تحدى ديفيد كاميرون التوقعات واتهامه ببرودة الاعصاب محققا فوزا مذهلا في الانتخابات التشريعية، رغم ان عددا من المحللين يتوقعون اياما صعبة امامه لا سيما خطر القنبلة الموقوتة التي اشعل فتيلها بنفسه،اي خروج بلاده من الاتحاد الاوروبي.

لندن: فقبل انتهاء فرز الاصوات وعد رئيس الوزراء المنتهية ولايته، اثر تاكده من تشكيل حكومة جديدة بلا مشاركة احزاب اخرى، مستقبلا افضل للجميع"، منتقدا الاستطلاعات التي اجمعت منذ ستة اشهر على هزيمته.
&
وافاد توني ترافرس من كلية لندن للاقتصاد ان "عدم وجود تحالف يسمح بمكافاة عدد اكبر من نواب حزبه".
&
وهذا خبر سار بالنسبة الى اليمين الرافض لاوروبا في حزبه المحافظ الذي ازعجه منح حقائب كثيرة الى ليبراليين ديموقراطيين مؤيدين لاوروبا واخرين من يسار الوسط في حكومة كاميرون الاولى.
&
في خطاب الفوز الجمعة، استعاد رئيس الوزراء الاصغر سنا منذ عقدين نبرة "الليبرالي المحافظ"، حسب تعريفه لشخصيته.
&
وطعم خطابه بعبارات على غرار "الوظائف" و"التدريب" و"السكن" و"الكرامة" و"مدارس جيدة الاداء" وغيرها من الهموم الاجتماعية.
&
لكن الاهم هو وعده بتنظيم استفتاء حول عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الاوروبي خلال عامين "المسالة التي مزقت الحزب المحافظ في العقود الاخيرة" بحسب ترافرس. كما سيتعين عليه لجم اندفاعة الاسكتلنديين نحو الاستقلال.
&
قبل عشرة ايام على موعد الاستحقاق سجل انصار رئيس الوزراء ومعارضوه بذهول التبدل المفاجئ في خطابه وحتى "تعبيره الجسدي".
&
هنا انتهى الخطاب الرصين، واتخذ نبرة جديدة هجومية مستندا الى شعار "اما انا او الفوضى"، مرفقا بقبضات مرفوعة وحنك متشنج، فيما تخللته احيانا عبارات لم يكن يمكن تخيلها بالامس. والمثال الاوضح هو عندما انتقد بلغة خالية من الدبلوماسية برنامج حزب العمال المعارض.
&
في مقابلة مع مجلة ذا ايكونوميست تحدث كاميرون عن سوء فهم قائلا "يخال لي احيانا ان البعض يعتبرونني بارد الاعصاب اكثر مما يجب. لكنني لا اوافق على ذلك، هذا ليس ما انا عليه".
&
وليس "ماذا يعتقد بالضبط" تساؤلا جديدا بخصوصه. فقد لازم لفترة طويلة محيطه المشكك في رغبته في السلطة وقدرته على ممارستها، بحسب كاتب سيرته انتوني سيلدون.
&
في اثناء الحملة الانتخابية ارتكب كاميرون ثلاث "هفوات" اعتبرت اثباتا على ابتعاده عن اعماق البلاد. فقد تناول الهوت دوغ بالشوكة والسكين، واخطأ في اسم ناد لكرة القدم يفترض انه يؤيده، كما زل لسانه قائلا ان "هذه الانتخابات محورية لمسيرتي...عفوا... للبلاد".
&
في مطلع ولايته، اعتبرت قدرته على تفويض غيره بمهام والترويح عن نفسه بلعب كرة المضرب وتمضية نهاية الاسبوع "مسترخيا" مع زوجته سامنثا واولادهما الثلاثة، دليل توازن.
&
لكن مؤيديه انزعجوا حيال لامبالاته عندما استبعد ولاية ثالثة في حال اعادة انتخابه الان، حيث تحدث في مقابلة مع البي بي سي فيما كان يقشر الجزر في مطبخه. والأسوأ هو انه ذكر اسماء ثلاث شخصيات توقع ان تخلفه، بينها رئيس بلدية لندن المثير للجدل بوريس جونسون.
&
كما انتقده متمردو معسكره على خروجه اكثر ضعفا من انتخابات 2010 حيث اجبر بسبب عدم احراز اكثرية مطلقة على ارتجال تحالف غير مسبوق مع الليبراليين-الديموقراطيين، لم يناسب الجناح اليميني الرافض لاوروبا في حزبه.
&
ويعرف كاميرون بمرونته ايديولوجيا، فهو الذي شبه نفسه برئيس الوزراء السابق توني بلير الذي اعتمد شعار "الاقتصاد ليس يمينا ولا يسارا"، عندما تولى رئاسة الحزب في 2005 في الـ39 من عمره، بعد 4 سنوات على انتخابه نائبا عن ويتني في مقاطعة اوكسفوردشير الريفية.&
&
وطرح نفسه في تلك الفترة بصورة مصلح يسعى الى تبديل صورة حزبه الموروثة عن حقبة "المرأة الحديدية" مارغريت تاتشر، مؤيدا العودة الى الوسط والى "تيار محافظ تعاطفي" ومصمما على منح اولوية لقطاعات الصحة والتعليم والبيئة وحتى "مشاطرة ثمار النمو".
&
وهذا الخطاب يشكل ابتعادا عن خلفية ديفيد وليام دونالد كاميرون، الذي يمثل الطبقة الراقية. فوالده ثري يعمل في تصريف العملات ووالدته قاضية، ويتحدر من سلالة الملك غيوم الرابع ومتزوج من ابنة بارون، وتلقى التعليم في مدرسة ايتون وجامعة اوكسفورد، منشأ النخبة البريطانية.
&
مع نهاية ولايته الاولى، نجح كاميرون في مضاعفة النمو والوظائف واثبت مهارته بالنجاح المتفاوت عاما بعد عام في ابقاء التحالف الحاكم في البلاد، الاول منذ 65 عاما. كما تمكن من فرض اقرار زواج المثليين رغم معارضه معسكره.
&
لكن معارضيه يتهمون سياساته بانها في خدمة الاثرياء اكثر من اي وقت مضى، وادت الى مضاعفة الفروقات الاقتصادية، واضعاف جهاز الصحة العامة تحت غطاء سياسة التقشف.