بعد أن انتشر الشعار الذي رفعه المتظاهرون العراقيون "باسم الدين سرقونا الحرامية" في ساحة التظاهر والاعتصام، عمد رجال دين ومناصرون لهم على اعتباره ضد الدين الاسلامي، ومن يحمل هذا الشعار يسعى إلى إقامة حكم كافر.

عبد الجبار العتابي من بغداد: استغرب العديد من العراقيين محاولات جرّ التظاهرات ضد الفساد والطائفية، إلى صراع بين الدين واللادين أو العلمانية، من أجل افشالها وإبقاء الامور على ما هي عليه من تراكمات في الفساد الذي تعفن ففاحت رائحته وغمرت العالم، وقد أصبحت غالبية الشعب دون مستوى خط الفقر والخراب مستمر مع فقدان أبسط الخدمات.&
ويؤكد المتظاهرون انهم ضد رجال الدين الذين أفسدوا وسرقوا أموال الشعب العراقي بحجة الدفاع عن الدين، ولكنهم يتسترون به لتمرير فسادهم الذي أزكم الانوف، مشيرين إلى أن من يقوم بالتحريض على ذلك هم رجال دين غير حقيقيين وأشخاص ينتمون إلى الاحزاب الدينية متضررون من الاصلاحات، فيعلنون أن من يقوم بالتظاهرات هم (علمانيون) يقفون بالضد من الدين.
&
حكم لا ديني
كان خطيب جمعة النجف، صدر الدين القبانجي أعلن مؤخراً رفض الشعب العراقي أي شعارات ترفع ضد الدين والمرجعية. وقال إن الشعب العراقي متدين ويرفض أيضاً رفع أي شعارات ضد الدين والمرجعية"، موضحا أنه "في حال خرجت التظاهرات عن أهدافها فإن الشعب سوف يقف ضدها".
وأضاف القبانجي المنتمي الى المجلس الاسلامي الأعلى بزعامة عمار الحكيم، خلال إحدى خطبه، أن الشعب العراقي إذا عرف أن هناك أهدافاً ضد الدين والعودة إلى حكم ﻻ ديني، فإنه سيقف ضدها، فالشعب العراقي متدين.

ليسوا ضد الدين&
لكن الشيخ علي الطالقاني خطيب مسجد الكوفة القريب من التيار الصدري، رأى أن المتظاهرين لم ينتقدوا الدين ولم يتظاهروا ضد الدين والدين أجـلُّ وأسمى من أنْ يُتًظاهر عليهْ، لكنهم تظاهروا ضد من سرقهم باسم الدين، وفي هذه الحالة فالواجب علينا أن نشكرهم، لأننا لو ركزنا ودققنا لوجدناهم قد حموا الدين، وإن لم يشعروا بذلك أكثر ممن سرقوا الناس باسمه، فرفضهم للسارق بهذا العنوان الكريم...حماية لذلك العنوان. فشكراً لهم وجزاهم الله خير جزاء المحسنين. والابتعاد عما يضع الدين موضعاً محرجاً اسلمُ وأكملْ.
&
طبقة فاسدة&
الناشط محمد عبد الرحمن قال إن التظاهرات ضد السارق باسم الدين وما أكثرهم. وأضاف خلال حديث مع "إيلاف" أن المجانين وحدهم الذي يتخيلون أن هذه التظاهرات هي ضد الدين، وأنهم يريدون بكلامهم هذا إثارة البسطاء من الناس والتغرير بهم، حتى لا يشاركوا بالتظاهرات ضد المفسدين الذين سرقوا اموال الشعب العراقي طوال 12 سنة باسم الدين.
وبين أن هؤلاء الاسلاميين ضحكوا على الشعب وأوهموه أنهم يعملون من أجله، وأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولكن في الحقيقة التي ظهرت جلية، هم يسرقون الشعب ويتلاعبون به، ولا همّ لهم سوى جمع الملايين من الدولارات، والدليل هذه الفظائع التي يتعرض لها الناس في ابسط حقوقهم. أنا اعتقد أن رجال الدين الذين دخلوا مجال السياسة في العراق هم الطبقة الفاسدة والتي افسدت البلاد وجعلونا اضحوكة للعالم.
