الأنظار شاخصة اليوم في شرم الشيخ على الملك السعودي، الذي يعد حضوره القمة العربية مؤشرًا بالغ الأهمية إلى التعاون العربي المستجد، خصوصًا أن هذه القمة تنعقد في ظروف خطرة جدًا، تستدعي تعميق هذا التعاون، خصوصًا في الميدان العسكري.


غاندي المهتار: تنعقد اليوم السبت القمة العربية السادسة والعشرون على مستوى الزعماء والقادة في شرم الشيخ المصرية، في وقت ربما كان عنوانه صحوة القوة العربية بوجه الأطماع الإيرانية، كما يسمّيها المراقبون الغربيون.

وتأتي بعد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية انعقد الخميس، في اليوم نفسه الذي شهد فجره انطلاق عملية "عاصفة الحزم"، التي تصدرتها السعودية، وشاركتها فيها 10 دول خليجية وعربية حتى الآن، ضد الانقلابيين الحوثيين في اليمن. والقمة على جانب كبير من الأهمية، لأنها تشهد ثلاثة أحداث تعد مؤشرات لا بد من التوقف عندها.

حدث أول: حضور ملك السعودية
من المهم التمعن في ترؤس الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز وفد المملكة العربية السعودية إلى القمة، وما يعنيه ذلك من إصرار سعودي على إظهار مكانة المملكة عربيًا وإقليميًا ودوليًا كمحرك للسياسة اليوم، خصوصًا أن السعودية تقود التحالف العسكري ضد الحوثيين، واضعة نصب عينيها وضع حدّ لمغامرتهم على حدودها، وحدّ لمغامرة إيران على حدود المنطقة العربية جمعاء، مع التذكير بأن السعودية لن تسمح بما يهز مكانتها النفطية، وبالتالي لن يكون مسموحًا أن تتحكم إيران – بالوكالة – بمضيق باب المندب على البحر الأحمر، كما تحاول التحكم – بالأصالة – بمضيق هرمز.

ووجود الملك السعودي في شرم الشيخ رسالة في اتجاهين: في اتجاه طهران أولًا، مفادها أن زمن المغامرات ولّى، وزمن التدخل في شؤون الدول العربية له نهاية، خصوصًا مع تواصل الغطرسة الإيرانية منذ أسابيع، على لسان أكثر من مسؤول، تحدثوا علانية عن إمبراطورية إيرانية مترامية الأطراف، وصلت على لسان قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، إلى الأردن؛ وفي وجه واشنطن ثانيًا، لتحذيرها من مغبة المضي في اتفاق مع إيران حول ملفها النووي، لا يراعي حقوق العرب، ومصالحهم الأمنية والسياسية والاقتصادية.

حدث ثان: حضور أمير قطر
يترأس الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، وفد بلاده إلى هذه القمة العربية. وهذه زيارة تميم الأولى إلى مصر منذ توليه السلطة في الدوحة في 25 حزيران (يونيو) 2013، ومنذ بداية توتر العلاقات بين القاهرة والدوحة، بسبب الدعم القطري لجماعة الإخوان المسلمين.

وحضور تميم إلى القاهرة ينذر بفتح ملفات لتصفيتها وإغلاقها، من أجل تعزيز العلاقات العربية، استكمالًا للمساعي الحثيثة التي بذلها الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز في آخر اجتماع خليجي عقد في الرياض، لتصفية الأجواء بين قطر ومصر، وإثر الرسالة التي وجّهها الراحل إلى القيادة المصرية كي تنحي الخلافات جانبًا، فداءً لاجتماع العائلة العربية.

ويرى مراقبون أنه لو حصل التوافق المصري القطري، فهذا مؤشر إلى نجاح السعودية في أن تلفّ حولها عمقًا عربيًا، يكتمل بتنقية الأجواء بين القاهرة وأنقرة في مساع موازية، يواجه التمدد الشيعي الظاهر جليًا في الدور الإيراني في سوريا والبحرين، وأخيرًا اليمن.

