أثار قرار الولايات المتحدة تقليص المساعدات المقدمة إلى مصر، الكثير من الغضب في الأوساط السياسية، واعتبرته وزارة الخارجية المصرية مؤشرًا على سوء تقدير لطبيعة العلاقات بين البلدين. وتبلغ قيمة الاستقطاعات نحو 290 مليون دولار. واتهم دبلوماسيون لوبي المنظمات الدولية وجماعة الإخوان بالوقوف وراء حملات لتشويه صورة مصر في مجال حقوق الإنسان، والتسبب في تقليص المساعدات.

فيما يؤشر على بدء مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين، قررت الولايات المتحدة الأميركية، تقليص المساعدات الاقتصادية المقدمة لمصر، وأعربت وزارة الخارجية المصرية عن "أسفها لقرار الولايات المتحدة الأميركية تخفيض بعض المبالغ المخصصة في إطار برنامج المساعدات الأميركية لمصر سواء من خلال التخفيض المباشر لبعض مكونات الشق الاقتصادي من البرنامج أو تأجيل صرف بعض مكونات الشق العسكري".

وفيما لم تصرح وزارة الخارجية المصرية بقيمة التخفيض، حصلت "إيلاف" على معلومات من مصادر دبلوماسية، تشير إلى أن أميركا خفضت المساعدات بنحو 291 مليون دولار، وسيتم استقطاع نحو 96 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية المباشرة، وتأجيل صرف 195 مليون دولار آخرين، بحجة عدم احراز تقدم في ملف حقوق الإنسان، واستمرار التضييق على منظمات المجتمع المدني والمنظمات الأميركية في مصر.

واعتبرت مصر، في بيان صادر عن الخارجية، اليوم الأربعاء، أن هذا الإجراء يعكس سوء تقدير لطبيعة العلاقة الاستراتيجية التي تربط البلدين على مدار عقود طويلة، واتباع نهج يفتقر للفهم الدقيق لأهمية دعم استقرار مصر ونجاح تجربتها وحجم وطبيعة التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجه الشعب المصري وخلط للأوراق بشكل قد تكون له تداعياته السلبية على تحقيق المصالح المشتركة المصرية الأميركية.

وأضافت وزارة الخارجية: "وإذ تقدر جمهورية مصر العربية أهمية الخطوة التي تم اتخاذها بالتصديق على الإطار العام لبرنامج المساعدات لعام ٢٠١٧، فإنها تتطلع لتعامل الإدارة الأميركية مع البرنامج من منطلق الإدراك الكامل والتقدير للأهمية الحيوية التي يمثلها البرنامج لتحقيق مصالح الدولتين والحفاظ على قوة العلاقة في ما بينهما، والتي تأسست دوما على المبادئ المستقرة في العلاقات الدولية والاحترام المتبادل".

وأثار القرار ردود فعل غاضبة في مصر، وقال السفير مصطفى عبد العزيز، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن القرار جاء ضمن خطة أميركا لتخفيض برنامج المساعدات الخارجية لمجموعة الدول، ومنها مصر وتونس ولبنان، مشيرًا إلى أن التخفيض وصل إلى ما يتراوح بين 50 و80 بالمائة من المساعدات المقدمة لبعض البلدان.

وأضاف لـ"إيلاف" أن توقيت القرار ليس موفقًا، ويؤشر على سوء فهم الإدارة الأميركية لطبيعة المرحلة التي تمر بها مصر، وهي مرحلة الإصلاحات الاقتصادية، وفي الوقت نفسه استمرارها في الحرب ضد الإرهاب.

ولفت إلى أن القرار لم يأخذ في الاعتبار هذه الظروف، ولم يراعِ طبيعة العلاقة الاستراتيجية بين مصر وأميركا، التي شهدت تطورًا وتحسنًا ملحوظًا مع قدوم إدارة الرئيس دونالد ترمب.

وتوقع أن تجري مصر اتصالات مع البيت الأبيض، لتتم مراجعة هذا القرار، حتى لا يؤثر على العلاقات وينقلها إلى مرحلة جديدة من التوتر، الذي كان سائدًا في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.

بينما قال السفير محمود عمران، مساعد الوزير الخارجية الأسبق، إن هناك لوبيا من منظمات دولية يقود حملة ضد مصر، مشيرًا إلى أنه يضم قيادات بجماعة الإخوان إلى جانب ممثلين لإسرائيل، ويهدف إلى الإضرار بمصالح مصر.

