إيلاف من لندن: استحق الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر المبارك الصباح لقب الحكيم ولقب "قائد الإنسانية" عن جدارة واستحقاق لصاحب تاريخ عريق في خدمة قضايا شعبه وأمته بإخلاص وتفان غير مسبوقين.

والشيخ صباح الأحمد (16 يونيو 1929 – 29 سبتمبر 2020)، كان أمير دولة الكويت الخامس عشر، والخامس بعد الاستقلال من المملكة المتحدة 1963. وهو الابن الرابع لأحمد الجابر الصباح أمير الكويت العاشر، من منيرة العثمان السعيد العيّار.

وهو صباح (الرابع) ابن الأمير أحمد بن الأمير جابر الثاني بن الأمير مبارك الكبير بن الأمير صباح الثاني بن الأمير جابر الأوّل بن الأمير عبد الله الأوّل بن الأمير صباح الأوّل بن جابر بن سلمان بن أحمد الذي ينتسب إليه جميع حكام وأمراء الكويت منذ القرن الثامن عشر، وباسمهِ تسمَّت الأسرة الحاكمة فيها.

تلقى الشيخ صباح الحمد تعليمه في المدرسة المباركية. هو أوّل وزير إعلام، وثاني وزير خارجية في تاريخ الكويت.

ترأس وزارة الشؤون الخارجية للكويت طيلة أربعة عقود من الزمن، ويعود له الفضل خلالها في توجيه السياسة الخارجية للدولة والتعامل مع الغزو العراقي للكويت في عام 1990.

وكان الشيخ الراحل سمي أميرا لدولة الكويت في 29 يناير 2006 خلفًا لسعد العبد الله السالم الصباح الذي تنازل عن الحكم بسبب أحواله الصحية، وبعد أن انتقلت السلطات الأميرية إليهِ بصفته رئيس مجلس الوزراء، قام مجلس الوزراء في 24 يناير 2006، بتزكيته أميرًا للبلاد، وقد بايعه أعضاء مجلس الأمة بالإجماع في جلسة خاصة انعقدت في 29 يناير 2006. وهو الأمير الثالث الذي يؤدّي اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة في تاريخ الكويت.

حقوق المرأة
وإبان رئاسته لمجلس الوزراء حصلت المرأة الكويتية على حقوقها السياسية تنفيذًا لتوجيهات الأمير جابر الأحمد الجابر الصباح، ثم وزّرت أوّل امرأة في حكومة برئاسته عام 2005، تلا ذلك مشاركة المرأة في العملية الانتخابية في أوّل انتخابات نيابية بعد توليه مسند الإمارة، ومن ثمَّ تُوجّت سياسته الإصلاحية تلك بدخول المرأة للمرة الاولى عضوًا في مجلس الأمة في ثالث انتخابات نيابية تجري في عهده، وقد سمح للمرأة بدخول السلك العسكري، كذلك أعاد التجنيد العسكري الإلزامي في الكويت.

وكانت الأمم المتحدة في 9 سبتمبر 2014 كرمت الشيخ صباح الأحمد، بلقب "قائد للعمل الإنساني" وسُمِّيَت الكويتُ "مركزًا للعمل الإنساني" تقديرًا من المنظمة الدولية للجهود الذي بذلها الأمير وبذلتها الكويت خدمة للإنسانية.

شيخ الدبلوماسية
ولُقِّب الشيخ صباح بـ"شيخ الدبلوماسيين العرب والعالم" و"عميد الدبلوماسية العربية والكويتية". ويرى مراقبون أنّه اتبع في عهده سياسة إصلاحية فترسَّخت الحياة الديمقراطية وزادت الحريّات الإعلامية، وانتشرت الصحف والمنابر الإعلامية وتوسّعت مساحات النقد في الكويت، بينما يرى آخرون أن قانون "مكافحة جرائم تقنية المعلومات" الذي أقره البرلمان الكويتي في 2015، إضافة إلى حدث سحب الجنسيات وحبس معارضين مثل مسلم البراك بتهمة إهانة الأمير، حدَّ من سقف حرية التعبير في عهده في الكويت.

وشهدت الكويت في عهده نهضة تنمويّة شملت مختلف المجالات، تنفيذًا لتطلّعاته بتحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري عالمي.

