قال يان كوبيش الممثل الخاص للأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي" إن العراق بوضعه الحالي غير قادر على مواجهة التحديات، وأكد أن هزيمة "داعش" لا تزال بعيدة والمكاسب المتحققة ضد التنظيم هشة.. وحذر من امكانية تقليص أو وقف المساعدات الانسانية للنازحين بسبب نقص التمويل.. وأكد خطورة التغييرات السكانية التي تشهدها المناطق المحررة.

لندن: قال يان كوبيش، الممثل الخاص للأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي"، في أول عرض له عن أوضاع العراق امام جلسة لمجلس الامن الدولي في نيويورك الليلة الماضية، منذ تسلمه لمنصبه الحالي في العراق آواخر آذار (مارس) الماضي، أنه منذ وصوله إلى بغداد، فقد سعى للقاء أوسع مجموعة من السياسيين والزعماء الدينيين وناشطي المجتمع المدني للاستماع إلى وجهات نظرهم حول كيفية التغلب على التحديات والتهديدات التي تواجه البلاد ومكوناتها المختلفة وتحديد مسار ثابت نحو الوحدة والتعاون والمصالحة والاستقرار والتنمية.

وأشار إلى أنّه وجد اختلافات كبيرة في الرأي والنهج، لكنّ هناك إجماعًا عاماً على مواجهة العدو المشترك في العراق، وهو تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، بنجاح وتحقيق الوحدة والتعاون بين جميع مكونات المجتمع العراقي وتسريع وتيرة تنفيذ برنامج الحكومة وتحقيق الوفاق السياسي الوطني للبدء في عملية المصالحة الوطنية.

داعش بعيد عن الهزيمة

وأشار كوبيش إلى أنّ قوات الأمن العراقية تقاتل جنبًا إلى جنب مع قوات البيشمركة الكردية وقوات الحشد الشعبي والمتطوعين من أبناء العشائر السنية بدعم من التحالف ودول المنطقة ضد تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" من اجل تحرير اراضيهم من سيطرة التنظيم بشجاعة والتزام.. لكنه أشار إلى أنّ "داعش" أبعد ما يكون الآن عن الهزيمة، وحيث تظل الانتصارات الحكومية في بعض الأحيان هشة حيث أن القدرة على تحرير أي مدينة أو محافظة لا تعني بالضرورة القدرة على الاحتفاظ بها.

وأضاف أن التطورات الأخيرة في مدينة الرمادي عاصمة محافظة الانبار وحولها أظهرت مرة أخرى تعرض المدنيين لمخاطر كبيرة، حيث أن حوالي 120 الف مواطن قد فروا من المدينة، بحثًا عن الأمان، وهو امر أثار بعض الخلافات السياسية والضغوط على المجتمعات المضيفة لهم.

وأشار إلى أنّه لاتزال هناك مناطق واسعة من العراق وملايين العراقيين تحت سيطرة "داعش"، الذي يواصل ارتكاب الجرائم البشعة وانتهاكات حقوق الإنسان ضد الشعب العراقي، بما في ذلك ضد النساء والأطفال والأقليات.

وأضاف ان "داعش" واستمرارًا لجرائمه، فقد لجأ مؤخرًا إلى تنفيذ عمليات تدمير همجي ضد التراث الثقافي والتاريخي للعراق، في محاولة أخرى لتدمير هويته الوطنية. واوضح أن العديد من المناطق غير الخاضعة لسيطرة "داعش" بما في ذلك بغداد، تهزها باستمرار عمليات العنف والتفجير الإرهابية، ولا سيما الجرائم المروعة ضد الأشخاص النازحين داخليًا التي تستهدفهم على نحو متزايد.

وأشار إلى اهمية تمكين المقاتلين المحليين والسلطات المحلية من تحرير مناطقهم.. وشدد على ضرورة التعجيل بالجهود التي تبذلها الحكومة لتوفير الدعم المالي والمادي اللازم لأبناء العشائر والسلطات المحلية وخصوصًا تجهيزها بالاسلحة والمعدات العسكرية بالتنسيق مع الحكومة المركزية في بغداد مرحبًا بتشكيل لجنة حكومية للاشراف على تنفيذ هذا الدعم.

