سأل موقع "إيلاف المغرب" متصفحيه وزواره، إن كانوا يعتقدون أن مشروع الربط القاري بين أفريقيا وأوروبا انطلاقًا من ساحل مدينة طنجة المغربية في اتجاه طريفة أقرب المدن الإسبانية ؛ يمكن أن يتحقق خلال السنوات أو العقود المقبلة، خاصة وأن البلدين المعنيين إسبانيا والمغرب مهتمان به، وأنجزا عددًا من الدراسات التقنية التمهيدية المشتركة منذ سنة 1989، حيث استقر رأي &المهندسين والفنيين المغاربة والأسبان على اختيارين، لكل منهما مزايا وتبعات راجعة بالأساس إلى الكلفة المالية للمشروع.
إيلاف متابعة - المغرب: ترك الخبراء والمتخصصون لسلطات البلدين الاختيار بين النفق البحري على غرار "المانش" أو الجسر الجوي المعلق فوق البحر. وانتهت الأبحاث المستمرة إلى تفضيل جسر جوي، بعد اكتشاف صعوبات طبيعية في أعماق البحر.
ساد الاعتقاد في وقت ربما كان البلدان تخليا فيه عن المشروع، ليس بالنظر إلى كلفته المالية العالية فقط، وإنما أيضًا بسبب التوترات الموسمية التي تطرأ على علاقات الرباط ومدريد؛ على الرغم من أنهما يؤكدان في كل مناسبة على أهمية المشروع، من خلال الإشارة إليه والتذكير به، في البيانات المشتركة التي تصدر عقب زيارات متبادلة رفيعة المستوى.
كدليل على استمرار هذا التوجه، عيّن المغرب في المدة الأخيرة مهندسًا له خبرة مشهود بها في مجال الإنشاءات الكبرى، مديرًا لمكتب الربط القاري لمواصلة الدراسات الهندسية وتحيينها على ضوء آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا الصناعية المتقدمة والثورة الحاصلة بخصوص الأشكال والتصاميم الهندسية التي باتت تجمع بين الصلابة والجمال، خاصة وأن المشروع حفّز خيال عدد من المهندسين العالميين، وقدموا اقتراحات أولية تجمع بين الصلابة والمنظر الآخاذ لأطول جسر بحري في العالم.
وتشير نتيجة تصويت المغاربة على السؤال الذي طرحته عليهم "إيلاف المغرب" إلى أنهم لم يتخلوا من جانبهم عن التعلق بالأمل في ربط بلادهم بأوروبا بالتحليق فوق البحر، وأنهم موقنون من أن المشروع سيتحقق، آجلًا أو عاجلًا، بفضل إرادة وطموح البلدين لما سيجلبه من فوائد إليهما، باعتبارهما نقطتي انطلاق وعبور في الاتجاهين القاريين.
لاحظت "إيلاف المغرب" من خلال تتبع وتيرة التصويت أن نسبة المجيبين بـ"نعم" بلغت 63.64 في المائة، و31.82 صوّتوا بـ" لا"، في حين استقر تصويت الفئة التي لا تدري عند 4.55 في المائة. نلاحظ هنا انتصار الحلم والأمل على الصعوبات الطبيعية &والمالية، كما يحدث دائمًا بخصوص المشاريع المماثلة (قناة السويس مثلًا).
كيف يمكن قراءة نتيجة الاستطلاع وتأويلها؟. الملاحظة الأولى التي يمكن وصفها بكونها ذات بعد نفسي، تبيّن أن المغاربة منفتحون على الخارج، يطمحون إلى ربط بلادهم بالعالم الأوروبي المتقدم بأية وسيلة متاحة؛ ويرون في التكامل والشراكة مع الخارج مستقبلًا زاهرًا للجميع؛ فالقارة العجوز مهددة بالشيخوخة، والاحتياط البشري قريب منها في المغرب متى احتاجته، لتلبية متطلبات صناعاتها المتنوعة التي ستزدهر حتمًا إن توافرت لها السواعد الشابة القوية والمواد الأولية التي ستصلها من أفريقيا بكلفة أقل، فضلًا عن أن أوروبا يمكن أن تنقل بعض معاملها إلى دول أفريقيا، إن شاءت ذلك، بفضل سبل المواصلات البرية ذات الكلفة المعقولة والأسرع، مقارنة مع النقل البحري. وهم شاعرون، رغم جاذبية المشروع، بأنه مكلف جدًا، فالتقديرات القصوى تذهب إلى مبلغ 1 مليار يورو، ويوجد ما هو أقل منها، علمًا أن تطور هندسة البحار تفصح بين وقت وآخر عن احتمالات أقل كلفة.