وخلال توليه لوزارة الخارجية، أسّس صباح الأحمد السياسة الخارجية للكويت على أسس ومبادئ وثوابت رئيسية في مقدمتها: التوازن الإستراتيجي، والحياد الإيجابي، والدفاع عن الثوابت القومية، والابتعاد عن الأحلاف العسكرية، إدراكا منه لحساسية وضع الكويت ودقة مصالحها الإستراتيجية العليا التي تفرض عليها انتهاج سياسة خارجية متوازنة ومنفتحة على جميع دول العالم بما يضمن الحفاظ على أمن واستقرار الكويت، وصيانة استقلالها وسلامتها الإقليمية، بعيدًا عن التنازعات والتجاذبات الأيدلوجية أو العسكرية التي كانت تحكم العالم إبان الحرب الباردة.

سياسة متوازنة
ونظرًا لهذه السياسة المتوازنة، استطاعت الحكومة الكويتية بعد الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس 1990، أن تكسب تعاطف أغلب دول العالم وأن تجعلها تقف مع الشرعية الكويتية بقيادة جابر الأحمد الجابر الصباح ضد الغزو العراقي. ومما يحسب له أن الدبلوماسية الكويتية استطاعت كسب الاتحاد السوفيتي في إدانة الغزو العراقي ودعم تحرير الكويت، رغم أن السوفيات كانوا حلفاء للعراق وتجمعهم اتفاقيات تعاون وصداقة مع النظام العراقي.

وكانت الدبلوماسية الكويتية قد رتّبت للشرعية الكويتية، بعقد العديد من المؤتمرات التي ساهمت في كسب الرأي العام الدولي الداعم للقضية الكويتية. فقد أدى صباح الأحمد حينذاك دورًا كبيرًا في حشد التأييد الدبلوماسي العربي والدولي لمصلحة دعم ومساندة الشرعية الكويتية استنادًا إلى خبرته الدبلوماسية الكبيرة منذ بداية تسلمه حقيبة وزارة الخارجية عام 1963 ونجاحه في توثيق علاقات دولة الكويت بالأمم المتحدة ومنظماتها ودولها الأعضاء.

واستطاع الشيخ صباح ربط الكويت دبلوماسيًا وإستراتيجيًا بالعالم الخارجي، فاستضافت الكويت على أرضها أكثر من خمس وتسعين ممثلية ما بين سفارة وقنصلية ومنظمة دولية وإقليمية وتبادلت معها التمثيل الدبلوماسي والقنصلي. ونجحت هذه الجهود الدبلوماسية في كسب الكويت مساندة عالمية وأممية من خلال توافق الإرادة الدولية مع قيادة قوات التحالف الدولي لطرد القوات العراقية وتحرير الكويت.

العمل الإنساني
وفي عهد الشيخ الراحل اختيرت الكويت في 9 سبتمبر 2014، "مركزًا للعمل الإنساني" وسُمي صباح الأحمد "قائدا للعمل الإنساني" وذلك في حفل أقامته منظمة الأمم المتحدة.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة حينذاك، بان كي مون، قال إن "جهود الشيخ صباح الأحمد مكّنت الأمم المتحدة من مواجهة ما شهده العالم من معاناة وحروب وكوارث في الأعوام الماضية".

وأضاف في كلمة أثناء احتفالية تكريم الأمم المتحدة لصباح الأحمد، إن "مقابل حالة الموت والفوضى التي شهدها العالم، شاهدنا مظاهر كرم وإنسانية من قبل جيران سوريا قادتها دولة الكويت أميرا وشعبًا".

مضيفًا أن "الكويت أظهرت كرمًا استثنائيًا تحت قيادة الشيخ صباح، رغم صغر مساحة البلاد، إلا أن قلب دولة الكويت كان أكبر من الأزمات والفقر والأوبئة". وأضاف "نحن مجتمعون اليوم لنشكر سمو أمير دولة الكويت وشعب الكويت، على كرمهم الكبير تجاه السوريين والعراقيين".

