أقرت حركة النهضة الاسلامية في تونس الاحد، خلال مؤتمرها العاشر، الفصل بين نشاطاتها الدينية والسياسية، بهدف التأقلم مع التطورات الجارية في هذا البلد الذي لا يزال بمنأى عن النزاعات الدامية التي ضربت بقية دول الربيع العربي.
 
وقال راشد الغنوشي، رئيس النهضة والزعيم التاريخي للقوة الاولى في البرلمان، "نتجه بشكل جدي وتم تبني ذلك اليوم باتجاه حزب سياسي وطني مدني ذي مرجعية اسلامية ويعمل في إطار دستور البلاد ويستوحي مبادئه من قيم الاسلام والحداثة".
 
واصبح هذا التحول رسميًا بعد اعتماده من المؤتمر العاشر للحركة المنعقد في منتجع الحمامات السياحي جنوب العاصمة التونسية.
 
وقدم مسؤولو النهضة هذا التحول باعتباره نتيجة تجربة الحكم ومرور تونس من الاستبداد الى الديمقراطية اثر ثورة 2011.
 
واضاف الغنوشي الذي يتوقع أن يعاد انتخابه رئيسًا للحركة، "أن دستور البلاد نص على استقلالية منظمات المجتمع المدني عن الاحزاب. ونحن اذن نستجيب لتطور داخلي في البلاد".
 
وبعد ان كانت حركة النهضة عرضة لقمع شديد خلال حكم زين العابدين بن علي، خرجت منتصرة من اول انتخابات ديموقراطية جرت بعد ثورة عام 2011. لكنها وبعد أن امضت سنتين في غاية الصعوبة في الحكم قررت التنحي وسط ازمة سياسية خانقة ضربت البلاد.
 
ونهاية العام 2014 جرت الانتخابات التشريعية وحلت النهضة ثانية بعد حزب نداء تونس بقيادة الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي. لكنها تبقى حزبًا مؤثرًا في البلاد والسياسة التونسية رغم أن قرار الدخول في ائتلاف حكومي مع حزب نداء تونس اثار جدلاً داخلها.
 
البناء
 
وقال رفيق عبد السلام، وزير الخارجية السابق وصهر الغنوشي، لوكالة فرانس برس، "لم تعد هناك حاجة للاسلام السياسي الاحتجاجي في مواجهة الدولة، نحن الان في مرحلة البناء والتأسيس، نحن حزب وطني يعتمد المرجعية الاسلامية ويتجه الى تقديم اجابات اساسية على مشاغل واهتمامات التونسيين في الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية".
 
ويتلاءم هذا التغيير في مسار حركة النهضة مع اقتناعات غالبية الشعب التونسي، اذ افاد استطلاع أخير للرأي أن 73% منهم يؤيدون "الفصل بين الدين والسياسة". واجرت مؤسسة سيغما التونسية هذا الاستطلاع بالتعاون مع المرصد العربي للديانات والحريات ومؤسسة كونراد اديناور.
 
وتتابع بقية الاحزاب السياسية في تونس مع وسائل الاعلام باهتمام شديد هذا التحول، وتتساءل عن مداه الفعلي وتأثيره السياسي في البلاد.
 
وتساءلت صحيفة "لابرس" في عددها الاحد، "هل تريد حركة النهضة دمقرطة الاسلام أو اسلمة الديموقراطية؟".
 
وقالت بشرى بلحاج حميدة البرلمانية التي استقالت من حزب نداء تونس خصوصًا بسبب نقص "الوضوح" في العلاقة مع النهضة، انها تنتظر اثباتات على هذا التغيير المعلن.
 
واضافت: "في مستوى التصريحات هذا مطمئن لكنه غير كافٍ. يجب ان يثبت هذا الحزب ذلك في خطابه السياسي اليومي وفي علاقاته مع الجمعيات".
 
توافق
 
وناقش المشاركون الـ1200 في المؤتمر حتى ساعة متأخرة من ليل السبت والاحد، الاولويات الواجب اعتمادها في اطار استراتيجية الحركة للتحرك في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
 
وقال المتحدث باسم المؤتمر اسامة صغير لوكالة فرانس برس، انه تم التصويت بنسبة 80% على الفصل بين الدعوي والسياسي.
 
كما تم تبني النظام الداخلي آخر نهار الاحد، بحسب ما قالت النائبة سيدة الونيسي.
 
ولا يزال يتعين على المؤتمر انتخاب رئيس الحركة وقسم من مجلس الشورى اعلى هيئة فيه. وترشح ثمانية من وجوه الحركة لمنصب الرئيس "في انتظار حصول انسحابات"، بحسب القيادي في الحزب عبد الكريم الهاروني.
 
وبين الاسماء المترشحة للرئاسة راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو، وهما مؤسسا النهضة، وايضًا عبد الحميد الجلاصي نائب رئيس الحركة.
 
وكان مؤتمر الحركة افتتح الجمعة في ضواحي مدينة تونس بحضور آلاف الاشخاص، وبينهم رئيس البلاد قائد السبسي، مع العلم بأن الاخير وحزبه نداء تونس كانا شنا حملة شعواء على الحركة الاسلامية التي كانا يصفانها بالظلامية ويتهمانها بالتعاطف مع الاسلام الجهادي عندما كانت في السلطة.
 
ويتعمد الغنوشي وقائد السبسي اظهار تقاربهما، ما يثير حساسية قسم من جمهوريهما.
 
وقال رئيس البلاد في كلمته: "نأمل بأن تتوصلوا خلال اعمالكم الى التأكيد أن النهضة باتت حزبًا مدنيًا تونسيًا شكلاً ومضمونًا".