أنهى اتفاق سلام بين الجارتين إثيوبيا وإريتريا عقدين من التوتر، مما أدى إلى تغيير المناطق الحدودية، بحسب روب ويلسون الصحفي في بي بي سي.

في شقة بطابق أرضي في مدينة أديغرات، بشمال إثيوبيا، جلست ظفر سلطان بعد أن قامت بتضفير شعرها للاستعداد لمعمودية طفلها الأول.

وخلال ذلك أخذت تتابع على شاشة التلفزيون في ركن بالغرفة شريط فيديو لحفل زفافها الذي تم قبل عام، والذي يسليها هي والأسرة.

وتوضح قائلة: "كان زفافنا تقريبا في نفس الوقت الذي تم فيه فتح الحدود. لقد كانت سعادة مضاعفة".

كان أواخر عام 2018 وقت ابتهاج للكثيرين الذين يعيشون بالقرب من الحدود الإثيوبية الإريترية.

فقد تم الاتفاق على إبرام اتفاق سلام جديد بين البلدين المتحاربين سابقا، وسمح بالتنقل عبر الحدود للمرة الأولى منذ 20 عاما.

وتم لم شمل العائلات التي انفصلت طوال ذلك الوقت، وجمعت مناسبات مثل حفل زفاف ظفر الأصدقاء والأقارب للاحتفال مرة أخرى.

وتضيف ظفر قائلة: "آمل الآن أن تكون معمودية ابننا أفضل، آمل أن يأتي الكثير من أفراد العائلة من كل من إريتريا وإثيوبيا".

ومن المقرر أن تقام مراسم التعميد في زالامبيسا، حيث ستأتي عائلتا ظفر وزوجها زيراي. وتقع زالامبيسا على الجانب الإثيوبي من الحدود.

وشهدت المدينة قتالا عنيفا خلال الحرب بين عامي 1998 و2000 وعانت من ركود اقتصادي على مدى السنوات الـ 18 التالية حيث أغلقت الحدود التي شهدت حشودا عسكرية كبيرة على الجانبين.وكل شخص في هذه البلدة لديه قصة عن الانفصال.

"كان علينا مشاهدة الجنازة من مسافة بعيدة"

وغاب الكثيرون عن الأحداث العائلية الهامة مثل التعميد وحفلات الزفاف. وفي بعض الحالات، لم يتمكن الناس من توديع أحبائهم وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة.

ولم يتمكن أبرهالي غبريمريم، وهو مصور إثيوبي محلي، من زيارة جدته المريضة في إريتريا.

ويقول، مشيرا إلى قريتها عبر الحدود: "كان علينا مشاهدة مراسم الجنازة وإحياء الذكرى عن بعد، لم يكن لدينا خيار سوى الحزن على وفاتها من هنا".ويضيف قائلا: " لكننا كنا معها بأرواحنا".

وقد تمكن أبرهالي من عبور الحدود مرتين منذ عام 2018 للاحتفال بالأعياد الدينية وزيارة عائلته.ويقول: " أنا أمثل لحم ودم الشعبين".

هذا هو الشعور الذي يطغى على المنطقة الحدودية.

غير أن هذه المنطقة شهدت حربا بين الإثيوبيين والإريتريين أسفرت عن مقتل 100 ألف شخص، ونزوح أعداد أكبر من بيوتهم.

ولكن الروابط الاجتماعية والثقافية أثبتت أنها أعمق، وصمدت أمام الانفصال القسري الذي أعقب الحرب.

ويشرح غبريهيويت كاهاساي، جد طفل ظفر المولود حديثا، السبب قائلا: "لم يكن الناس في صراع، كانت المشكلة في القادة، ولم يغدر الناس ببعضهم البعض أبدا".

احتفالات بإعادة فتح الحدود عام 2018
Getty Images
احتفالات بإعادة فتح الحدود عام 2018

الحدود فتحت ثم أغلقت

بدأت زالامبيسا تمر بمرحلة تحول عندما فتحت نقاط التفتيش مرة أخرى في عام 2018. وخلقت الحركة غير المقيدة ازدهارا تجاريا مع تضاعف التجارة والسفر. وحصد أرباب الأعمال المحليون الفوائد.

ويقول أبراهالي: "أصبحت زالامبيسا مركزا تجاريا صاخبا مع مئات المركبات التي تسير ذهابا وإيابا. لقد مكنني السلام والمصالحة من العمل في البلدين كمصور".

ولكن بعد أشهر فقط من فتح الحدود، بدأت نقاط التفتيش الرسمية تغلق مرة أخرى.

ولم يقدم أي تفسير رسمي لذلك، ولا تزال جميع نقاط التفتيش تقريبا مغلقة أمام كل حركة التجارة والمرور.

وفي حين تقول إثيوبيا وإريتريا إنهما تحاولان تسوية هذا الوضع، فإنه لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي.

ومع ذلك، حدث تغيير أساسي ودائم. لقد تم نزع السلاح من الحدود نفسها ولم يعد يتم تسيير دوريات فيها كما كان الحال من قبل، لذا فإن الحركة غير الرسمية سيرا على الأقدام لا تزال مستمرة بطريقة لم يكن يمكن تصورها قبل عامين فقط.

وتعد منطقة سوق السبت الصاخبة في زالامبيسا إحدى المناطق التي يظهر فيها هذا التغيير بجلاء.

فقد نالت السوق فرصة جديدة للحياة منذ اتفاق السلام، عندما بدأ الإريتريون يأتون لشراء السلع.

والآن بينما تتوقف المركبات عند نقاط التفتيش، يواصل المتسوقون السير عبرها، حاملين ما في وسعهم حمله.

