بدأت صباح الأحد عملية الاقتراع في مختلف المناطق اللبنانية تمهيدًا لانتخاب برلمان جديد هو الأول منذ نحو عقد، في عملية لا يتوقع أن تغير من طبيعة التوازنات بين القوى التقليدية.

إيلاف من بيروت: فتحت مراكز الاقتراع أبوابها عند السابعة صباحاً (04:00 ت غ) أمام الناخبين البالغ عددهم وفق لوائح الشطب 3.7 ملايين شخص، على أن تتواصل عملية الاقتراع حتى السابعة مساء، ليبدأ بعدها ظهور النتائج تباعًا.

انتشر مندوبو الأحزاب السياسية والمرشحين وفق مراسلي فرانس برس منذ الصباح الباكر أمام مراكز الاقتراع التي شهد بعضها إقبالًا من الناخبين، وأحاطت بها اجراءات أمنية مشددة، مع وضع القوى الأمنية والعسكرية أكثر من 20 ألف عنصر في حالة جهوزية تامة.&

يتوقع محللون أن يكون حزب الله "المستفيد الأكبر" من نتائج الانتخابات، التي تجري وفق قانون جديد يقوم على النظام النسبي، ما دفع غالبية القوى السياسية إلى نسج تحالفات خاصة بكل دائرة انتخابية، بهدف تحقيق مكاسب أكبر. وفي معظم الأحيان، لا تجمع بين أعضاء اللائحة الواحدة برامج مشتركة أو رؤية سياسية واحدة، إنما مصالح آنية انتخابية.

صمت الساعات الأخيرة
يتنافس 597 مرشحًا، بينهم 86 امرأة، منضوين في 77 لائحة، للفوز بأصوات 3.7 مليون ناخب مسجلين على لوائح الشطب، للوصول إلى البرلمان الموزع مناصفة بين المسيحيين والمسلمين في البلد الصغير ذي التركيبة الطائفية الهشة والموارد المحدودة.

وبعد أسابيع من التجييش في خطابهم السياسي، بهدف استقطاب العدد الأكبر من الناخبين، التزم المرشحون منذ منتصف ليل الجمعة السبت بـ"الصمت الانتخابي"، بهدف إتاحة الفرصة أمام الناخبين لتحديد خياراتهم.

تفتح صناديق الاقتراع عند السابعة صباحًا (4:00 ت غ) في 1880 مركز اقتراع، موزعة على 15 دائرة انتخابية، وسط إجراءات أمنية مشددة. إذ وضعت الأجهزة الأمنية والعسكرية ما بين 20 و30 ألف عنصر في حالة جهوزية، وفق وزارة الداخلية اللبنانية.

تجري الانتخابات للمرة الأولى منذ العام 2009، بعدما مدد البرلمان الحالي ولايته ثلاث مرات متتالية بحجة الانقسامات السياسية في البلاد، والخشية من مخاطر أمنية على خلفية النزاع في سوريا المجاورة.

حضور المجتمع المدني
وإذا كانت الصور والشعارات الانتخابية تملأ الشوارع، فلا يعرف بالتحديد إن كانت نسبة الاقتراع ستكون مرتفعة أكثر من سابقاتها. وسجلت نسبة الاقتراع في آخر انتخابات 54 في المئة.

تعبّر شرائح واسعة من اللبنانيين عن خيبة أمل من تكرر الوجوه نفسها، وخوض القوى التقليدية نفسها المعركة، علمًا أنها لم تنجح على مدى عقود في تقديم حلول للانقسامات السياسية والمشاكل الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها لبنان.

لكن قانون الانتخاب الجديد أعطى فرصة للناشطين في المجتمع المدني أو الأحزاب الصغيرة للترشح، ما أثار حماسة عدد كبير من الناخبين، وإن كان خبراء ومحللون يتوقعون ألا تتخطى عدد المقاعد التي سيحصدها هؤلاء أصابع اليد الواحدة.

