طبعت الولاية الأولى لدونالد ترمب في البيت الأبيض محاولاته غير المثمرة في التقارب مع روسيا، والآن، ومع اقتراب انتهاء فترة رئاسته، لا يزال تحقيق هذه الرغبة يصطدم مراراً وتكراراً بالتطورات الراهنة.

وظهرت في الآونة الأخيرة قضية معقدة لتكون تذكيراً بمدى استحالة تحقيق الرئيس الأميركي تطبيعاً للعلاقات مع روسيا، بعدما كان اقترح، مرة جديدة، دعوة نظيره الروسي فلاديمير بوتين إلى القمة المقبلة لمجموعة السبع التي استبعدت منها روسيا في عام 2014 بعد ضمها شبه جزيرة القرم.

بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، حصلت الاستخبارات الأميركية على معلومات مؤكدة تفيد بأن موسكو قدمت مكافآت لمتمردين مرتبطين بحركة طالبان مقابل قتلهم جنوداً أميركيين في أفغانستان.

هل أبلغ الرئيس الأميركي بذلك كما أكدت عدة وسائل إعلامية؟ وإذا كان أبلغ فعلاً، لماذا لم يقم بأي رد؟ وفي حال لم يبلغ، لماذا اعتبر فريق العمل المحيط به بأن إعلامه بمثل هذه المعلومة المدوية ليس بالأمر الضروري؟.

تتزايد التساؤلات والتكهنات منذ عطلة نهاية الأسبوع حول هذه القضية، عززها بيان مثير للحيرة من البيت الأبيض.

وأكد البيت الأبيض بدايةً أن الاستخبارات لم تعتبر تلك المعلومة "موثوقة"، قبل أن يشير الاثنين إلى "غياب التوافق" حولها في هذه المرحلة في أوساط الاستخبارات.

لكن التعليق الرسمي جاء متأخراً جداً، فالطبقة السياسية الأميركية المناهضة لروسيا بشكل كبير، لم تتوان عن التصعيد على الفور.

"كارثة"

واعتبرت الرئيسة الديموقراطية لمجلس النواب نانسي بيلوسي أنه مع دونالد ترمب "كل الطرق تؤدي إلى بوتين".

دعا من جهته السناتور الجمهوري كوري غاردنر إلى وضع روسيا على اللائحة السوداء للدول الداعمة للإرهاب. والملف الروسي هو الوحيد الذي لا يزال يخالف فيه معسكر الرئيس موقف زعيمه.

ويجد التشكيك بشأن موقف ترمب من روسيا جذوره في وعوده الانتخابية بتحسين العلاقات مع بوتين، لكن أيضاً بشبهات التواطؤ بين الكرملين وفريقه الانتخابي التي سممت جزءاً كبيراً من ولايته.

صبّ دونالد ترمب الزيت على النار في صيف عام 2018 في هلسنكي حينما بدا مقتنعاً بكلام بوتين الذي نفى له مباشرةً أي تدخل روسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016 - وهي شبهات مؤكدة بالنسبة للاستخبارات الأميركية.

"كانت كارثة" كما أشار جيمس جاي كارافانو من المؤسسة المحافظة "هيريتدج"، مضيفاً لفرانس برس "أعتقد أن الرئيس استخلص الدروس" من تلك التجربة.

وتعهد كل الرؤساء الأميركيين منذ نهاية الحرب الباردة بتحسين العلاقات مع موسكو، لكن النتائج جاءت متفاوتة.

يقول كارافانو الذي كان عضواً في فريق ترمب الخاص بالمرحلة الانتقالية مباشرةً بعد انتخابه، إن تعهدات الرئيس "كانت فارغة بقدر تعهدات الآخرين".

"مدخل للحوار"

وأكد كارافانو "لم تكن هناك خطة سرية من أجل تحسين العلاقات مع روسيا". ولخص الإشكالية بالقول إنه "من أجل علاقات أفضل مع روسيا، ينبغي تغيير بوتين"، مضيفاً "ولا يوجد أي مؤشر إلى أن بوتين يريد التغيير".

يدافع هذا الخبير مع ذلك عن السياسة الحالية لإدارة ترمب التي أظهرت في الواقع بعض الحزم إزاء روسيا. ويرى أن المعلومات حول المكافآت الروسية في أفغانستان تؤكد أن التقارب الروسي-الأميركي "ليس خياراً".

وبالنسبة لماثيو روجانسكي من مركز "وودرو ويلسون" الدولي للباحثين، تظهر هذه القضية إلى أي مدى تدهورت العلاقات بين الطرفين.

ويلفت إلى أنه "بالنسبة لمن يتابعون الملف، ليس صادماً معرفة أن الروس يبحثون عن وسائل لقتل أميركيين. نحن في نزاع مع هؤلاء الناس".

وأضاف أن ست سنوات من العقوبات أثبتت أن الولايات المتحدة غير قادرة إلا "على إلحاق القليل من الضرر بروسيا، لكن ليس لدرجة تدفعها إلى تغيير سلوكها".

ويعتبر أن هناك خطراً باستمرار التصعيد، لا سيما وأن روسيا لم تعد تراهن على الرئيس-المرشح ترمب كما في الماضي. ويذكر الخبير مع ذلك أنه حتى في أحلك أوقات الحرب الباردة، الحوار بين الطرفين لم يتوقف تماماً.

يمكن إذاً للقوتين المتخاصمتين الاستفادة من المحادثات التي أطلقت الأسبوع الماضي حول اتفاقية "نيو ستارت" للحد من الأسلحة النووية، من أجل تعميق الحوار بينهما.

ويرى ماثيو روجانسكي "إذا كنا نبحث عن مدخل (للحوار)، فهذا هو".