ورحب المبعوث الاممي بعزم الحكومة العراقية على بسط سيطرتها التامة على جميع العناصر والقوات المشاركة في عمليات التحرير في مختلف أنحاء العراق ومحاسبة الذين ارتكبوا الجرائم .. منوها إلى أنّ هناك بعض العناصر الانتهازية والجنائية تمارس الأعمال الوحشية وعمليات القتل والانتقام والنهب ومصادرة وتدمير لممتلكات السكان المحليين والعائدين من النازحين. وحيا موقف رئيس الوزراء حيدر العبادي والمرجع الشيعي الاعلى آية الله العظمى السيستاني لموقفهما الحازم ضد هذه التجاوزات.

تحذير من خطورة التغييرات السكانية

وأشار ممثل الامين العام للامم المتحدة في كلمته امام مجلس الامن الدولي إلى أنّه سمع في مختلف لقاءاته مع ممثلي القوى السياسية في العراق رسالة واحدة وهي ان الحل العسكري وحده لن يكون كافيًا لهزيمة "داعش" وان الحصول على أي مكاسب عسكرية ليكون مستدامًا يجب على حكومة العراق استعادة ثقة المجتمعات الساخطة وضمان حمايتها من العنف، إضافة إلى ضرورة تحقيق العدالة وتهيئة الظروف لمشاركة عادلة لجميع مكونات المجتمع.

وفيما دعا لضمان عودة آمنة ومستدامة للنازحين، فقد اوضح أن واحدة من العواقب الناتجة عن النزوح هو التغييرات السكانية القسرية بما في ذلك في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل. وأشار إلى أنّ الأولوية يجب ان تكون لتحرك الحكومة وبشكل عاجل لاتخاذ تدابير لاستعادة الأمن وسيادة القانون في المناطق المحررة وتوفير الخدمات العامة وإعادة بناء البنية التحتية الأساسية لتسهيل عودة المهجرين.

واوضح أن ما يثير القلق هو ما أكده رئيس الوزراء حيدر العبادي له بمواجهة حكومته لصعوبات شديدة في الاستجابة لهذه الاحتياجات الملحة لتحقيق الاستقرار، وعلى رأسها الاحتياجات الإنسانية الهائلة. وأضاف ان الحكومة العراقية تواجه قيودًا خطيرة من حيث توفير الأموال اللازمة لتحقيق الاستقرار وإعادة تأهيل المناطق المحررة وتطهيرها من المتفجرات ومخلفات الحرب الاخرى.

وطالب كوبيش أعضاء مجلس الأمن والمجتمع الدولي بأسره بدعم جهود الحكومة العراقية وتوفير التمويل للعديد من احتياجات العراقيين، موضحاً أن العراق غير قادر موقتًا للتعامل مع تحديات الأزمة الأمنية والإنسانية وجهود تحقيق الاستقرار.

وشدد على الحاجة الملحة للدعم المستمر والهائل للعراق منوهًا إلى أنّ استجابة المجتمع الدولي في هذا المجال غير كافية. وحذر من أن عدم وجود هذا الدعم سيفسد في نهاية المطاف الفرص المتاحة لنجاح العراق في حربه ضد الإرهاب وجعله مثالاً لأجزاء أخرى من المنطقة وخارجها.

ضرورة المصالحة الوطنية

وشدد المبعوث الاممي في العراق على أن جهود المصالحة الوطنية ضرورية للتغلب على التحديات الكامنة التي تواجه العراق ووحدته من اجل خلق حلول مستدامة للتعايش السلمي والتعاون والتنمية بين مكونات العراق المختلفة.

وأشار إلى أنّ هذا يتطلب نشاطًا حكوميًا اكثر، وجهودًا من القوى السياسية "لاعتماد تشريعات ذات اولوية تساعد على تحقيق المصالحة الوطنية" مثل مشروع قانون العفو والتمثيل المتوازن في المؤسسات العراقية وقانون الحرس الوطني. ودعا الزعماء السياسيين في العراق إلى العمل معًا لإيجاد توافق في الآراء، بينما تحتاج الحكومة العراقية والبرلمان العراقي إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لتسريع اعتماد وسن هذه القوانين.
&
وأشار إلى أنّه يجب أن يصاحب هذه الجهود حوار سياسي يهدف إلى تعزيز المصالحة على مستوى المجتمع بمشاركة الزعماء الدينيين والعلماء وقوى المجتمع المدني والعشائر والقادة السياسيين على حد سواء من اجل تعزيز مبادئ اللاعنف والتسامح الديني فضلاً عن المساءلة عن الجرائم المرتكبة.