تحالفات منفعية
تظهر اللوائح التي تخوض الانتخابات زوال التحالفات التقليدية التي طبعت الساحة السياسية منذ العام 2005، لجهة الانقسام بين فريقي 8 آذار (مارس) الذي يعد حزب الله المدعوم من إيران أبرز أركانه، و14 آذار (مارس) بقيادة رئيس تيار المستقبل ورئيس الحكومة الحالية سعد الحريري. وتجري الانتخابات في ظل توافق سياسي بدأت مفاعيله في أكتوبر 2016 مع الإتيان بميشال عون، حليف حزب الله، رئيسًا للجمهورية، بعد حوالى سنتين من الفراغ في سدة الرئاسة، ثم بالحريري رئيسًا للحكومة. وكان الرجلان على طرفي نقيض منذ أكثر من عشر سنوات.

يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت عماد سلامة لوكالة فرانس برس "التحالفات البرلمانية بعد الانتخابات ستشبه التحالفات الانتخابية الحاصلة اليوم، بمعنى أن لا طابع أيديولوجيًا محددًا لها بقدر ما هي قائمة على أساس المنفعية".

يضيف "المنفعية ستشكل التحالفات المختلفة بدلًا من فريقي 8 و14 آذار، لن تكون هناك تكتلات واضحة المعالم أو تحالفات طويلة أو ثابتة، بل (بلوكات متحركة) يتم اعتمادها بحسب كل موضوع".

وبعدما كان بإمكان الناخبين، وفق القانون الأكثري السابق، اختيار مرشحين من لوائح عدة أو منفردين، بات الأمر يقتصر اليوم على لوائح مغلقة محددة مسبقًا.&

ويقول الخبير في الشؤون الانتخابية سعيد صناديقي: "لن يكون هناك تغيير جذري في نتائج الإنتخابات عن العام 2009، أو كتلة طاغية على أخرى، لأن الانقسام العمودي بين 8 و14 آذار لم يعد موجودًا".

المستفيد الأكبر
هكذا يتحالف التيار الوطني الحر الذي ينتمي إليه الرئيس اللبناني ميشال عون، على سبيل المثال، مع حزب الله وحركة أمل برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري، في منطقة بعبدا قرب بيروت (الأطراف الثلاثة من فريق 8 آذار)، فيما يخوض الانتخابات ضدهما متحالفًا مع تيار المستقبل في إحدى دوائر الجنوب.

ويتنافس التيار وحزب الله في كل من جبيل (شمال بيروت) وبعلبك (شرق) التي تعد إحدى مناطق نفوذ الحزب. الثابتة الوحيدة في التحالفات الانتخابية هي اللوائح المشتركة بين حزب الله وحركة أمل، بما يكرّس إلى حد بعيد احتكارهما للتمثيل الشيعي في البلاد.

لكن بغضّ النظر عن نتائج الانتخابات لناحية توزيع المقاعد على الكتل والأحزاب السياسية وطبيعة التحالفات السياسية في البرلمان لاحقًا، يقول محللون إن حزب الله سيكون "المستفيد" الأكبر. يوضح سلامة "لن يكون البرلمان الجديد مصدر إزعاج لحزب الله (..) الذي سيستفيد من شرعنة دولية من دون تقييد حركته العسكرية والسياسية في المنطقة".

ولطالما شكل سلاح حزب الله المدعوم من إيران، والذي يقاتل إلى جانب قوات النظام في سوريا، مادة خلافية بين الفرقاء اللبنانيين. لكن الجدل حول سلاحه تراجع إلى حد كبير قبل الانتخابات بفعل "التوافق السياسي" القائم حاليًا.

خلال مقابلة مع وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا" قبل أيام، قال نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم: "أستطيع القول إن كتلتنا نحن وحركة أمل والحلفاء ستكون وازنة، وفيها سعة تمثيل (...) ووضعنا سيكون أفضل في البرلمان المقبل".

وقال الرئيس اللبناني ميشال عون في مقابلة تلفزيونية ليل السبت "إذا ربحنا في لبنان نربح جميعًا، وإذا ما خسر أحدنا، فإننا جميعًا خاسرون" وهي القاعدة التي تطبع المعادلة السياسية في لبنان.&
&