&
فصل الدين عن السياسة
من جانبه أكد سمير عادل، ناشط مدني ومتظاهر، أنه خرج للتظاهر من أجل فصل الدين عن السياسة. وقال ل"إيلاف" إن هناك رجال دين استغلوا طيبة الشعب واحترامه للعمامة، وراحوا يسرقون أمواله طوال أكثر من عشر سنوات، لكنهم لم يشبعوا وواصلوا&السرقة وقد شكلوا عصابات ومافيات وحين يعترض الشعب يخوفونه بالنار ولابد من طاعة رجال الدين، حتى اذا انكشف زيفهم راحوا يحرضون الناس بعضهم على بعضهم الاخر ليصفوا كل شيء لهم.
واضاف أن هناك من يقول إن التظاهرات تدعو إلى الحكم اللاديني، وعليه يجب عدم المشاركة فيها، والسؤال هنا: هل هذا يعني أننا كنا نخضع لحكم ديني؟ إن كان الجواب نعم فهذه شهادة ما بعدها شهادة لهذا النوع من الحكم، وإن كانت التظاهرة تدعو للحكم اللاديني، فهذه التهمة كاذبة وتحاول استغلال مشاعر الجهلة واستثارتهم، فلم يقل أحد إن المتظاهرين يدعون إلى حكم ديني أو غير ديني.. الجميع يدعون للتخلص من الفساد والمفسدين وتحسين الخدمات، وهما هدفان عامان لا علاقة لهما من قريب او بعيد لا بالدين وبغيره.
&وختم أنه يتظاهر ضد اللصوص باسم الدين ويطالب بفصل الدين عن السياسة لأن الوضع اذا استمر على هذا الحال فان الاحزاب الاسلامية ستدمر العراق.
&
شعار صحيح&
الكاتب والمحلل السياسي عبدالله القره داغي قال "باسم الدين (باكونا) سرقونا الحرامية شعار صحيح وواقعي، يتعين أن يصبح عنوانا دائما للاحتجاجات وعلى المحتجين أن يركزوا عليه، ويدعو كل كتلة اسلامية تزعم دعمها للاصلاحات أن تتبناه، فهو المعيار الذي يثبت صدقيتها ويمكن اعتباره بمثابة جهاز كشف الكذب.&
وأضاف أن هذا الشعار هو الذي حرك المرجعية الدينية التي تسعى الآن إلى تجيير المطالبة بالاصلاحات لحسابها، لذا على المحتجين أن يضعوها أمام المحك، ويطالبونها بتبني هذا الشعار أو على الأقل الإعلان عن مباركته وتأكيد صحته.&
&
&العمامة الفاسدة
أما الاعلامي سعدون محسن ضمد، فقال إن العمامة التي لا تقدم فاسديها إلى العدالة أفسد منهم، وأكثر خيانة وهي شريك رئيس في كل خراب العراق، بالذات في الانهيار الامني وفي دماء شهداء سبايكر.
واضاف أن رجل الدين الذي يثرثر عن الفضيلة والوطنية وهو يعتاش من أموال وزرائه الفاسدين، لا يستحق الاحترام وهو مجرم؛ لأنه شريك في كل قطرة دم سقطت على ارض العراق منذ ٢٠٠٣.
