يشكك عدد كبير من العراقيين بقدرة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على تحقيق الإصلاحات التي وعد بها، ويهددون بالاعتصامات اليومية حتى تحقيق ما وعد به وسوق الفاسدين إلى القضاء.


عبد الرحمن الماجدي من أمستردام: تتزايد شكوك العراقيين من إمكانية تحقق حزم الإصلاحات التي وعد بها رئيس الوزراء حيدر العبادي في مطلع الشهر الجاري. فبعد استجابة العبادي لمطالب المتظاهرين بمحاربة الفساد المالي والإداري وإصداره قرارات إلغاء مناصب نواب رئيسي الوزراء والجمهورية قبل نحو أسبوعين وإلغاء الامتيازات في المناصب العليا وأفواج الحماية لم يصدر رسميًا أي قرار من مكتب رئيس الوزراء بتلك القرارات على الرغم من موافقة البرلمان العراقي عليها.

ويفسر مراقبون عراقيون تردد العبادي في تطبيق قراراته الإصلاحية لشخصيته غير المسالمة ومركزه غير القيادي في حزب الدعوة الإسلامية، الذي يقوده نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي يحمله معظم المتظاهرين العراقيين مسؤولية الفساد الذي ضرب البلاد خلال العقد الماضي.

فالعبادي جزء من المنظومة الإسلامية السياسية التي تحكم البلاد، ولا يمكنه اتهام زملائه وقادته في الحزب وبقية الأحزاب الإسلامية، التي تمتلك ميليشيات مسلحة، بالفساد وسوقهم إلى القضاء. ويؤكد هؤلاء المراقبون أن رئيس الوزراء يسعى إلى تهدئة المتظاهرين من خلال تكراره أنه يضطر لسحب قوات من جبهات القتال مع تنظيم داعش الإرهابي من أجل حماية التظاهرات التي تتواصل في وسط وجنوب البلاد.

الميليشيات
السياسي والمفكر العراقي أياد جمال الدين قال في تغريدات له على موقع التواصل الاجتماعي تويتر "لا تتوقعوا من حيدر العبادي، أن يزجّ نوري المالكي في السجن!، لا حيدر العبادي ولا غير حيدر العبادي، لا أحد يستطيع محاكمة نوري المالكي. لماذا لا يستطيع أحد من المسؤولين محاكمة نوري المالكي، الجواب لأن المالكي يمتلك ضد كل مسؤولي الدولة، أطنانا من وثائق الفساد بإمكان المالكي أن يقلب الطاولة على الجميع، ويكشف فسادهم وجرائمهم كلها أو بعضها، لا أستثني أحدًا أبدًا. بيد المالكي وثائق ضد جميع ساسة البلاد بما في ذلك الشخصيات الدينية الكبرى في البلاد!. الشعب. يريد محاربة الفساد؟ مَن يُحارب الفساد؟. يقول الشعب: نريد من حيدر العبادي أن يُحارب الفساد!، هذا طلب عجيب غريب لا يمكن لـ حيدر العبادي "عضو المافيا" أن يكشف أوراق زعيم المافيا نوري المالكي. إذا أراد الشعب العراقي أن يتخلص من الفساد فهناك طريق واحد فقط: يجب الإصرار عليه، بالتظاهرات وهو "حل الميليشيات" الذي سيقلل من جبروت أحزاب السلطة.

وكان المالكي قال في تصريحات له في الأسبوع الماضي، بعد صدور تقرير اللجنة البرلمانية التي تحقق في جريمة مقتل نحو 1700 تلميذ طيران في قاعدة سباكير الجوية شمالًا في العام الماضي على أيدي مقاتلي داعش يحمله وآخرين المسؤولية، إن لديه وثائق تدين ساسة كبارا وأبناء مراجع دينية متورطين بالفساد سيقدمها إلى المحاكمة.

وشكا متظاهرون في بغداد والمحافظات من تعرّضهم لتهديدات بسبب انتقادهم شخصيات في أحزاب إسلامية متهمة بالفساد، وتعرّضت خيام عدد من المعتصمين في البصرة للحرق من قبل مسلحين ملثمين.

لم يصدر أمر بالإصلاحات
من جانبها قالت رئيس حركة إرادة النائب حنان الفتلاوي إن رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي لم يلتزم بالتوقيتات التي خصصها هو في تنفيذ حزمة الإصلاحات الحكومية التي أطلقها.

وكتبت الفتلاوي على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك: إن "مجلس الوزراء صوّت يوم 9/8/2015 على حزمة الإصلاحات التي تبناها رئيس الوزراء وألزم نفسه خلالها بتوقيتات زمنية محددة جعلت الشارع العراقي يتفاءل خيرًا، ويتفاعل مع هذه الإصلاحات وحصل العبادي على التفويض من كل الجهات بناءً على هذه التوقيتات"، مستدركةً القول إنه "لغاية اليوم لم يلتزم العبادي بالتوقيتات التي اقترحها هو، وتم تجاوز الكثير منها".

وأوضحت أنه "لحد اللحظة لم يصدر أمر ديواني بإلغاء مناصب نواب رئاستي الجمهورية والوزراء لا منه ولا من رئيس الجمهورية رغم أنه قال فورًا، وكذلك خفض الحد الأعلى للرواتب التقاعدية للمسؤولين تقدم خلال أسبوع لم يصدر شيء لحد الآن رغم مرور أسبوعين".

وأضافت: من ضمن الإصلاحات "تفعيل القروض (الصناعي، الزراعي، الإسكان، قروض المشاريع الصغيرة) قبل نهاية الأسبوع، ومر أسبوعان ولم تفعل القروض رغم أنه قال قبل نهاية الأسبوع الماضي، إضافة إلى إنجاز برنامج الدفع بالآجل خلال اسبوع ومر اسبوعان من دون ان ينجز".

