إسماعيل دبارة من تونس: يقرع طرفا النزاع في ليبيا طبول الحرب في مدينة سرت الاستراتيجية، قوات المشير خليفة بن بلقاسم حفتر الذي يهيمن على الشرق من جهة، وقوات حكومة الوفاق في الغرب من جهة ثانية.

وتدعم أطراف كثيرة كلا الطرفين للسيطرة على هذه المدينة المهمة للغاية، والتي تعتبر بوابة الهلال النفطي، حيث تتمركز أبرز الثروات الباطنية للبلاد من حقول نفط وغاز وثروات تسيل لعاب قوى اقليمية كثيرة.

بين "عاصمتين"

تقع سرت على بعد 450 كيلومترا شرق طرابلس، وهي مسقط رأس الزعيم الراحل معمر القذافي، وتتوسط أكبر مدينتين في البلاد، إذ تقع في المنتصف بين العاصمة الإدارية والسياسية للبلاد (طرابلس)، وعاصمة إقليم برقة الغني بالنفط في الشرق (بنغازي).

ورغم الجهود الدولية لمنع الحرب في هذه المدينة، إلا أنّ الخيار العسكري لكلا الطرفين مازال هو المرجح.

وعلى عكس مدينتي ترهونة وبني وليد وبلدات النواحي الأربع في الغرب الليبي والتي سقطت بسرعة وتباعا في أيدي قوات حكومة الوفاق المعترف بها دوليا والمدعومة من تركيا، فإنّ مدينة سرت لم تخضع بسهولة رغم ضراوة القتال والتدخل التركي خاصة عبر الطيران المسيّر، في حين تصرّ "الوفاق" وتركيا من ورائها على اقتحامها مهما كان الثمن.

حسب وجهة النظر التركية، تكمن أهمية سرت الاستراتيجية في أنها تقع شمال قاعدة الجفرة الجوية (650 كلم جنوب شرق طرابلس)، ولا تفصلها عنها سوى طريق مفتوحة لا تتجاوز 300 كلم، وهي مسافة ليست طويلة جدا بمعايير الصحراء.

وتقول وكالة الأناضول التركية الرسمية: "يُعتقد أن روسيا ترغب في اتخاذ الجفرة قاعدة دائمة لتواجدها في منطقة شمال إفريقيا وجنوب البحر الأبيض المتوسط".

تضيف: "هذا ما يفسر انسحاب مرتزقة فاغنر الروسية إلى قاعدة الجفرة، وإرسال موسكو 14 طائرة من نوع ميغ 29 وسوخوي 24، إلى ذات القاعدة الجوية، بحسب الجيش الأميركي، لتثبيت تواجدها وسط ليبيا، على غرار قاعدة حميم الجوية غربي سوريا".

ويرى الأتراك الداعمون الأبرز لحكومة الوفاق الى جانب قطر، أنه إذا تمكنت روسيا من ضمان عدم سقوط سرت في يد حكومة الوفاق،، فهذا يتيح لها مستقبلا قاعدة بحرية بسرت لتهديد حلف شمال الأطلسي (الناتو) من جنوب البحر المتوسط، ردا على تهديدات "الدرع الصاروخية" للناتو بالقرب من حدودها الغربية".

ونقل أحمد معيتيق، نائب رئيس المجلس الرئاسي للحكومة الليبية المعترف بها دوليا، عن مسؤولين روس عقب زيارته لموسكو، مؤخرا قولهم إن "سرت خط أحمر"، بحسب تقارير صحافية.

تحشيد عسكري

وعلى الرغم من الجمود الميداني الذي يسيطر على مختلف محاور القتال في محيط سرت، فإن قوات الوفاق لا تتوقف عن حشد المزيد من قواتها لتحرير المدينة من قبضة حفتر.

ويقول قائد ميداني بالجيش الوطني الليبي (قوات المشير حفتر)، إن "العد التنازلي لمعركة سرت بدأ"، لافتاً إلى أن قوات الوفاق بدأت في المرحلة الأخيرة من استكمال التحضيرات، التي تقوم بها منذ الأسبوع الماضي تمهيداً لشن هجوم يستهدف قوات حفتر.

وأوضح المسؤول العسكري، الذي رفض الكشف عن هويته لجريدة "الشرق الأوسط" اللندنية، أن المعركة المقبلة ستشهد حضوراً عسكرياً تركياً "هو الأوسع من نوعه"، منذ بدء القتال حول طرابلس قبل نحو 14 شهراً، مشيراً إلى وجود بارجات حربية تركية، وتدشين ضباط أتراك لمنظومات دفاع جوي، وزرع ألغام في المناطق التي توجد فيها قوات الوفاق، التي قال مسؤولون فيها إن عناصرها التي تنتشر في محيط مدينة سرت باتت تبعد بنحو 50 كيلو متراً فقط عن مركز المدينة.

وعلى المقلب الآخر، يستمر المشير حفتر المدعوم من مصر وروسيا والإمارات، في إرسال مزيد من التعزيزات العسكرية إلى قواته في سرت.

وقالت تقارير إن قوات "الكتيبة 302 صاعقة"، وصلت المنطقة لتنضم إلى قوات الجيش الموجودة بالفعل في هناك.

وفي حوار تلفزيوني، قال اللواء أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم قوات المشير حفتر، إن تركيا تسعى للسيطرة على غرب ليبيا، بهدف إقامة قواعد عسكرية وبحرية في مصراتة والوطية، واعتبر أن "الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي يجني مكاسب تدخله العسكري، لا يتفاوض مع السراج، بل يصدر أوامره إليه في هذا الخصوص".

يضيف المسماري: تريد قوات الوفاق الوصول إلى منطقة الحقول النفطية في الصحراء الليبية، والضغط على أوروبا، ومحاولة فرض نفسها اقتصادياً من خلال السيطرة على سواحل ليبيا لإرسال المتطرفين والمهاجرين غير الشرعيين".

ويقول المحللون إنّ سيطرة القوات الحكومية على سرت يجعل الطريق أمامها مفتوحا للسيطرة على الموانئ النفطية، إذ لا يبعد أقرب ميناء نفطي (السدرة) عنها سوى 150 كلم، ويخضع نحو 60 بالمائة من حقول النفط في ليبيا إلى سيطرة قوات حفتر حاليا.