انتقل الاختناق السياسي في العراق من أروقة التحالفات الرئيسة المشكلة للحكومة الى الشارع، بعد ان حوّل زعيم التيار الصدري حركته الاحتجاجية الى مستوى أعلى بدعوته اتباعه لاعتصام مفتوح في خيم أمام بوابات المنطقة الخضراء، حتى انتهاء مهلة الـ45 يوما التي منحها لرئيس الحكومة حيدر العبادي.

محمد الغزي: أخذ زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الحركة الاحتجاجية الى مستوى أعلى بدعوته للاعتصام أمام بوابات المنطقة الخضراء وذلك حتى انتهاء مهلة الـ ٤٥ يوم، فيما يبحث رئيس مجلس النواب في أربيل مع رئيس إقليم كردستان الاختناق السياسي والتظاهرات التي تشهدها العاصمة بغداد، وذلك بعد ساعات من اعلان رئيس الوزراء العراقي ان لجنة خبراء مستقلة ستتولى تحليل بيانات المرشحين واختيارهم لحكومة التكنوقراط.

ودعا الصدر، في موقف جديد ومنعطف أخر، المتظاهرين الى الاعتصام امام بوابات المنطقة الخضراء بدءا من يوم الجمعة المقبل وحتى انتهاء مهلة 45 يوما التي حددها للحكومة لتنفيذ الإصلاحات.

اعتصام لـ18 يوماً

وتنتهي المهلة قبل نهاية الشهر الجاري ما يعني ان اعتصام اتباع الصدر والمحتجين سيمتد لنحو 18 يوما امام المنطقة الخضراء، فيما لم يعرف حتى الان رد فعل الحكومة التي تمنع تنظيم الاعتصامات، وماذا كان الصدر قد حصل على موافقة امنية او لا ، لكنه دعا المتظاهرين الى "الرجوع في تنظيم هذا الاعتصام الى اللجنة المنظمة له وليبدأ من الجمعة المقبلة"، واكد ان الهدف منه هو "تخليص الوطن من الشرذمة الضالة المضلة".

وقال في بيان تسلمت "إيلاف" نسخة منه "ادعو كل عراقي شريف محب للإصلاح، بل محب للعراق والعراقيين، ان ينتفض لبدء مرحلة جديدة من الاحتجاجات السلمية والشعبية مرحلة اخرى غير التظاهر لتبدأ مرحلة جديدة تقومون بها بالاعتصام أمام بوابات المنطقة الخضراء حتى انتهاء المدة المقررة، أعني الـ 45 يوماً".

وطالب الصدر المتظاهرين الى "الاستعداد وتنظيم أمورهم والوحدة من أجل إقامة خيم الاعتصام السلمي"، ماضيا الى القول "هذا يومكم لاجتثاث الفساد والمعتدين من جذورهم وتخليص الوطن من تلكم الشرذمة الضالة المضلة".

وكان رئيس الوزراء العبادي قد شدد في كلمة له الاربعاء التاسع من اذار الحالي، موقفه "الثابت بضمان حق التظاهر السلمي وفق السياقات القانونية وضمن الاماكن المحددة من قبل الاجهزة الأمنية" ماضيا الى التأكيد "لا يمكن ان اسمح أبدا بالمظاهر المسلحة خارج نطاق الدولة وتهديد امن المواطنين والتجاوز على نقاط التفتيش ومرور المسلحين من خلالها".

ولم يعرف بعد كيف ستتعامل القوات الأمنية مع المعتصمين امام بوابات المنطقة الخضراء، ولم يكشف بعد عن اعدادهم، مع حديث عن اختناق مروري قد يتسببه نصب تلك الخيم والسرادق خاصة في منطقة الصالحية وكرادة مريم حيث مداخل رئيسة ووزارات الخارجية والإسكان.

ويبدو ان الصدر وجد بان الاعتصام أقوى بكثير من التظاهر من حيث الضغط ، في مقابل المسار الذي اختطه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي والمتمثل باُسلوب منهجي بينما الشارع مفتوح على احتمالات متعددة، فقد عمد الى العودة الى الأحزاب وطلب منها مجددا ترشيح وزراء تكنوقراط وقدم لهم وثيقة مطولة (اكثر من مائة صفحة) لشرح تفاصيل خطة التغيير الوزاري و(الإصلاحات) وأعطاهم ايضا مهلة ايام معدودة للاستجابة.

لجنة مستقلة 

العبادي اكد في بيان تسلمت "إيلاف" نسخة منه ان "لجنة خبراء مستقلة ستتولى مراجعة السير الذاتية للمرشحين"، ووفقا للبيان الذي وزعه مكتبه الإعلامي، السبت، انه "بعد تلك المراجعة سترفع الاسماء الى رئيس الوزراء لاختيار الاكفأ ولعرضها على مجلس النواب".

لكن البيان وفي توضيح جديد لفت الى ان العبادي لم يطلب فقط من الأحزاب والكتل السياسية ترشيح وزراء بل قال انه "تم الطلب من الكتل النيابية ومن (فعاليات المجتمع المختلفة) ترشيح اسماء للحقائب الوزارية تتمتع بالنزاهة والمهنية من التكنوقراط" مؤكدا انه "هناك انفتاح على الجميع من اجل اختيار الافضل للتشكيلة الحكومية".

ومضى الى القول انه "سيكون هناك اكثر من اسم لكل حقيبة من التكنوقراط لاختيار الاكفأ ثم يعرضها على مجلس النواب" مؤكدا حرصه على "تشكيل فريق حكومي منسجم للسير قدما بخارطة طريق واستراتيجيات وضعت لتطوير جميع القطاعات".