العلاقات بين أربيل وبغداد

وحول العلاقة بين بغداد واربيل، أشار كوبيش إلى أن تنفيذ الاتفاق المشترك بين الجانبين الموقع في كانون الاول (ديسمبر) عام 2014 حول صادرات النفط وتقاسم العائدات قد عزز علاقات الجانبين. وأشار إلى أنّ زيارة العبادي إلى اربيل في السادس من الشهر الماضي قد عبرت عن تطور وتقدم العلاقات بين اربيل وبغداد، وشكلت تعبيرًا واضحًا عن هذه النوايا الحسنة للتعاون.

وشجع الجانبين على مواصلة العمل معاً من أجل حل القضايا العالقة والاتجاه لسن التشريعات، التي ستكون ضرورية لضمان الإدارة المستدامة والتوزيع العادل للموارد الطبيعية للعراق. وأشار إلى حاجة اقليم كردستان العراق لدعم دولي في جهوده لمواجهة تنظيم "داعش"، وتوفير متطلبات اكثر من مليون نازح داخلي إلى الاقليم، الذي يقدر عدد نفوس مواطنيه الخمسة ملايين نسمة.

علاقات العراق الاقليمية

وأضاف المبعوث الاممي إلى أنّه لاحظ أن العبادي عازم على تعزيز علاقات العراق الإقليمية وحشد الدعم للعراق وتعزيز نهج إقليمي مشترك لمواجهة التهديد الذي يمثله "داعش" اقليمياً ودولياً، إضافة إلى تطوير علاقات العراق مع جيرانه.

وأشار إلى أنّه خلال زياراته الاخيرة إلى الكويت والأردن قد سمع بشكل واضح رسالة في دعم عراق موحد ومستقر كأساس لأمن المنطقة وازدهارها واستعدادًا لدعم حكومة العراق والتنسيق الوثيق معها في جميع المجالات.

الوضع الامني

وأضاف كوبيش أن الاوضاع الامنية غير المستقرة وتصاعد العنف مازال يلحق خسائر فادحة بين الرجال والنساء والأطفال من جميع الطوائف العراقية. وأشار إلى أنّه منذ حزيران (يونيو) من العام الماضي 2014 وحتى نهاية نيسان (أبريل) عام 2015 تم الإبلاغ عن سقوط أكثر من 44000 ضحية، بينهم 15219 قتيلاً على الأقل وإصابة 29493 آخرين.

وأوضح أن بعثة "يونامي" في العراق قد تأثرت بإختطاف احد موظفيها المحليين بمدينة بعقوبة عاصمة محافظة ديإلى شمال شرق بغداد في 26 من الشهر الماضي على يد مسلحين مجهولين. وأكد ان الأمم المتحدة تشعر بقلق متزايد من عدم إحراز تقدم حول هذا الموضوع، ودعا السلطات المعنية في العراق للعمل على ضمان الإفراج عنه سريعًا.

عواقب انسانية للصراع في العراق

وشدد على أن العواقب الإنسانية للصراع في العراق هائلة حيث أن هناك حاجة لتوفير متطلبات أكثر من 2.8 مليون نازح داخلي في البلاد وحيث ينتشرون الآن في 3000 موقع بانحاء البلاد، فيما يتم الآن تسجيل أكثر من 247،000 لاجئ سوري في العراق يتلقون دعم الأمم المتحدة.

وأشار إلى أنّ الأمم المتحدة والشركاء في المجال الإنساني يقدمون مساعدات طوارئ إلى أكثر من 2 مليون نازح كل شهر مع المساعدات المنقذة للحياة. واوضح انه منذ منتصف الشهر الماضي تم تقديم مساعدات الإغاثة الطارئة إلى 85،000 شخص فروا من الرمادي خلال الأيام الثلاثة الأولى من تشردهم.

وتوقع أن تصبح اوضاع النازحين الانسانية أسوأ في الأشهر المقبلة مع توقع نزوح 1.7 مليون شخص آخرين خلال العمليات العسكرية المنتظرة مستقبلاً لا سيما لتحرير الموصل. واوضح أنه تجري الآن مناقشة خطط لبناء مراكز استقبال جديدة للنازحين الذين يتوقع فرارهم من مناطق القتال.

وأكد أن توفير احتياجات النازحين يتطلب تمويلاً دوليًا ضخمًا.. مستدركاً بالقول لكنه مع الاسف ان الامر مثير للقلق نتيجة النقص الخطير في التمويل.. منوهًا إلى أنّ اكثر من 60 في المئة من جميع العمليات الإنسانية المقدمة للنازحين تواجه تقليصًا أو إيقافًا للتشغيل خلال الأشهر المقبلة ما لم يتم تأمين التمويل اللازم.

