ينعى سكان مدينة حلب في شمال سوريا الهدنة المعمول بها منذ شهرين في ظل تصعيد عسكري أودى خلال الأسبوع الأخير بعشرات المدنيين، فيما تتمسك القوى الدولية الراعية لاتفاق وقف الأعمال القتالية به، وتبذل جهودًا مكثفة لإحيائه.

حلب: يقول ابو محمد (40 عامًا) لوكالة فرانس برس: "لا اعلم عن أي هدنة يتحدثون. لا توجد هدنة هنا، القذائف والصواريخ لا تتوقف، وكأننا في الحرب العالمية".

في27 شباط/فبراير، استقبل سكان مدينة حلب، المقسومة بين احياء غربية تحت سيطرة القوات النظامية السورية وشرقية تحت سيطرة فصائل المعارضة، بدء العمل باتفاق وقف الاعمال القتالية بارتياح، فخرج الاطفال الى الشارع، بعدما سجنوا طويلًا في ملاجئ تحت الارض وداخل المنازل، وقصدت العائلات المنتزهات.

إدعاءات زائفة
لكن الهدوء، الذي شهدته المدينة لم يستمر طويلاً. وقد شهدت اعمال العنف تصعيدًا متزايدًا، وصل خلال الايام الاخيرة الى تبادل قصف شبه يومي، اوقع اكثر من مئة قتيل بين المدنيين منذ يوم الجمعة، اضافة الى عشرات الجرحى. وتستهدف الطائرات الحربية التابعة لقوات النظام الاحياء الشرقية، فترد الاخيرة بقصف الاحياء الغربية بالقذائف.

يضيف ابو محمد، وهو من سكان حي الكلاسة في الجزء الشرقي، "ربما الهدنة مستمرة بين اميركا وروسيا، ولكن ليس بين المعارضة والنظام". يقول مدير "هيئة الطبابة الشرعية" في الاحياء الشرقية محمد كحيل: "روسيا واميركا والمجتمع الدولي يعتبرون أن الهدنة ما زالت سارية، وهذا الامر مخالف للواقع". ويضيف: "يسقط قتلى بشكل يومي نتيجة القصف بالطيران الحربي والقذائف المدفعية والصواريخ، وغالبيتهم من المدنيين". ويتساءل: "أين هي الهدنة؟".

ويجزم محمد سندة (27 عامًا) الذي يعمل في مقهى للانترنت ان "المجازر الاخيرة خلال الايام الماضية تؤكد أن الهدنة انهارت بشكل كامل.. والغريب أن المجتمع الدولي لا يزال مصرًّا على وجودها".

وبحسب مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن، فإن الهدنة لا تزال عمليًا صامدة في عشرين في المئة فقط من المناطق المشمولة بالاتفاق، بعد خرقها بشدة في حلب بالدرجة الاولى وريف اللاذقية (غرب) بالدرجة الثانية، اضافة الى مناطق اخرى في وسط البلاد وريف دمشق.

يستثني الاتفاق الذي توصلت اليه موسكو وواشنطن تنظيم الدولة الاسلامية وجبهة النصرة. ويشمل عمليًا الجزء الاكبر من ريف دمشق، ومحافظة درعا جنوبًا، وريف حمص الشمالي وريف حماة الشمالي (وسط)، ومدينة حلب وبعض مناطق ريفها الغربي.

"وهم" موسكو وواشنطن
ويعبّر مسؤولون روس واميركيون وفي الامم المتحدة باستمرار عن "قلق بالغ" نتيجة "الانتهاكات" التي تتعرض لها الهدنة، لكنهم يؤكدون على استمرارها. ودعا الرئيس الاميركي باراك اوباما من مدينة هانوفر الالمانية الاحد، الى اعادة احياء الاتفاق الذي وصفه بـ"الهش".

ويقول المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية مارك تونر لوكالة فرانس برس، "لسنا جاهزين لاعلان وفاة الهدنة"، مضيفًا "نعتقد ان الهدنة خارج حلب لا تزال متماسكة". ويتابع "نعترف أن هناك حوادث متعددة في مدينة حلب ومحيطها تثير قلقنا، ولذلك نسعى الى التنسيق مع الروس ومع اعضاء آخرين من المجموعة الدولية لدعم سوريا، كما نحاول ابلاغ الاطراف المعنية بأن عليها ان توقف ذلك". ويرى الروس بدورهم ان اتفاق وقف اطلاق النار لا يزال متماسكًا في غالبية المحافظات السورية.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا الاربعاء إن "الوضع على الارض كما المسار السياسي يثيران القلق الشديد"، مضيفة أن "وقف اطلاق النار لا يزال متماسكًا، لكنه يواجه تحديات بشكل شبه يومي". ويرى محللون انه لا يمكن لموسكو وواشنطن نعي اتفاق توصلتا اليه قبل شهرين.

ويقول الخبير في الشؤون السورية توما بييريه من جامعة ادنبره، انه لا يمكن للولايات المتحدة وروسيا اعلان نهاية الهدنة لكونهما الدولتين الراعيتين لها، وتريدان استمرارها، لذا فهما تحافظان على "الوهم بأن الهدنة لا تزال سارية".

ويضيف: "الاميركيون يجارون الرواية الروسية بأنه ما من خرق لوقف اطلاق النار، باعتبار انه يتم استهداف جبهة النصرة غير المشمولة بالهدنة". وبحسب بييريه، يحاول الاميركيون بشدة الحفاظ على العملية السياسية، وهم "مستعدون لانكار حقيقة انهيار وقف اطلاق النار" من اجل ذلك.

كلمة مستفزة
يتزامن تصعيد العنف في المدينة ومحيطها مع جولة مفاوضات سلام حول سوريا تنتهي اليوم في جنيف. ودفع تدهور الوضعين الميداني والانساني وفد الهيئة العليا للمفاوضات الممثلة لاطياف واسعة من المعارضة السورية، الى تعليق مشاركتها احتجاجًا.

واعتبر المنسق العام للهيئة رياض حجاب في بيان اليوم أن "الخروقات الخطيرة للنظام وحلفائه للهدنة، تؤكد سعيهم الى إفشال العملية السياسية والتهرب من استحقاقاتها"، متهمًا النظام وحلفاءه بارتكاب "عدد من المجازر المروعة في الأيام الماضية" في مدينة حلب.

في الاحياء الغربية لحلب، يرد سعد عليا (27 عامًا) بغضب لدى سؤاله عن الهدنة، "هدنة؟، انها كلمة مستفزة لسكان حلب، لانهم لم يتذوقوا طعمها، ولا أعتقد أن أحدًا من المتصارعين في حلب يريدها. الجميع قتلة، والجميع يقتلنا".

ويتساءل الشاب، الذي يعمل سائق اجرة، بانفعال، "ما قيمة الهدنة إذا كان القصف يوميًا على مناطقنا، وسيارات الإسعاف لا تهدأ؟"، مضيفًا: "اذا كانت هذه هي الهدنة، فنرجوكم أن تعيدونا الى الحرب".