الجبوري في كردستان 

ويبدو أن رئيس الوزراء العراقي ليس وحده في سباق مع الزمن وامام مواصلة المتظاهرين احتجاجتهم، فالكتل السياسية بدأت تسرع من وتيرة حراكها واجتماعاتها، إذ ولى رئيس البرلمان العراق سليم الجبوري وجهه صوب كردستان العراق ليجتمع هناك مع رئيس الإقليم سليم الجبوري والمباحثات تتركز، بحسب ما افاد به لـ"إيلاف" عماد الخفاجي مستشار رئيس البرلمان.

وقال الخفاجي إنه جرى خلال اللقاء مناقشة مجمل التطورات على الساحة السياسية خصوصا ما يتعلق بـ"خطط الاصلاح المطلوبة والتنسيق المشترك من اجل بلورة رؤية واضحة تكفل النتائج المرجوة من تلك الخطط".

وأضاف "تم التأكيد على أهمية الإسراع في حسم هذا الملف تلبية لتطلعات الشارع العراقي ولما له من انعكاسات ايجابية على مجمل الأوضاع".

إلى ذلك، أكد تحالف الكتل الكردستانية، لدى اجتماعاته مع الهيئة السياسية للتيار الصدري ورئيس الوزراء، على وجوب الحفاظ على تمثيلها في الحكومة العراقية بنسبة 20 من عدد الوزراء، بحسب ما اعلنه النائب الكردي ماجد شنكالي والذي لفت الى إصرار الكتل الكردستانية على عدم المساس باستحقاقها وانه يتوجب وجود ثلاث وزراء في حال رشق العبادي الوزارة الى 16 وزيراً وأربعة وزراء في حال كانت 20 وزيراً.

المساري يطالب العبادي بمناظرة 

وفي تصريح مفاجئ قال رئيس كتلة ائتلاف دولة القانون البرلمانية علي الاديب ان "كتل بدر وحزب الدعوة تنظيم العراق وكتلة مستقلون متشبثون بوزرائهم وغير مستعدين لتغييرهم وهم المعنيون بالدرجة الاولى بالتغيير الوزاري بالنسبة في ائتلاف دولة القانون واذا يوجد تغيير في وزاراتهم فعليهم ان يقدموا البدلاء".

وأضاف، ان هذه الكتل "متشبثة بالمناصب وليس لديها استعداد للتغيير حسب ما فهمته،" مستدركا بالقول "لكن ربما ونظرا للمصلحة العامة والضغط الجماهيري يمكن الاستجابة للتغيير وهذا احتمال وارد".

الأديب أشار الى ان "حزب الدعوة الاسلامية لا يملك وزيرا في الحكومة وانما فقط منصب رئيس الوزراء".

وقال اتحاد القوى العراقية تعليقا على وثيقة الإصلاح التي أرسلها رئيس الوزراء حيدر العبادي انها "عبارة عن سرد انشائي ولا تحتوي على خطوات فعلية".

واكد رئيس كتلة البرلمانية للاتحاد احمد المساري "ان فقرة واحدة فقط من وثيقة الاتفاق السياسي تم تنفيذها وهي النظام الداخلي لمجلس الوزراء، وليس 21 فقرة كما جاء في ديباجة وثيقة الإصلاح التي أرسلها العبادي وانا على استعداد للدخول في مناظرة معه وليقل لي أي فقرة تمكن من تنفيذها".

ورأى المساري ان حديث العبادي عن ارسال قوانين الى مجلس النواب هو رمي الكرة في ملعب مجلس النواب بشان ملفات لم يجر الاتفاق عليها، واكد انه يتعين على العبادي "بيان اسباب تغيير الوزراء ومحاسبة المقصرين".

وقال المساري ان التحالف يريد ان يلمس خطوات حقيقية لعملية الإصلاح كما يريد ان يسمع من العبادي ما هي الخطوات التي سيقوم بها خاصة فيما يتعلق بالمناطق المحررة من داعش وضرورة تسليح ابناء المحافظات المنكوبة ودمجهم بالمنظومة الامنية.

ويبدو ان لدى اتحاد القوى العراقية، موقفا رافضا للمهلة التي وضعها الصدر لرئيس الحكومة لتشكيل الوزراة، وذلك في محاولة منه لكسف وقت بهدف الاتفاق على أسماء بعينها لشغل مقاعد مخصصة له.

وقال النائب عن الاتحاد صلاح الجبوري أنه "ليس في التعديل الوزاري مهلة دستورية"، مشيرا الى أن رئيس الوزراء حيدر العبادي "هو المعني الوحيد بتحديد وقت تشكيل كابينته الوزارية الجديدة".

فيما يجد رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي عمار الحكيم، أن العراق "يواجه غياب الحلول العملية رغم مرور 12 عاماً على التجربة السياسية" بعد سقوط النظام السابق.

وذكر الحكيم في كلمته بالمؤتمر الوطني الرابع للاشخاص ذوي الاعاقة اقيم بمكتبه ببغداد، السبت، "أننا نؤمن ان الحديث بالعموميات والتنظيرات قد اخذ وقتاً طويلاً وعلينا ان نركز على الفعل والانجاز في هذه المرحلة، ولهذا فأننا نطرح خطوات عملية ومعقولة كي نتجاوز مرحلة طرح الأفكار، لأننا اكتشفنا وللأسف الشديد وبعد تجربة استمرت على مدى 12 عاماً، اننا في العراق نواجه اشكالية غياب الحلول العملية".