وكان ذلك يعني بالنسبة لامرأة إريترية حمل طاولة خشبية كبيرة على ظهرها والمشي ثلاث ساعات للوصول إلى المنزل، لكنها ليست حزينة.

وتقول إنها قبل فتح الحدود كانت تضطر للسفر خمس ساعات للوصول إلى أقرب سوق في إريتريا.

وسائل منع الحمل عبر الحدود

وشهد فتح الحدود زيادة كبيرة في عدد الأشخاص القادمين من إريتريا لتلقي الخدمات في مركز زالامبيسا الصحي.

وفي حين انخفضت الأعداد منذ إغلاق نقاط التفتيش الحدودية مرة أخرى، لا يزال البعض يقوم بالرحلة الصعبة سيرا على الأقدام.

وكل من يأتي إلى العيادة يعامل على قدم المساواة.

الجالية الأرمنية المفقودة في إثيوبيا

وتقول مديرة المركز الدكتورة سمراويت برهاني: " ليس هناك سبب لمعاملة الإريتريين بشكل مختلف عن معاملة الإثيوبيين. نحن نقدم الرعاية الطبية لأي شخص أولا وقبل كل شيء لأنهم بشر".

وفي كثير من الحالات، يقول المرضى للعاملين في المركز إنه أكثر قربا من أقرب عيادة في إريتريا، كما يقول البعض إنهم يتلقون علاجا أفضل أيضا.

وتوضح سمراويت قائلة إنهم لاحظوا أيضا أن عددا من النساء يأتين خصيصا لخدمات تنظيم الأسرة ووسائل منع الحمل.

وتقول النسوة إنه في إريتريا يجب عليهن الحصول على إذن أزواجهم للحصول على الخدمات، كما أن وسائل منع الحمل يتسلمها الزوجان معا.

وتقول سمراويت: " إن نساء كثيرات يفضلن المجيء إلى هنا حتى يتمكن من تجنب هذه القيود".

ما هي أكبر القوميات الإثيوبية؟

"نحن إخوة وهي علاقة غير قابلة للفصل"

عندما تقود السيارة شمالا نحو زالامبيسا، تشاهد المناظر الطبيعية الشاسعة والصخرية الملهمة. ولكن سيلفت نظرك أيضا مشروعات البناء والتعمير الكثيرة التي تجرى على قدم وساق.

فعلى طول الطريق ستشاهد منازل نصف مبنية، ومجمعات سكنية، وأكواما ضخمة من الحصى والرمل، بينما ترتفع السقالات الخشبية إلى السماء.

وعندما تم افتتاح الحدود في عام 2018، جاء رجال الأعمال من جميع أنحاء البلاد للاستثمار على طول الطريق.

وكان من بينهم فيسيهاي هيلو، وهو رجل إريتري واثق من نفسه وصريح، غادر بلده بعد احتجازه كمعتقل سياسي لمدة 13 عاما. لديه مظهر رجل يعرف ما هو يوم العمل الشاق.

يقول: "شعرت أن الأمور اشرقت بين عشية وضحاها، ولم أضيع أي وقت قبل شراء قطعة أرض".

ويعرف فيسيهاي زالامبيسا جيدا، لأنه ولد على الجانب الآخر من الحدود. والآن يملك مشروعه التجاري وهو فندق من ثلاثة طوابق في المدينة.

ويوضح قائلا: " إنه بعد الانتهاء من بناء الفندق، سيكون اسم فندقي تعبيرا عن رغبتي في أن يكون الشعبان معا، لذلك أخطط لتسميته فندق الشقيقان".

وأضاف قائلا: "هذا يعني أننا إخوة وهي علاقة غير قابلة للفصل".

مراسم المعمودية

يبدأ يوم معمودية ابن ظفر في الساعة الثالثة، وهم سيشقون طريقهم إلى الكنيسة التي تطل على الأراضي الحدودية بين إثيوبيا وإريتريا.

ومع بدء المراسم، يتجمع الأقارب من جانبي الحدود في المنزل الذي يملكه والدا زوجها في أسفل التل.

ويحرص زيراي على تقديم ضيفة واحدة على وجه الخصوص، وهي إحدى بنات عمومته والتي جاء من مصوع في إريتريا، كما فعلت عندما تزوج في عام 2018.

ويقول: "حقيقة أنها كانت معي منذ حفل زفافي وحتى الآن يظهر لك الحب والثقافة والوحدة".

وعلى الرغم من أنها لم ترغب في الكشف عن اسمها، إلا أنها تشرح كيف غير اتفاق السلام عام 2018 حياتها.

وتقول: " قبل ذلك، لم يكن لدينا أخبار عن أولئك الذين رحلوا، ومن بقي على قيد الحياة. ولكننا الآن علمنا عن موتانا ونحن سعداء بلقاء أولئك الذين لا يزالون على قيد الحياة، إنه فرق كبير، مثل الفرق بين الأرض والسماء".

وعلى الرغم أن الكثيرين عبر الحدود تحدوهم نفس المشاعر إزاء حرية التنقل الجديدة، ولكن غير الرسمية، فإن إغلاق نقاط التفتيش الحدودية لا يزال يؤثر على جميع مجالات الحياة.

وتوضح ظفر قائلة إن عدد الإريتريين في المعمودية أقل مما كان عليه الحال في حفل الزفاف، فقد اختار الكثيرون عدم الحضور، لأنهم لم يكونوا متأكدين مما إذا كان سيسمح لهم بعبور الحدود.

وتضيف قائلة: "إنه أمر مقلق، ذلك أن إغلاق نقاط التفتيش، يعني أنه لا يمكننا المضي قدما".

.

.