بيروت: للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، تحيي عائلات المفقودين والمخفيين قسرًا الذكرى الـ44 لاندلاع الحرب الأهلية، بينما يحدوها الأمل بمعرفة مصير أحبائها بعد إقرار قانون قبل أشهر عدةّ ينصّ على تشكيل هيئة وطنية مستقلّة لتقفي أثرهم.

وأقر البرلمان في نوفمبر هذا القانون بموافقة القوى السياسية، بينما يعود إلى مجلس الوزراء تعيين الهيئة واصدار المراسيم الخاصة بذلك، لكن نجاحها في عملها مستقبلًا يعتمد بالدرجة الأولى على ضوء أخضر تمنحه الأحزاب التي شاركت في الحرب (1975-1990) لمقاتليها، من أجل الافصاح عما بحوزتهم من معلومات عن مفقودين ومقابر جماعية.&

تخللت سنوات الحرب فصول مرعبة من العنف وانتهاكات حقوق الانسان والخطف على الهوية (بحسب الانتماء الطائفي) التي لجأت اليها الأطراف المتحاربة كافة، وقوى عسكرية غير لبنانية تدخلت في النزاع. وخلّفت سنوات الحرب وفق تقديرات أكثر من 150 ألف قتيل و17 ألف مفقود.

تقول رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان وداد حلواني لوكالة فرانس برس "إنها أول ذكرى للحرب تحلّ وبين أيدينا نص قانوني كرس حقّ المعرفة، وبالتأكيد يزيد هذا الأمر أملنا بالوصول الى حقيقة كل الأشخاص الذين فقدوا، الأحياء منهم والأموات".

ومنذ العام 2005، تشارك حلواني، التي خطف زوجها من منزلهما في العام 1982، مع عشرات النساء في اعتصام مفتوح في خيمة منصوبة في حديقة أمام مقر الأمم المتحدة في وسط بيروت، تزنرها صور مفقودين ومخطوفين من أقاربهم وتطالبن بمعرفة مصيرهم.&

وأقرّ مجلس النواب في نوفمبر قانونًا، هو الأول من نوعه، ينصّ على تشكيل هيئة وطنية للمفقودين والمخفيين قسرًا. ومن صلاحياتها جمع المعلومات والاستماع إلى الشهود والتعامل مع مسألة المقابر الجماعية.

يعطي القانون عائلات المفقودين "الحق في معرفة مصير أفرادها وذويها المفقودين أو المخفيين قسرًا وأمكنة وجودهم أو إمكان احتجازهم أو اختطافهم وفي معرفة مكان وجود الرفات واستلامها".

توضح حلواني "إنه أمر مهم جدًا لأهالي المفقودين حتى يتمكنوا من متابعة حياتهم، كما كل الناس، لا أن نقضي حياتنا في الانتظار"، مضيفة "أعتقد أننا نستحق كأهالي مفقودين أن نخرج من هذه الحالة المتأرجحة".

أي مقبرة جماعية
ويعود إلى مجلس الوزراء تعيّين الهيئة المؤلفة من 10 أعضاء بعد تسمية جهات مستقلة، بينها نقابتا المحامين والأطباء، مجلس القضاء الأعلى وجمعيات المفقودين وناشطين حقوقيين، أسماء ممثليها. على أن تعمل لاحقًا على وضع نظامها الداخلي ومباشرة عملها.

ويقول النائب السابق غسان مخيبر، وهو أحد معدي مشروع القانون، إن "القرار السياسي بصدور قانون يجب أن يتثبّت اليوم بتعيين هيئة ويُترجم بتسهيل عملها".

على الهيئة أن تستهل عملها بإعداد قائمة موحّدة بأسماء كل المفقودين، وفق مخيبر، بعد "تقفي أثرهم والتحقق من وجود من هم على قيد الحياة والسعي إلى عودتهم، وإلا فعودة رفات المقتولين أو الموتى، وبالتالي نبش &المقابر المختلفة" التي دفنوا فيها.

أبدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي باشرت منذ العام 2012 جمع بيانات شخصية عن المفقودين، ومن ثم الحمض النووي (DNA) من عائلاتهم في وقت لاحق، استعدادها لتزويد الهيئة بما جمعته حتى الآن.

وفي بلد كلبنان، حيث الانقسامات السياسيّة والطائفيّة حكمت سنوات الحرب وتحكم سنوات السلم، فإن حصول العائلات على أجوبة لطالما انتظرتها لا يبدو وشيكًا.

يسأل مخيبر "في أي مقبرة جماعية ستبدأ البحث؟، أماكن الدفن موجودة على كامل الأراضي اللبنانية، وكل منطقة كانت تحت تحكم جهة عسكرية أو أمنية معينة"، وبالتالي فإن "اختيار الأماكن وكيفية التعامل مع نبش هذه المقابر في المناطق يحتاج الكثير من الحكمة ومن الجرأة".

ورغم تشديده على طابع عملها "الإنساني"، لكنه يعتبر أن "عددًا من الأحزاب التي كانت ميليشيات سابقًا، وتخبئ جماجم في خزائنها، ولديها ماض في جرائم الحرب، باتت تخشى، بشيء من الحذر وبالحد الأدنى، من عمل هذه الهيئة في المستقبل". واصطدمت كل الحملات السابقة المطالبة بكشف مصير المفقودين بعدم تعاون الأحزاب التي تورطت في الحرب وتقاعس السلطات.&

لم تندمل بعد
ويرى الباحث لقمان سليم، مدير جمعية أمم للأبحاث والتوثيق، التي تُعنى بتوثيق ذاكرة الحرب في لبنان، وعملت لسنوات على جمع بيانات عن المفقودين، أن الآمال بالتوصل إلى نتائج ملموسة ضئيلة.

يقول لفرانس برس "أن تصوّت سلطة سياسية أيديها ملطخة بالدم على قانون من هذا القبيل يعني بكل بساطة أنها لا تخشى من مفاعيله، وتعرف جيدًا أنه كما كثير من الأمور في لبنان، سيبقى هذا القانون حبرًا على ورق".

أنهى اتفاق سياسي في مدينة الطائف السعودية سنوات الحرب في لبنان. وفي العام 1991، استفاد زعماء الحرب والمتورطون فيها من عفو عام، أثار انتقادات عدة.

يجزم سليم أنه "في مجلس النواب والحكومة ودوائر القرار الملحقة بالزعماء، العشرات.. ممن يملكون بالتفاصيل ما نحتاجه من معلومات للكشف عن مصير بعض المفقودين أو للتعرف إلى مواضع المقابر الجماعية".&

وينتمي هؤلاء إلى "أحزاب وتنظيمات مختلفة" تمّ في وقت لاحق "تبييض" صفحاتهم وفق سليم، الذي يشكك في قدرة القانون على "إعادة الساعة الى الوراء، ودفع اللبنانيين الى التفكير مجددًا.. بما أدى بهم إلى الدخول في نزاع دموي دام 15 سنة".

بالنسبة إلى عائلات المفقودين والمخطوفين، فالمطلوب من السلطات والأحزاب والأفراد والمؤسسات أمر واحد، وهو الدفع إلى تطبيق القانون.

وتقول حلواني "المجتمع بكامله معني بمعرفة الحقيقة، لأنها المدخل الفعلي والإلزامي للمصالحة الحقيقية بين أبناء الشعب اللبناني".
تضيف "لطالما اتهمتنا السلطات المتعاقبة بنكء الجراح، لكن ما نريده نحن هو أن نبلسمها، لأنها لم تندمل بعد".
&