منبج: في سوق مكتظة في منبج السورية، يتسامر التجار أمام محالهم وينادي بعضهم على الزبائن محاولاً استقطابهم في مشهد يومي روتيني، لا يبدد خشية الغالبية الكردية في المدينة من هجوم تركي محتمل.

ورغم تأكيد أنقرة بعد سيطرتها على مدينة عفرين ذات الغالبية الكردية عزمها توسيع نطاق عملياتها العسكرية لتشمل مدناً أخرى في شمال سوريا بينها منبج، فإن سكانها الذين عانوا من ظلم تنظيم داعش سابقاً، يعولون راهناً على وجود القوات الأميركية لحمايتهم.

في سوق الأحذية في وسط مدينة منبج، يعمل حميد الدملخي (50 عامًا) على آلة خضراء اللون لاصلاح حذاء ممزق. ويقول الرجل ذو الشارب الأسود لوكالة فرانس برس "الجميع خائقون بمن فيهم أنا". 

يضيف وقد اصطبغت أصابعه باللون الأسود "هم طماعون، يريدون هذه البلاد (...) إلى أين يعتقد نفسه أنه ذاهب؟" في إشارة الى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قبل ان يضيف بثقة "هنا يوجد رجال يستطيعون حماية منبج".

ولا تزال مشاهد نهب المحال والمنازل في عفرين تمرّ أمام عيني حميد، الذي يعتبر المقاتلين الموالين لأنقرة "لصوصاً، كما رأيتم فقد سرقوا البلاد (عفرين) كلها". وبعد سيطرة القوات التركية وفصائل سورية موالية لها الأحد الماضي على مدينة عفرين، عمد مقاتلون إلى سرقة المتاجر والمنازل والسيارات وحتى المواشي.

ولطالما شكل تصاعد نفوذ أكراد سوريا خلال سنوات النزاع قلقاً دائماً لأنقرة التي تخشى إقامة حكم ذاتي كردي على حدودها. وأثبت الأكراد فعاليتهم في قتال تنظيم الدولة الإسلامية بدعم أميركي، وتمكنوا من طرده في صيف العام 2016 من مدينة منبج.

وأعلنت أنقرة مراراً أنها لن تكتفي بعفرين، بل تعهدت مراراً بتوسيع نطاق هجومها إلى منبج وكوباني وصولاً إلى القامشلي في أقصى شمال شرق البلاد.

خائفون على أطفالنا
في سوق تعرف باسم "سوق المُغطى" في مدينة منبج، يسير رجال يضعون على رؤوسهم كوفيات حمراء وبيضاء اللون، فيما تخترق دراجات نارية الزحمة وتجد صعوبة في المرور بين بسطات الخضار المنتشرة يمينا ويساراً.

وتتجوّل في ممرات السوق الشعبية نساء يرتدين العباءات، بعضهنّ يمسكن أيدي أولادهنّ أو يحملن أكياساً سوداء اللون مليئة بالمشتريات.

خلال تبضعها، تقول ريم (30 عاماً) "لم نعد نريد أن تكون هناك معارك في منبج، نعيش الآن باستقرار، لكننا خائفون على أطفالنا" مضيفة "لا نريد شيئاً سوى أن يكون أطفالنا بخير وسلام وأن تنتهي هذه الحرب".

توضح الشابة التي تغطي وجهها بنقاب وتمسك يدي طفليها قبل أن تكمل طريقها "تعب أطفالنا من الخوف والطيران والحرب".
ولم تتعاف مدينة منبج بعد من آثار الدمار في شوارعها وأبنيتها، جراء معارك شرسة خاضتها قوات سوريا الديموقراطية المؤلفة من فصائل كردية وعربية بدعم أميركي ضد التنظيم. وانتهت بطرده منها في أغسطس 2016. 

اثر انتهاء المعارك، تمركزت قوات أميركية على أطراف منبج. وفيما لا تزال شعارات التنظيم مكتوبة على بعض الجدران ورايته السوداء مرسومة على جدران بعض الأبنية، رُفعت في "ساحة الشهداء" في المدينة، صور لمقاتلين ومقاتلات عرب وأكراد قضوا في المعارك ضد التنظيم.

تطمينات أميركية
في وسط السوق، يتبادل الصراف علي الصطاف (50 عاماً) أطراف الحديث مع أصدقائه ويناقشون مستقبل مدينتهم. ويقول الرجل الذي ارتدى بزة رمادية اللون لفرانس برس "نحن خائفون على أرزاقنا، لأننا رأينا ماذا فعلوا عندما دخلوا إلى عفرين، أخذوا كل البضاعة حتى الجرارات والسيارات".

ويضيف "الوضع +تعبان+ وفي كل يوم هناك تهديدات بأنهم (القوات التركية) سيأتون إلى منبج وسيأخذونها. لا نعلم متى سنهرب" منها. ولا يخفي هذا الرجل شعوره بالاطمئنان إثر زيارة قام بها وفد أميركي الخميس إلى مدينة منبج، ضم ممثل وزارة الخارجية ومسؤولا في التحالف الدولي.

يوضح "يشعرنا ذلك بأنه لن يسقط أي شيء علينا من الجو (قذائف)، هذا يشعرنا بالراحة، وعدا ذلك هناك خوف". وحمّل الأكراد التحالف الدولي بقيادة واشنطن جزءاً من المسؤولية تجاه خسارة عفرين لعدم تمكنهم من التدخل ومنع الهجوم التركي ضدها.

ولم ينسحب الدعم الأميركي للأكراد على عفرين لعدم وجود تنظيم الدولة الإسلامية فيها، ولطالما أكدت واشنطن أن معركة عفرين أثرت سلباً على الحرب ضد الجهاديين مع انسحاب مقاتلين أكراد للتصدي للهجوم التركي.

وينتشر المئات من قوات التحالف الدولي في مناطق استعادها الأكراد من تنظيم الدولة الإسلامية في شمال وشمال شرق سوريا.
وشملت جولة الوفد الأميركي في منبج زيارة السوق الرئيسة اضافة الى عقد اجتماع مغلق مع مسؤولين في المجلس المدني لمنبج.

وقال الرئيس المشترك للمجلس التنفيذي في منبج ابراهيم القفطان لفرانس برس تعليقا على هدف الزيارة "لن يكون هناك هجوم على منبج وحصلنا على تطمينات من الوفد" في هذا الاتجاه. وأثناء خروجهم من المبنى، سارع أحد الموظفين الى توديعهم قائلا "شرفتونا، نحن في انتظاركم".