وأشار إلى أنّ كل هذه الاوضاع تشكل تداعيات هائلة حيث تشير التقديرات الأخيرة إلى أن عدد الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي في العراق قد تضاعف تقريبًا ووصل إلى 4.4 ملايين نسمة.. وقال إنه منذ الشهر الماضي، اضطر برنامج الأغذية العالمي للحد من توزيع المساعدات العينية الغذائية في بعض المناطق بما في ذلك محافظة دهوك الشمالية التي تستضيف أكثر من نصف مليون نازح داخلي إلى نصف الحصص، وذلك بسبب نقص التمويل.

ودعا المبعوث الاممي المانحين إلى تقديم الدعم بسخاء في هذا المجال محذرًا من ان التكلفة السياسية ستكون هائلة إذا سمح المجتمع الدولي باستمرار النزاع مع "داعش" من دون حل حاسم.

اللاجئون الايرانيون في العراق

وأضاف المبعوث الاممي إلى أنّ هناك قضية إنسانية أخرى لا تزال في جدول أعمال الامم المتحدة دون حل، حيث مرت ثلاث سنوات منذ نقل معسكر سكان أشرف بشمال بغداد للاجئين الايرانيين من عناصر منظمة مجاهدي خلق الايرانية المعارضة إلى مخيم الحرية قرب مطار بغداد دولي الذي يسكنه 2475 شخصاً من اعضاء المنظمة ما زالوا في العراق.

وأشار إلى أنّه يكرر هنا النداء الذي وجهه الأمين العام للامم المتحدة إلى جميع الدول الأعضاء لدعم تهجيرهم اليها وفتح حدودها اليهم باعتبارهم أشخاصًا من ذوي الاحتياجات للحماية الدولية.

المفقودون الكويتيون

وعن قضية المفقودين الكويتيين والممتلكات المفقودة نتيجة احتلال العراق للكويت صيف عام 1990 قال المبعوث الاممي انه زار في 26 من الشهر الماضي الكويت ولمس التزاماً مدهشاً من قبل أعضاء اللجنة الوطنية حول المفقودين وشؤون الأسرى خاصة وأن العديد من أعضاء اللجنة قد فقدوا أقارب لهم في الأحداث المأساوية التي وقعت عام 1990، موضحًا انه بعد سنوات عديدة لم تتحقق نتائج ملموسة في هذا المجال لا سيما المفقودين منهم.

ودعا السلطات العراقية المعنية إلى اتخاذ خطوات عاجلة من شأنها انجاز هذا الملف خاصة وانها ضمنت الحصانة والحماية للشهود خارج العراق الذين قد يكونون في وضع يمكنهم من كشف الحقيقة. واوضح أن بعثة الامم المتحدة بحاجة ايضا إلى التفكير في أساليب علمية وتكنولوجية فعّالة من حيث التكلفة ولكن عملية لإحراز تقدم لإنهاء هذا الملف.

وفي ما يتعلق بمسألة الممتلكات الكويتية المفقودة بما في ذلك المحفوظات الوطنية، أشار إلى أنّ العراق قد سلم بعض هذه المحفظات مثل الكتب والقطع الأثرية العائدة إلى الكويت.. لكنه قال إن مسألة المحفوظات لا تزال لغزًا يصعب فهمه.

العراق بحاجة لدعم دولي لصالحه والمنطقة بأكملها

وفي الختام، أشار مبعوث الامين العام للامم المتحدة ورئيس بعثتها إلى العراق، إلى أنّ انطباعاته الأولى بعد عدة أسابيع فقط قضاها في العراق مختلطة الا انها ايجابية رغم التعقيدات الهائلة، وكذلك المعوقات والمخاطر والتقدم البطيء، رغم عزم الحكومة ورئيسها على تجاوز هذه التحديات.

وأشار إلى أنّه قد طغت على محنة العراق وشعبه تطورات أخرى تشهدها المنطقة، ما يستدعي مزيداً من الدعم لمواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي والعمل من أجل وحدة العراق على أساس تحقيق التوازن بين حقوق ومصالح مكوناته. وشدد على الحاجة إلى دعم سياسي ومالي كافٍ ومستمر وطويل الأمد إلى العراق وحكومته وشعبه من قبل المجتمع الدولي، وتحويل هذا الدعم إلى واقع ملموس لصالح العراق والمنطقة بأسرها.