واتهم عمر هذا اللوبي بالتسبب في توتر العلاقات مع أميركا في عهد أوباما، والسعي إلى تخفيض المساعدات وتوتر العلاقات مع إدارة الرئيس ترمب.

وأضاف لـ"إيلاف" أن هذه المنظمات لديها صورة مشوهة عن مصر، لافتاً إلى أن فروع تلك المنظمات في الداخل، بالإضافة إلى المنظمات المحلية المرتبطة بها، هم من ينقلون تلك الصورة المغلوطة للخارج.

وذكر أن منظمة هيومن رايتس ووتش، تقود هذا اللوبي، وسبق أن طالبت الكونغرس الأميركي عدة مرات بقطع المساعدات عن مصر، بسبب ما تعتبره سوء ملف حقوق الإنسان، والتضييق على منظمات المجتمع المدني.

وأشار إلى أن جماعة الإخوان المسلمين لديها اتصالات مع هذه المنظمات، كما أن لديها أذرعا تزعم أنها تعمل في الدفاع عن حقوق الإنسان، لكنها تعمل على تشويه صورة مصر في الخارج.

بينما كشف مدير صندوق المشروعات المصري الأميركي، جيمس هارمون، أن الصندوق يسعى إلى تخفيف آثار تقليص المساعدات الأميركية لمصر.

وأوضح في مقالة بصحيفة "ذا هيل" الأميركية، أن "الصندوق التابع للإدارة الأميركية يدعم التنمية الاقتصادية في مصر، من خلال ضخ استثمارات في القطاع الخاص، منوهًا بأن الصندوق يعد نموذحاً للاستثمارات الذكية التي تخدم مصالح الولايات المتحدة ولا تكلف دافعي الضرائب شيئاً.

وذكر أن الصندوق يستخدم التمويل الأولي، الذي يتم الحصول عليه من الإدارة الأميركية لدعم عملية التنمية الاقتصادية من خلال ضخ استثمارات في القطاعات الخاصة لدى دول الاقتصادات النامية، ويتضاعف تأثير تلك الاستثمارات من خلال الاستفادة من التمويل الحكومي الأميركي في جذب المزيد من الاستثمارات من القطاع الخاص إلى تلك الاقتصادات النامية، وهذه الاستثمارات مجتمعة تسهم في تحقيق أهداف التنمية الأميركية، وتحقيق عوائد إيجابية تعود للإدارة الأميركية، وهو ما يعني أن تلك الصناديق مزدوجة المنفعة، مشيرًا إلى أنها تعزز التنمية في القطاع الخاص المصري من ناحية، وتخلق فرص عمل وتحسن جودة الحياة للمصريين، كما يحقق عوائد مالية للإدارة المالية من ناحية أخرى.

ولفت إلى أن الصندوق نجح خلال العامين الماضيين في توفير 500 فرصة عمل، موضحاً أن هذا الرقم سيزيد بالطبع مع زيادة الاستثمارات وتوسعها من خلال الوصول إلى المناطق النائية من البلاد.

ونبّه إلى أن الصندوق الذي بدأ نشاطه منذ عامين استثمر 98 مليون دولار في مصر حتى الآن، وجذب استثمارات أجنبية بقيمة 110 ملايين دولار ويستعد لمواصلة التوسع في نشاطــه بعــد تنفيذ القاهرة برنامــج الإصــلاح الاقتصادي، مضيفاً أن الصندوق رصد 300 مليون دولار للاستثمار في السوق المصرية، وأوضح أن من بين الشركات التي ضخ الصندوق استثمارات بها، شركة "فوري" للمدفوعات الإلكترونية بقيمة 20 مليون دولار، وشركة "ثروة كابيتال" 56.1 مليوناً، و"سمارت كير" 1.2 مليون.

وكانت منظمات أميركية مارست ضغوطًا قوية على وزارة الخارجية من أجل تعليق المساعدات المقدمة لمصر، احتجاجاً على تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي على قانون منظمات المجتمع المدني، والذي تعتبره يمارس تضييقًا شديدًا على عمل المنظمات في مصر.

 وحثت منظمة "هيومان رايتس فيرست" الأميركية، وزير الخارجية الأميركية، ريكس تيلرسون، على تعليق المساعدات العسكرية التي تقدمها واشنطن لمصر، إلى أن تفي القاهرة بشروط صيانة حقوق الإنسان. وطالبت المنظمة الكونغرس الأميركي بربط زيادة المساعدات والتمويل العسكري لمصر في اعتمادات 2018، بالوفاء بشروط حماية حقوق الإنسان.