هذا العامل النفسي وما يصاحبه من حماسة وتفاؤل شعبي، هو داعم قوي للمشاريع العملاقة. ورغم ارتفاع &حجم التمويل الذي تتطلبه، فإنها على المدى المتوسط مضمونة المردود، وإن تطلبت تضحيات مالية كبيرة، خاصة وأن الاقتصاد العالمي، يتجه نحو إلغاء الحدود والقيود وتقليص المسافات، تماشيًا مع ثقافة العولمة التي باتت دول مثل الصين الشعبية ذات الاقتصاد الموجه، تدافع عنها، بل تخشى من تراجع الإدارة الأميركية الجديدة عنها، في حالة ما إذا أصر ساكن البيت الأبيض الجديد دونالد ترامب على فرض إجراءات الحماية الاقتصادية، ما من شأنه، حسب خبراء اقتصاديين، أن يلحق ضررًا جسيمًا بالاقتصاديات الناشئة، بل قد يؤدي إلى اندلاع حرب اقتصادية شرسة بين الدول، يمكن أن تتطور إلى نزاعات تقليدية.
هذا الاحتمال السيئ حذر منه صندوق النقد الدولي في آخر تقرير له نشره عن وضعية الاقتصاد العالمي. تزامن طرح سؤال "إيلاف المغرب" مع اهتمام المغاربة بمشروع ربط &بين الدول أضخم من الأول، سيمكن إن تحقق من وصل شرايين الطاقة بين أوروبا وأفريقيا، على أن تكون دولة نيجيريا الغنية بالنفط والغاز نقطة الانطلاق للتصدير، عبر قنوات وأنابيب تمر فوق أراضي 11 دولة أفريقية، حسب التوقعات الأولية، ينتهي المطاف الأفريقي في المغرب، ومنه يستأنف الربط مجددًا مع أوروبا.
ويعرف المسؤولون المغاربة سواء بخصوص المشروع الأول، أو الثاني، أن تمويلهما يفوق إمكانيات الدول المعنية مباشرة، بل لا بد من الجهود المالية الدولية العمومية والخاصة، في شكل قروض طويلة الأمد ضعيفة الفوائد، وهذا لن يتحقق إلا إذا انخرطت &مؤسسات التمويل الكبرى في المشروعين، وخاصة الأول، لإقناع المتشككين بالانعكاسات المهمة على دورة الاقتصاد العالمي في المستقبل. وهذا ما تنبهت إليه الأمم المتحدة &قبل سنوات بشأن الربط القاري عبر جبل طارق.
هناك عامل آخر يشرح حماسة المغاربة لمشروع الربط القاري الأول بين أوروبا وأفريقيا، والذي تبلورت كل ملامحه الهندسية، حيث تم استكشاف الصعوبات والاحتمالات الطبيعية والبيئية كافة فوق وتحت البحر.
ما يفسر تفاؤل المغاربة، وهي عينة رمزية، هو ثقتهم في بلادهم وعاهلها، فهو الذي أطلق مشاريع خيالية مكلفة فوق طاقة البلاد، لكنه مضى فيها بإصرار، بل تحقق بعضها بنجاح، مثل مشروع القطار فائق السرعة، الذي سيربط مدينة طنجة، حيث المرفأ المتوسطي الكبير، بينما ستكون المحطة النهائية الأولى في مدينة الدار البيضاء في انتظار مده نحو مراكش.
في هذا السياق، يعتبر ميناء المتوسط والربط السككي الفائق السرعة، مقدمتين للمشروع العملاق الذي سيختزل مسافة السفر من طنجة إلى مدريد إلى أربع ساعات.
تجدر الإشارة إلى نقطة مهمة، ربما تكون السبب وراء تردد الجانب الإسباني تحت ذرائع شتى، بينها الكلفة المالية، تتمثل في العقلية الاستعمارية التي ما زالت متحكمة في بعض الأذهان، التي تتخيل أن إقامة ربط قاري بين البلدين عبر جبل طارق، ستفقد مدينة سبتة المحتلة أية قيمة تجارية أو عسكرية، بل ستضعف حركتها الاقتصادية، وهذا صحيح، إلى درجة الصفر، فتصبح عبئًا ثقيلًا على إسبانيا أكثر مما مضى.
& &
&
التعليقات