقاموا معسكراتهم وسط اطلالها ودمروا شوارعها القديمة، وعندما تسبب هدير مروحياتهم في انهيار معابد قديمة.&

ونقلت مجلة شبيغل عن جون كيرتس مدير قسم الشرق الأوسط في المتحف البريطاني وصفه ما فعله هؤلاء الجنود الغرباء بأنه "جهل وغباء" مشيرا الى انهم كمن يقيم معسكرا حول الهرم الكبير في مصر.

وكان فريق من الآثاريين حذر حتى قبل حرب العراق من ان الخطر يهدد 8000 سنة من تاريخ البشرية.

واجتمع وفد من الأكاديميين ومدراء المتاحف ومقتني الأعمال الفنية وتجار الفن مع مسؤولين من البنتاغون في كانون الثاني/يناير 2003 لاقناعهم بحماية المواقع الأثرية في العراق.

ولكن مصالح أخرى كانت تعمل في الوقت نفسه. إذ قال آشتون هوكنز من المجلس الاميركي للمُلكية الثقافية "ان توزيع المواد الثقافية بصورة مشروعة عن طريق السوق" هو الطريقة المثلى لحماية هذه الكنوز.& وقالت دومنيك كولون من المتحف البريطاني "ان مثل هذه الاقوال هو ما يشجع على النهب".&

اشياء تحدث

وهذا ما حدث على وجه التحديد. إذ أُحرقت المكتبة الوطنية في بغداد بين 10 و12 نيسان/ابريل 2003 ودُمرت 70 في المئة من محتويات المكتبة الجامعية في البصرة وثلث محتويات المكتبة الجامعية في الموصل.& وسُرقت 15 الف قطعة اثرية من المتحف العراقي.&&

وأعلن وزير الدفاع الاميركي وقتذاك دونالد رامسفيلد "ان أشياء تحدث والحرية ليست منتظمة".

وتُقدر قيمة الأعمال الفنية التي سرقت من العراق بعشرة مليارات دولار رغم ان كثيرا من القطع الأثرية لا تُقدر بثمن.

ما حدث في العراق كان انتهاكا لاتفاقية جنيف واتفاقيات لاهاي. وقوات التحالف الدولي التي احتلت العراق لم تفعل شيئا لمنع النهب.

وكتب سايمون جينكنز في صحيفة الغارديان عام 2007 "ان بريطانيا واميركا ما دامتا تنكران الفوضى التي صنعتاها في العراق تشعران، كما هو واضح، ان عليهما ان تنكرا آثارها الجانبية المدمرة ايضا".&

وداعش أحد هذه الآثار الجانبية، وعناصره ليسوا وحوشا من القرون المظلمة بل على العكس، كما يقول الفيلسوف البريطاني جون غراي الذي يسمي داعش "حركة حديثة بالكامل"، شركة ارهابية ناشئة بنموذج تجاري محدد.

وتكتب الباحثة البريطانية في الأديان كارين ارمسترونغ انه "ليس هناك ما هو عشوائي أو غير عقلاني في عنف داعش" مشيرة الى ان "داعش ليس عودة سلفية الى ماض بدائي".

ويقول اصحاب هذا الرأي ان ما يفعله داعش، بما في ذلك تدمير مواقع ثقافية قديمة، يتعدى الفعل نفسه وهناك تكتيك وراء افعاله. انه تصعيد من اجل التصعيد.

وهو برنامج عسكري يراد به غزوات أبعد أو استدراج الغرب الى المعركة الفاصلة. فالمنطق الذي يقف وراء داعش ودولة خلافته هو منطق النزاع الدائم. وان إبطاء التوسع ليس جزء من المشروع.&

القتال من اجل روما

كتب الصحافي غرايم وود في مجلة اتلانتيك ان الخليفة سيكون مقصرا في واجبه إذا توقف عن تجريدالجيوش وممارسة القتل.

وان السياسة والسلام والحدود والانتخابات لا مكان لها في دولة الخلافة التي أقامها داعش أو في تأويله للاسلام. وكما رأينا فان هذا التأويل يشمل ايضا تدمير كنوز الحضارة الانسانية في الموصل ونمرود وبالطبع اخضاع العالم لأحكام الشريعة كما يفهمها داعش.&

ويرى الكاتب الالماني ذو الأصل الايراني نويد كيرماني الذي كتب سلسلة من المقالات لمجلة شبيغل بعد جولة في العراق العام الماضي ان طريقة العالم في النظر الى النزاع مع داعش لا تمت بصلة تُذكر الى المعنى الحقيقي للنزاع. وان هذا كله يتبدى في نطاق التدمير. فهو فعل ارهابي عدمي منهجي، يرتكبه تنظيم لا يطلب تأييدا واسعا أو حتى أي شكل من اشكال التعاطف.

وكما يكتب وود فان من المهم أخذ رغبات داعش الدينونية على محمل الجد. انها المعركة من أجل فتح روما، كما يقول داعش نفسه.&

اوجد الغرب بغزوه العراق دولة فاشلة وأوجد بامتناعه عن التدخل في سوريا دولة فاشلة أخرى. وإذا لم يتمكن الجيش العراقي من الحاق الهزيمة بداعش في الأيام والأسابيع المقبلة سيتعين على الغرب ان يبدأ بالتفكير في اصلاح اخطائه.