تريد روسيا توسيع نفوذها في الشرق الأوسط واوروبا الشرقية وتريد ان تعود قوة عظمى على قدم المساواة مع الولايات المتحدة في الساحة الدولية، واظهرت الأحداث الأخيرة ان الرئيس فلاديمير بوتين لا يتورع عن استخدام كل الوسائل لتحقيق غاياته، بما في ذلك قصف مناطق سكنية ومستشفيات في سوريا.
&
والطائرات الروسية بتهجيرها سكان هذه المناطق عن طريق القصف تزيد تدفق اللاجئين وزعزعة استقرار اوروبا وتركيا. &واصبح واضحا ان روسيا ليست شريكا في الحرب ضد داعش، كما كان يأمل البعض.
&
ومنذ اعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما في عام 2014 ان روسيا ليست أكثر من "قوة اقليمية" يعمل بوتين بلا هوادة على اثبات العكس. وهذا ما اشار اليه رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف عندما تحدث عن "حرب باردة جديدة" في مؤتمر ميونيخ للأمن. &فان اندلاع "حرب باردة جديدة" يتطلب صراع طرفين متساويين في القوة.
&
وليس مصادفة ان يتحدث ميدفيديف عن هذه الحرب الباردة في المانيا حيث مخاوف المواجهة مع روسيا مخاوف عميقة بصفة خاصة ، كما يلاحظ المحلل السياسي ماتيو فون رور في مجلة شبيغل. &
&
ولكن روسيا اليوم ليست الاتحاد السوفيتي. &وإذا عززت قواها العسكرية في السنوات الأخيرة فانها تبقى بلدا لا يُعتد بقوته اقتصاديا. &وتراجعت قوة روسيا أكثر بتأثير العقوبات وهبوط اسعار النفط. &وحقيقة استمرار الخوف من روسيا ناجمة عن تصميم القيادة الروسية وذكائها الاستراتيجي وفشل الغرب. &وفي النهاية فان روسيا قوية بقدر ما يكون الغرب ضعيفا، بحسب تعبير المحلل فون رور. &وليس لدى اوروبا والولايات المتحدة رد على سياسة بوتين العدوانية لأنهما لا يمتلكان استراتيجية واضحة تردان بها بل انهما عاجزتان حتى عن الاتفاق على اهداف مشتركة. &
&
في سوريا مثلا امتنعت الولايات المتحدة عن اقامة منطقة حظر جوي في الشمال او تقديم دعم حقيقي لفصائل المعارضة المعتدلة التي تقاتل نظام بشار الأسد وتنظيم الدولة الاسلامية "داعش". &ولعل اتخاذ مثل هذه الخطوات كان من شأنه ان يمنع النزوح الجماعي الذي يشهده العالم اليوم وخاصة اوروبا.&
&
من جهة اخرى فان لدى روسيا هدفا واضحا يتمثل في الابقاء على الأسد وتقوية نظامه. &وهو هدف تسعى اليه موسكو بلا وازع. &
&
ولم تعد لدى الغرب اوراق يلعبها لممارسة الضغط على بوتين، وسيتعين عليه التسليم ببقاء سوريا دولة فاشلة بقيادة الأسد. &كما يكاد الغرب ان يفقد اوكرانيا التي لجأت اليه قبل عامين. &وهناك ايضا تعمل روسيا على تحقيق هدف واضح حددته لنفسها هو تقويض استقرار البلد مستخدمة السلاح والرجال لتحقيقه. &اما الغرب فانه يفتقد الى الارادة المطلوبة لدعم اوكرانيا.&
&
وتعمل تهديدات الكرملين والخوف من وقوع مواجهة مسلحة على تقوية مواقع اولئك الذين يريدون في الغرب تسوية مع بوتين مهما كان الثمن باهظا. &ويريد بعض السياسيين الالمان رفع العقوبات عن روسيا دون مقابل ، بحسب المحلل فون رور مشيرا الى الزيارة التي قام بها مؤخرا الى موسكو هورست زيهوفر حاكم ولاية بافاريا القوية اقتصاديا واشد المعارضين لسياسة المستشارة انغيلا ميركل بشأن ازمة اللاجئين رغم ان حزبه المسيحي الاجتماعي شريك ميركل في الحكومة الائتلافية. ويرى فون رور ان الزيارة أوحت كذبا بأن كل شيء يمكن ان يُحل بمزيد من الحوار مع روسيا والتخفيف من انتقادها. &
&
ولكن دروس سوريا واوكرانيا تثبت العكس. &فان كل المحاولات لتغيير موقف روسيا من خلال التقارب والغزل باءت بالفشل. &والشيء الوحيد الذي يؤثر في بوتين ويحمله على التعاون هو ضغط الغرب عليه بشدة. &وفي اوكرانيا لم يكن بوتين يتوقع ان تُفرض عليه عقوبات شديدة ومن خلال هذه الاجراءات العقابية وحدها أمكن وقف العدوان الروسي من التمادي. ولكن مثل هذا الوضوح غائب حين يتعلق الأمر بسوريا بل على العكس فان بعض السياسيين الغربيين حتى رحبوا بالتدخل الروسي. &
&
ولهذا الدرس أهميته. &فالغرب استهان بما يمكن ان تفعله روسيا وعليه ان يتوقع المزيد من المغامرات الروسية في السياسة الخارجية سواء في اوروبا الشرقية أو في العلاقة المتوترة اصلا مع تركيا. &ويقول المحلل السياسي فون رور في مجلة شبيغل ان بوتين يحتاج الى مثل هذه المغامرات للحفاظ على شعبيته رغم ان شعبه يزداد فقرا. &وإذا أراد الغرب ان يتفادى الالتفاف عليه مرة اخرى في نزاعات قادمة فانه لا يمكن ان يسمح لأحد بتخويفه ولا يمكن ان يعمل على إرضائه بل على الغرب ان يتصدى لهذه الاعتداءات على النظام العالمي بموقف موحد.