واشارت الفتلاوي الى "حزمة إجراءات لحل مشكلة الكهرباء بما يتعلق بالانتاج، النقل والتوزيع والجباية ينجز خلال أسبوعين، ومر اسبوعان والكهرباء التي كانت اساس تظاهرات البصرة كما هي". وأعربت عن امنيتها بألاّ تكون حزم إصلاح العبادي "حبراً على ورق، وان يلتزم بالتوقيتات الزمنية التي وضعها هو ولم يجبره عليها أحد".

وفي محافظة البصرة التي تضم أكبر عدد من الحقول النفطية في البلاد يواصل المتظاهرون اعتصامهم أمام بناية مجلس المحافظة الذي يتهمون أعضاءه بالفساد ويطالبون الحكومة بإصلاحات حقيقية، في مقدمها الخدمات وخاصة الماء والكهرباء، فقد قطعوا الطريق إلى ميناء أم قصر الجنوبي للبضائع، ما أدى إلى تعطل الأنشطة في الميناء الذي يستقبل شحنات الحبوب والمعدات الثقيلة المستخدمة في صناعة النفط.

وقال انمار الصافي المتحدث باسم الشركة العامة لموانئ العراق لوسائل إعلام محلية إن عشرات المحتجين الذين أغلقوا بوابتي الميناء الرئيستين منذ صباح الجمعة نصبوا خياما خلال الليل ورفضوا السماح بعبور الشاحنات ومنعوا الموظفين من دخول المنشأة. وقال الصافي ومصدر أمني إن قوات الأمن حرصت على إبعاد المحتجين عن الميناء لكنها لم تفرقهم.

يذكر أن شرارة التظاهرات العراقية انطلقت من محافظة البصرة في نهاية الشهر الماضي احتجاجا على تردي الخدمات وقتل خلال تلك التظاهرات الشاب منتظر الحلفي الذي اشغل الغضب في بقية محافظات الجنوب والوسط.

استقالة العبادي

وفي تطور جديد قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إنه سيتخلى عن حزبه ما دام في موقعه كرئيس وزراء. واعتبر العبادي، اليوم الاحد، أن من يكون بموقع المسؤولية الحكومية أن يكون مسؤولا عن كل الشعب ويتخلى عن حزبه، في إشارة إلى أنه سيتخلى عن حزب الدعوة لشعوره بالمسؤولية تجاه الشعب.

وقال العبادي في كلمة له إن "من يتسلم منصبا في هذه الدولة عليه ان ينسى حزبه، ويجب ان يكون مسؤولا عن كل الناس وليس عن حزبه او من صوّت له فقط".

واضاف "لو قدمت خدمة فيجب ان اقدمها الى جميع طوائف الشعب دون استثناء". ويبدو أنه يرد على ضغوط حزبية من قادته في حزب الدعوة الاسلامية بعدم المضي قدما في تحقيق جميع الإصلاحات التي وعد بها تجنبا من أن تطال أعضاء في الحزب ذاته.

وكان عضو مجلس النواب عن ائتلاف الوطنية النائب كاظم الشمري دعا، اليوم الاحد، رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي الى تقديم استقالته من حزب الدعوة والتفرغ لدوره الوطني في قيادة السلطة التنفيذية وتحقيق المطالب الشعبية، مبينا ان قيود الانتماءات الحزبية والكتلوية تقيد العبادي وتجعله لا يستطيع تحقيق اقصى حد لطموحات الجماهير.

وقال الشمري في بيان تناقلته وسائل الاعلام العراقية إن "العبادي يمتلك اليوم فرصة تاريخية ودعما لم يتحقق لأي رئيس وزراء سبقه في العراق، فالمرجعية الدينية والشارع اليوم هما درعه الحصين لتحقيق الاصلاح، كما ان البرلمان اعلن وبشكل صريح دعمه الكامل لأي تشريعات او اصلاحات يحتاجها العبادي منهم".

واضاف ان "الانتماء إلى الحزب والكتلة هو شيء طبيعي في المجتمعات الديمقراطية، لكن العراق يمر بظروف خاصة، وهنالك تحديات كبيرة وضغوط حزبية تقيد العبادي وتجعله محرجا في اقالة او تطبيق القانون على العديد من الشخصيات المتنفذة في حزبه او احزاب اخرى ضمن التحالف الوطني".

واوضح الشمري ان "الكرة اليوم في ملعب العبادي والشارع معه وخلفه داعما له، بالتالي فان عليه ان يخطو تلك الخطوة المهمة والجريئة لبناء نمط سياسي جديد يقوم على اساس الولاء للوطن والشعب فقط من دون اي انتماءات حزبية او مذهبية وان يقوم بتقديم استقالته من حزب الدعوة والتفرغ للتصدي لواجباته الكبيرة والمهمة على رأس هرم السلطة التنفيذية".

وكان نائب رئيس الجمهورية المقال ورئيس الوزراء السابق رئيس ائتلاف الوطنية أياد علاوي قال في حديث تلفزيوني بعد صدور قرار إلغاء منصبه إنه طلب من رئيس الوزراء الاستقالة من حزب الدعوة الاسلامية ليتفرغ لادارة الحكومة.

يذكر أن العراق يشهد تظاهرات أسبوعية يشارك فيها الالاف في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب تطالب بمحاربة الفساد وإحالة الفاسدين على القضاء وتحسين الخدمات، وتوعد ناشطون في هذه التظاهرات بتحويلها الى اعتصامات كما يجري في محافظة البصرة. ويعاني العراق من تردي البنى التحتية والخدمات منذ عام 2003 رغم ميزانياته الكبيرة، ومن تغلغل الفساد المالي والاداري في معظم مفاصل الدولة.

&