مع استمرار حالة الفوضى والضعف العربي، يعود الحديث عن دور الجامعة العربية حاضرًا ومستقبلًا، لاسيما في ظل اضمحلال وتلاشي المنظمة، وغياب دورها في معالجة القضايا التي تموج بها المنطقة.

إيلاف من القاهرة: يرى خبراء سياسيون ودبلوماسيون أن هناك ترجعًا في دور الجامعة في التعاطي مع الأزمات المصيرية التي تهدد وجود بعض الدول العربية.

لا صوت للشعوب
حسب المراقبين للمشهد العربي، فإن الجامعة العربية في حالة غياب تام عن القضايا المصيرية، ولا يسمع لها صوت في حالة الفوضى التي تعمّ غالبية البلدان. ويتوقع الخبراء السياسيون أن يستمر الوضع كما هو عليه، ولا يبدون أي تفاؤل بشأن حصول التحسن.

ووفقًا لدراسة حديثة صادرة من المركز الديمقراطي العربي، فإن "الجامعة العربية عندما تأسست عام 1945 م كانت تعبّر عن إرادات القادة والحكومات العربية، ولم تكن تعبيرًا عن الشعوب العربية بأي حال من الأحوال، كما إن الميثاق أيضًا بحاجة إلى إعادة صياغة وتعديل".

أضافت الدراسة أن "الدول العربية لم تأخذ يومًا قضايا التضامن والتكامل العربي المشترك بالأهمية المطلوبة لمعالجة تلك القضايا"، مشيرة إلى أنه "بات من الضرورة السعي إلى إصلاح جامعة الدول العربية لتكرّس النهج الديمقراطي والحفاظ على حقوق الإنسان في العمل العربي المشترك، وتكون قاطرةً للدول العربية لإرساء الإصلاحات السياسية والديمقرطية والدستورية في داخل كل دولة عربية، وجعلها أكثر التزامًا بمشروعات التكامل الاقتصادي والأمني والدفاعي العربي، لتواكب التغيرات السياسية العربية الراهنة، لكن هذه المشروعات ستأتي على المدى الطويل، وليس القريب".

برهن الاستقرار
وتتوقع الدراسة أن "تبقى جامعة الدول العربية كما هي بوضعها القائم، خصوصًا أن ما يحدث الآن في النظام العربي غير مستقر وغير واضح، لأن أمر إصلاح جامعة الدول العربية مرهون بالاستقرار العربي الداخلي".

وقال السفير المفوض في الجامعة، محمد ناجي أحمد: "المشكلة في جامعة الدول العربية تكمن في الإرادة السياسية للدول الأعضاء التي تمنعها من التطبيق، وبالتالي حتى يصادقون على بعض القرارت، يصادقون عليها فقط على سبيل المماراة، وعلى سبيل المجاملة، لكن عندما يأتون إلى بيوتهم لا يطبقونها، خصوصًا تجاه القضايا العربية المهمة، إضافة إلى التعاون في إطارها سيكون محدودًا، هذا سيبقي الحال القائمة موجودة".

أضاف إن "جامعة الدول العربية نشأت على أساس التوافق السياسي والرضا العام، نتيجة التوازنات والرغبة في إرضاء جميع الأطرف، فقيامها ارتكز إلى مفهوم الرضى العام، مثل عنصر قوة وعنصر ضعف في الممارسة، عنصر قوة لأنه حافظ على تماسك النظام ومرونته، وعنصر ضعف، لأن الدول الأعضاء أعطت حق الاعتراض لكل دولة عربية، ولم تتمكن من العمل إلا في المجالات التي يتحقق فيها الإجماع القانوني أو التوافق السياسي، معنى ذلك أن جامعة الدول العربية التي يفترض أنها تهدف إلى توثيق العلاقات بين دول تنتمي إلى نظام قومي جاء ميثاقها قطريًا خالصًا، إذ لا يلحظ أي وزن للمنطق القومي إلى جانب منطق الدولة ، ولو في حيز ضيق".

فقدان ثقة
استطرد: "أما مستقبل جامعة الدول العربية فسيكون مرتبطًا بالواقع الراهن، وبالتالي لربما تشهد الجامعة العربية اضطرابات أو تغيرات كبيرة، فالواقع مليئ بالصعاب والأزمات، لكن الجامعة ستبقى تعاني من مسألة عدم الثقة بين الدول الأعضاء".

ويمكن القول ، حسب أحمد الرشيد، المحلل السياسي، إن جامعة الدول العربية بوضعها الراهن تعيد إلى الأذهان تجربة عصبة الأمم، فإذا كانت الحرب العالمية الثانية قد عصف بهذه التجربة بعد نحو ربع قرن من قيامة، وتمخضت عن ميلاد منظمة الأمم المتحدة بعدما أخذت في الاعتبار دروس المنظمة السابقة وتجاربها في أن الوضع الراهن في العلاقات العربية يفرض اتخاذ خطوة مماثلة.

تهرب وغياب إرادة
تتمثل المشكلة الأساسية في التهرب العربي من مواجهة الحقيقة التي تقف خلف ضعف العمل العربي المشترك، وهي المتمثلة في غياب الإرادة العربية المشتركة، فجامعة الدول العربية هي في النهاية مرآة تنعكس عليها طبيعة العلاقات العربية والإرادة العربية.

حسب الدراسة، فإن "التدخلات الخارجية والهيمنة الغربية على المنطقة كلها عوامل أضعفت موقفها، وأثرت على قراراتها تجاه أي قضية في المنطقة، وعليه نستنتج أن وضعها المستقبلي سيكون غير فاعل، ولن يكون هناك تغيير في مسارها، بل سيبقى وضعها المستقبلي في المدى القريب على الأقل كما هو عليه الآن".

ولفتت الدراسة إلى أن "أزمة النظام العربي لا تكمن في غياب الإرادة السياسية، وإنما في عدم القدرة على الاحتفاظ لها بقوة دفع تكفل لها الاستمرارية والتأقلم مع أوضاع إقليمية وعالمية متغيرة، فهذه الإرادة لا تتجلى عادة إلا في لحظات بعينها، ثم ما تلبث أن تفقد قوة الدفع اللازمة لإنجاح أي تجربة تكاملية أو إندماجية حقيقية.

ودعت الدراسة إلى "إعادة بناء جامعة الدول العربية وإصلاحها وتطويرها، والتركيز على المواءمة المطلوبة مع معطيات الواقع العربي والدولي".