مصريون يحملون نعشا به جثمان
EPA

شرد مصطفى الخولي للحظات عندما تذكر ملابسات وفاة زميله في العمل وابن بلدته رجب حسين حين كانا يعملان سويا في السعودية قبل سنوات.

يقول الخولي إن زميله، الذي كان عامل بناء، سقط من ارتفاع شاهق ولقي حتفه على الفور خلال نوبة عمله، لتبدأ فصول تراجيدية لم يكن يتحسب لها أحد.

أمضى حسين ثلاثة أشهر فقط في الشركة قبل أن يتوفى. وأصرت أسرته على نقله ليدفن في مقابر العائلة في مصر.

يروي الخولي، الذي يعمل فنيّ كهرباء في نفس الشركة، كيف أنه وجد نفسه في موقف صعب يستلزم جمع المبلغ اللازم لنقل جثمان زميله إلى بلده.

خرج الخولي وزملاؤه لجمع تبرعات أمام المساجد عقب الصلوات لنقل جثمان رجب الذي جاءت ظروف وفاته مفاجئة.

التفت مشرعون مصريون ومحامون إلى معاناة الأسر المصرية التي يتوفى أفراد منها يعيشون خارج مصر، فتقدم محام بدعوى قضائية لإلزام الحكومة بدفع مصروفات نقل الجثامين.

وقدمت نائبة برلمانية مشروع قانون يضع الضوابط اللازمة لنقل جثمان من يتوفى من المصريين بالخارج من خلال إنشاء صندوق يشارك فيه كل مسافر إجباريا بمبلغ 30 جنيها مصريا (أقل من دولارين) عند استخراج جواز السفر أو تجديد.

وينص قرار حكومي صدر في عام 1996 على أن تتكفل الحكومة بنقل جثامين المتوفين غير القادرين، غير أن هذا القرار غير مفعل بسبب الضوابط والإجراءات التي يستلزمها، وأبرزها الحصول على ما يُعرف باسم "شهادة فقر أو إعسار" وهو إجراء يتطلب وقتا طويلا، لا يتلاءم مع السرعة المطلوبة في حالات الوفاة.

وطالب نواب ومثقفون في غير مرة أن تتكفل الحكومة بمصاريف نقل المتوفين في الخارج، غير أن رئيس البرلمان، علي عبدالعال، رفض هذه المطالب في تصريح أعقب وفاة ستة مصريين في الكويت قبل أشهر، قائلا إن "ميزانية الدولة لا تسمح بذلك الأمر بسبب ارتفاع تكاليف شحن ونقل الجثامين من الخارج".

دعوى قضائية

مشهد عام لمجلس النواب المصري
EPA

وبينما لم تتفاعل الحكومة، ممثلة في وزارتي الهجرة والخارجية، مع المطالبات بتحمل تكلفة نقل جثامين المتوفين إلى مصر، تنظر محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة دعوى أقامها محام يُدعى سمير صبري، بدأت أولى جلساتها السبت 12 مايو/ أيار، وتم تأجيلها لجلسة 27 يوليو/ تموز المقبل بناء على طلب الحكومة.

وتؤكد الدعوى أن إصدار قرار ملزم للدولة بتحمل تكاليف نقل جثمان المتوفي بالخارج إلى أرض الوطن على نفقة الدولة "يأتي تكريما للأموات وإكراما للأحياء وانطلاقا من مساواة الدستور بين المواطنين".

واختصمت الدعوى رئيس مجلس الحكومة ووزراء الهجرة والطيران والمالية.

ودشن مصريون عدة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي للفت النظر إلى الأمر، منها "جمعية الرفق بالمغتربين" التي شذت عن طابعها الساخر وضجت بشكاوى عن ارتفاع تكاليف نقل جثامين المصريين المتوفين في الخارج والتعقيدات الإدارية الكثيرة التي تواجه العملية.