وتذكيرًا، أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وقوفه الصلب إلى جانب السعودية في مواجهة وكلاء إيران الحوثيين في اليمن، واستعداد تركيا للانضمام إلى التحالف العربي الخليجي الإسلامي، الذي تتزعمه السعودية، وبذلك – إن حصل ذلك – تطير المقاتلات التركية إلى جانب المصرية، لضرب أهداف مشتركة في اليمن، بحسب مراقبين.

حدث ثالث: حضور "القوة المشتركة"
وإذ تنعقد القمة العربية السادسة والعشرون تحت شعار: "70 عامًا من العمل العربي المشترك"، يبدو أن العمل العربي حثيث على تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك، وإنشاء قوة عسكرية عربية موحدة، تكون ذراعًا للجامعة العربية في الذود عن أي بلد عربي يتعرّض لعدوان خارجي.

وقد وافق وزراء الخارجية العرب، في الاجتماعات التحضيرية للقمة، على إنشاء قوة عسكرية لمواجهة التهديدات الأمنية التي تتعرّض لها الدول العربية، على أن تكون المشاركة في هذه القوة اختيارية. فهذه هي المرة الأولى، منذ سبعة عقود، التي تجتمع فيها قوى عسكرية عربية على هدف استراتيجي واحد، ما يُبشّر بقيام قوة عربية مهيبة، خصوصًا أن السعودية وحدها سخّرت قوات برية لمصلحة "عاصفة الحزم" يصل عديدها إلى 150 ألفًا، جاهزة للتحرك متى لزم الأمر.

وتقدم السعودية في هذا مثالًا يحتذى به، ساعية إلى إقناع الدول العربية بجدوى قيام هذه القوة، التي بدأ الحديث عنها قبل أي تفكير في التدخل ضد الحوثيين، منذ وفاة الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز. وكان الرئيس المصري سباقًا في طرح فكرة القوة العربية المشتركة، ودعمها الملك سلمان، حتى إنه وضعها قيد التنفيذ فورًا، حين دعت الحاجة إلى استعادة الشرعية في اليمن.

توقعات مزيدة
ليست هذه قمة عربية عادية، إذ تحصل في ظروف استثنائية، بالغة الخطورة. فاليمن وأحداثه أبرز بنودها، خصوصًا أن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي غامر بترك عدن ليحضر القمة، فيفرض الحضور اليمني على أجوائها، وعلى بيانها الختامي.

إلا أن اليمن عنوان فقط لمسألة أكبر. فالدول العربية، وفي مقدمها دول مجلس التعاون الخليجي، تجد نفسها بين فكي كماشة: التطرف السني المغالي الإرهابي ممثلًا في القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والتطرف الشيعي التوسعي ممثلًا في إيران ووكلائها في المنطقة.

لذا، تعلق الأمة العربية عزيز آمالها على هذه القمة، كي تخرج ببيان ختامي قاطع. حتى إن بعض المراقبين يذهبون بعيدًا في توقعاتهم، إذ يصفون عملية "عاصفة الحزم" بـ "الاستفاقة العربية المتأخرة لكن الحازمة"، ويرومون ألا تتوقف هذه الاستفاقة عند حدود اليمن، بسبب القرب الجغرافي مع الخليج، وبسبب التقاطع الأمني بين دول الخليج واليمن، وأن تخرج الارادة العربية من القيود الجغرافية لتتدخل، وبالكثافة نفسها، في أجواء سوريا، فتمنع طيران النظام السوري من الاستمرار في دكّ المدنيين بالبراميل المتفجرة وبالأسلحة الكيميائية، فتكون تلك الصفعة الثانية لإيران. ولعل حينها وعسى يحين وقت الحلول السلمية في دول الربيع العربي الذي أزهر دمًا قانيًا.
&