طرابلس: بعد نحو عام على سقوطها في ايدي تنظيم الدولة الاسلامية، تعيش مدينة سرت الليبية في اجواء من "الرعب" في ظل فرض التنظيم الجهادي قوانين صارمة فيها وقيامه باعدام عشرات الاشخاص بتهم مختلفة، بحسب ما يروي سكانها.

وفي تقرير نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الاربعاء، تحدث نازحون من هذه المدينة المتوسطية عن التهديدات التي يتعرضون لها بشكل يومي منذ سيطرة التنظيم المتطرف على سرت، مسقط راس معمر القذافي في يونيو 2015.

وقالت احلام (30 عاما) التي جاءت الى مدينة مصراتة على بعد 200 كلم شرق طرابلس للعلاج من طارئ صحي قبل ان تعود الى مدينتها، "الحياة في سرت لا تطاق. الجميع يعيشون في رعب. إنهم يقتلون الأبرياء، ولا توجد متاجر ولا مستشفيات ولا أطباء ولا ممرضون ولا دواء".

وتابعت "يوجد جواسيس في كل الشوارع. اغلب الناس غادروا ولكننا عالقون. ليس لدينا ما يكفي من المال لنغادر".

بقيت مدينة سرت معقلا للقذافي لاربعة عقود، لكنها، وفي غضون اشهر قليلة، تحولت الى ملاذ لتنظيم الدولة الاسلامية على بعد 300 كلم فقط من اوروبا التي تخشى من وصول التهديد الجهادي اليها.

واصبحت سرت منذ ان سيطر عليها تنظيم الدولة الاسلامية بالكامل بعد ستة اشهر من اعلانه وجود خلايا له فيها، الى قاعدة خلفية له، يدرب فيها المقاتلين الليبيين والاجانب. ومع الضربات المستمرة التي يتلقاها في سوريا والعراق، باتت سرت التي تضم مطارا وميناء محطة رئيسية لاستقطاب المتشددين وارسالهم لتنفيذ عمليات في الخارج.

وفي المدينة الواقعة على بعد 450 كلم شرق العاصمة طرابلس، تقطع الايادي ويعدم الناس بشكل علني ويسود الرعب. وفي شوارعها الرئيسية، تنتشر اعلام التنظيم الجهادي، بحسب ما يؤكد شهود عيان لوكالة فرانس برس.

وتجوب سيارات التنظيم شوارع سرت من الصباح وحتى المساء، ويراقب عناصره حركة المارة واصحاب المحلات، ويفرضون على السكان اداء الصلاة في مواعيدها، ويتاكدون من عدم خروج النساء من منازلهن الا برفقة رجل.

جثث وخطف

وتحدث سكان سرت في تقرير هيومن رايتس ووتش عن "مشاهد" مرعبة مثل قطع الرؤوس في الشارع، ومشاهدة جثث في ملابس برتقالية صلبت على مراى من الناس، وخطف الرجال من منازلهم ليلا على ايدي مسلحين ملثمين.

وقال السكان ان "شرطة الآداب" التي يطلق عليها التنظيم اسم "الحسبة" تقوم بتهديد الرجال "وتفرض عليهم الغرامات وتجلدهم بسبب التدخين والاستماع للموسيقى او لانهم لم يفرضوا على زوجاتهم واخواتهم لبس عباءات فضفاضة".

كما تقود الشرطة الرجال والاطفال في سرت الى المساجد للصلاة والتعليم الديني الاجباري، بحسب ما افاد السكان.

ووثقت المنظمة الحقوقية عمليات اعدام بحق 49 شخصا في سرت منذ دخول التنظيم اليها في شباط/فبراير 2015. وقالت ان عمليات الاعدام هذه شملت "قطع الاعناق والرمي بالرصاص"، مضيفة ان بين من اعدموا مقاتلين اسرى ومعارضين سياسيين "واناسا اتهمهم داعش بالتجسس والسحر والشعوذة واهانة الذات الالهية".

ورات هيومن رايتس ووتش ان الاعدامات التي نفذها التنظيم في سرت تشكل "جريمة حرب (...) قد ترقى الى جرائم ضد الإنسانية"، معتبرة انه "في الوقت الذي يتركز فيه انتباه العالم على الفظائع في سوريا والعراق، تنجو داعش بجرائمها في ليبيا".

سيطر تنظيم الدولة الاسلامية على هذه المدينة مستغلا الفوضى الامنية في بلاد تشهد صراعا على الحكم منذ نحو عامين. ويسعى التنظيم الجهادي الذي تضم ضفوفه نحو خمسة الاف مقاتل في ليبيا، الى التوسع شرق وغرب سرت.

وتخوض قوات موالية لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس معارك مع التنظيم غرب سرت، تمهيدا للتقدم نحو معاقله في المدينة، بحسب ما اعلنت الحكومة التي طلبت شراء طائرات وتدريب طيارين بعدما عبرت الدول الكبرى الداعمة لها عن استعدادها لتسليحها في مؤتمر دولي في فيينا الاثنين.

والثلاثاء اعلنت قوات حكومة الوفاق انها استعادت السيطرة على منطقة ابو قرين الاستراتيجية شرق طرابلس بعد معارك مع تنظيم الدولة الاسلامية. وتبعد ابو قرين حوالى 130 كلم غرب مدينة سرت، وعلى بعد نحو مئة كلم جنوب مدينة مصراتة، مركز القوات الموالية لحكومة الوفاق.

ونجح تنظيم الدولة الاسلامية الاسبوع الماضي في السيطرة على منطقة ابو قرين بعد معارك مع القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني.

وتخضع القوات العسكرية في الغرب الليبي الى سلطة حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الامم المتحدة، بينما يقود الفريق اول ركن خليفة حفتر مدعوما من البرلمان، القوات في الشرق والموالية لحكومة لم يعد يعترف بها المجتمع الدولي.

وتتسابق السلطتان الليبيتان في الشرق والغرب على خوض معركة تحرير مدينة سرت بشكل منفرد، واعلنت كل منهما قرب حلول "ساعة الصفر".