&
حركات دينية
من جانبه قال رئيس اتحاد أدباء النجف فارس حرّام إن هناك دفاعا من قبل سياسيين ورجال دين عن النظام السياسي في العراق بعد ٢٠٠٣ بدعوى أنه نظام حكم "ديني" أو "إسلامي"، وبدعوى الخوف من هذه التظاهرات على أساس أنها تمهّد لنظام حكم "علماني" أو حتى "لا ديني" (مع ضمان الفرق بين العلماني واللاديني). واقول إنّ كل شخص يدافع عن النظام الحالي من هذا المنظور الديني الضيّق، هو شخص لا يعرف أصلاً أنّ الحكم في العراق لا دينيّ في غالبيته، لأنه لا يوجد أي فقرة في الدستور تقول إن النظام دينيّ، وإنما هو يعتمد الإسلام مصدراً من مصادر التشريع، ويسيء إلى الإسلام لأنه يعطي مثالاً لنظام حكم الإسلام العادل كما هو مفترض بنظام حكم العراق منذ ٢٠٠٣ الأكثر فساداً في تاريخ العراق، ويسيء إلى الإسلاميين المخلصين النزيهين، من الساسة وغيرهم، لأنهم هم المتبرون والمتبرمون الأوائل من أداء النظام السياسي الحالي ومن فساده ويدعمون التظاهرات والاقتصاص من الفاسدين.
واضاف: كما أنه يقاطع نهج المرجعية العليا الرشيدة التي لم يصدر عنها أي تصريح أو تلميح بأن نظام الحكم في العراق دينيّ أو يجب أن يكون دينياً. ومتهم قبل غيره بأنه أوّل المستفيدين من فساد النظام الحاليّ، وهذا بسبب دفاعه عنه.
وتابع :أنّ القوى الإسلامية التي قررت الاشتراك في التظاهرات تدعم فكرة النظام اللاديني في حين هي حركات دينية وهذا خُلف كما يقال في المنطق.

معركة إسلام ضد علمانية
أما الكاتب علي حسين فقال لإيلاف إن الحديث عن استهداف الدين يعني بشكل واضح أن الذين خرجوا للتظاهر في معظم مدن العراق متهمون بمعاداة الدين، وهو حديث للأسف يفضح كل ما كان مخفيا من شعارات عن الديمقراطية وحق المواطن العراقي بالخدمات، ومحاربة الفساد ومحاسبة المفسدين.&
وأضاف أن الغريب مثلا أن هناك من يريد أن يختطف القضية بعيدا عن جوهرها الحقيقي، ويعيد تسويقها للناس على انها معركة اسلام ضد علمانية، أو انها معركة بين مؤمنين وكفار، وغير خاف ما لمصطلح &"الحكم اللاديني" من دلالات، كما أن هناك من لم يتمالك نفسه فاعتبر أن العراق أصبح بلد رجال الدين فقط وعلى الآخرين أن يبحثوا عن تأشيرة هجرة إلى بلاد الكفار، إذا لم يعجبهم الأمر .
وقال "أية ديمقراطية هذه التي تكفر المختلف معك؟ أية ديمقراطية في التحذير من محاسبة سراق ثروات البلد؟ أية ديمقراطية في تصدير وهم أن المسؤولين الحاليين هم الإسلام، وأن مناصرتهم مناصرة للدين؟ ومعارضتهم معارضة للدين؟ أية ديمقراطية هذه التي يريد بها البعض ان يمارس من خلالها وصاية على عقول الشعب تجعل الخروج بتظاهرة تندد بالخراب والبؤس معناها محاربة الدين الاسلامي"؟
يذكر أن تظاهرات واعتصامات انطلقت في مدن وسط وجنوب العراق منذ نهاية الشهر الماضي تطالب بمحاربة الفساد وإصلاح القضاء وتحسين الخدمات حيث يهيمن قادة الأحزاب الإسلامية على المناصب العليا في الدولة. وأصدر رئيس الوزراء حيدر العبادي ثلاث حزم إصلاحية تضمنت إلغاء مناصب نواب رئيسي الوزراء والجمهورية، وتقليص الكابينة الوزارية، لكن المتظاهرين يطالبون بمواصلة الاصلاحات واعادة هيكلة جهاز القضاء الذي يتهمونه بالتغطية على الفاسدين.
&
&