ومن خلال هاشتاغ #تكلفة_نقل_صندوق، شكا المشاركون من تجاهل مسؤولي السفارات والقنصليات لمطالب مغتربين مصريين بنقل جثامين متوفين، فضلا عن ارتفاع تكاليف العلاج لبعض حالات القلب أو المخ والأعصاب أو تلك التي تحتاج إلى العناية الطبية الفائقة.

يقول محمد عبد الفتاح، وهو مصري مقيم بالسعودية، إن تكلفة نقل جثمان المتوفي من المملكة إلى مصر تتجاوز 10 آلاف ريال سعودي (أكثر من 50 ألف جنيه مصري)، وأن هذا الأمر قد يمثل "مصيبة كبيرة" للعاملين البسطاء.

وبحسب عبد الفتاح، يضطر المصريون إلى جمع هذه الرسوم من التبرعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال المساجد، لتفادي التعقيدات الإدارية الخاصة بالبعثات والقنصليات المصرية في الخارج والتي تستغرق وقتا طويلا.

وليست هناك إحصاءات رسمية دقيقة لأعداد المصريين الذين يعملون خارج بلدهم، غير أن تصريحات لمسؤولين حكوميين تقدرهم بأكثر من عشرة ملايين.

تجاهل تشريعي

تقول صفحة المغتربين المصريين في الخارج بموقع فيسبوك إنهم كانوا يعولون على مشروع قانون مطروح أمام البرلمان المصري لحل هذه المشكلة، لكن تصريح رئيس البرلمان بعدم قدرة الدولة ماليا لارتفاع التكاليف جعلهم يفقدون الأمل في حل قريب.

وكانت الصفحة تشير إلى مشروع قانون تقدمت به النائبة غادة عجمي عضو مجلس النواب عن المصريين بالخارج قبل عامين، غير أنها لم تتلق ردا حتى الآن.

وتقول غادة عجمي لبي بي سي إنها تقترح إلزام كل مصري يقوم باستخراج أو تجديد جواز سفره بدفع مبلغ 30 جنيها مصريا فقط (أقل من دولارين)، ضمن الرسوم المدفوعة لصالح صندوق خاص برعاية المصريين في الخارج يحصل من خلالها المغترب على رعاية طبية في الحالات الحرجة أو الحوادث، ويمكن توجيه جانب من هذا الصندوق لصالح دفع رسوم نقل جثامين المتوفين بالخارج تخفيفا عن أسرهم.

وتوضح النائبة أن القانون الجديد لن يكلف خزانة الدولة أي مبالغ، بل إنه سيوفر للخزانة العامة مبالغ مالية توضع في حساب معين بأحد المصارف، مع بدء تطبيق القانون بعد ستة أشهر من إقراره، حتى يكون هناك عائد مالي كبير نتيجة استثمار هذه المبالغ، على حد قولها.

وأكدت لبي بي سي إصرارها على مشروع القانون، متعهدة بأن تعيد تقديمه إلى لجنة المقترحات والشكاوى.

من جهة أخرى، يرى النائب إبراهيم نظير، عضو مجلس النواب عن محافظة أسيوط بجنوب مصر، عدم وجود حاجة للقانون لأن بوسع جمعيات المصريين المغتربين جمع تبرعات أو اشتراكات شهرية أو سنوية لصالح رعايتهم طبيا أو في الظروف الطارئة التي تتعلق بالحوادث أو الوفاة.

ويقول نظير إن هذا الأمر يساهم في التخفيف عن أهالي المتوفين بالخارج.

وتحاول منظمات غير حكومية، أبرزها مؤسسة "مصر الخير"، المساهمة بجهد تطوعي في نقل الجثامين، تجنبا للإجراءات الروتينية.

وبحسب محسن محجوب، أمين صندوق "مصر الخير"، فإن المؤسسة الخيرية تتحمل تكاليف نقل الجثامين إلى أرض الوطن بشرط أن يتم إخطارها من جانب رئيس البعثة او القنصلية التابع لها المتوفي دون الانتظار لشهادة الفقر أو لطلب من أسرة المتوفي، بمجرد التحقق من أنه مستحق لذلك.