وأكد أن "المبادرات التي قامت بها دولة الكويت دفعت المجتمع الدولي إلى جمع المزيد من المساعدات بفضل جهود سمو أمير البلاد، ما ساعد الأمم المتحدة على القيام بوظيفتها الإنسانية وأن الدعم المستمر لسمو الأمير مكننا من ذلك". وقد علق صباح الأحمد عند تكريمه، قائلا: "إن أعمال البر والإحسان قيم متأصلة في نفوس الشعب الكويتي تناقلها الأبناء والأحفاد بما عرف عنه من مسارعة في إغاثة المنكوب وإعانة المحتاج ومد يد العون لكل محتاج".

البدايات الحقيقية
وإذ ذاك، يشار إلى إنه في 19 يوليو 1954، كانت البداية الحقيقية للشيخ صباح الأحمد في الدخول للمجال السياسي والعمل في الشأن العام، إذ عَيَّنَهُ أمير الكويت آنذاك، عبد الله السالم الصباح، عضوًا في "اللجنة التنفيذية العليا" وهي بمثابة مجلس الوزراء في يومنا هذا، وقد عُهد إليها بمهمة تنظيم دوائر الدولة ووضع خطط عملها ومتابعة التخطيط فيها، وبعد انتهاء هذه اللجنة من عملها تم تعيينه في العام 1955 رئيسًا لـ"دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل"، والدوائر الحكومية في الكويت ما قبل الاستقلال كانت بمصاف الوزارات في عصرنا الحالي.

وفي فترة توليه "دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل" كان يبدي اهتمامًا بالمشاريع الاجتماعية، حيث كان يؤيد وضع القواعد التنظيمية من أجل إفساح فرص العمل الملائم للمواطنين وكان يساعد على استقرار العلاقة بين العمال وأصحاب العمل وتنظيم الهجرات الأجنبية التي تدفقت على الكويت بعد استخراج النفط. وقام باستحداث مراكز التدريب الفني والمهني للفتيات ورعاية الطفولة والأمومة والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة وتشجيع قيام الجمعيات النسائية ورعاية الشباب وإعداده نفسيًا واجتماعيًا وبدنيًا والعناية بالمسرح، وأنشأ الأندية الرياضية، إضافة إلى إنشائه أوّل مركز لرعاية الفنون الشعبية في الكويت.

عضو المجلس الأعلى
وفي عام 1956 عُيّن عضوًا في الهيئة التنظيمية للمجلس الأعلى، وهو المجلس الذي كان يساعد أمير الكويت في إدارة شؤون الحكم في البلاد. وفي عام 1957 أضيفت إلى مهامه رئاسة "دائرة المطبوعات والنشر". خلال رئاسته إدارة المطبوعات والنشر، تم إصدار الجريدة الرسمية للكويت تحت اسم "الكويت اليوم" لتسجيل كافة الوقائع الرسمية، وتم إنشاء مطبعة الحكومة، ذلك لتلبية احتياجات الحكومة من المطبوعات، وتم تشكيل لجنة خاصة لمشروع كتابة تاريخ الكويت، وتم إصدار قانون المطبوعات والنشر الذي شجع الصحافة السياسية وكفل حريتها في حدود القانون.

وقد برز خلال تلك الفترة اهتمام صباح بإحياء التراث العربي وإعادة نشر الكتب والمخطوطات العربية القديمة. وخلال أقل من عامين من رئاسته لدائرة المطبوعات والنشر تم استصدار أشهر مطبوعة عربية ثقافية في الوطن العربي، استطاعت أن تجمع العرب حولها من البحر إلى البحر، والتي أطلق عليها مسمى مجلة العربي التي انطلقت بتوجيهات مباشرة منه واستقدم لرئاسة تحريرها في أول مراحلها المفكر العربي د. أحمد زكي.

وكان الشيخ صباح الأحمد وصف المجلة في تصديره للعدد الأول منها بأنّها "هدية الكويت للعرب". ويحسب لصباح الأحمد في بواكير عمله السياسي أنه ربط بلاده بنشر الثقافة الكويتية في محيطها العربي إضافة إلى ربط الوعي المجتمعي الكويتي بالوعي الجمعي العربي، وظهر هذا جليّا في التوجّهات التي كانت تحكم مطبوعات الكويت، وكذلك ثبت هذا التوجّه بعد أن تولّى صباح الأحمد وزارة الإعلام في أوّل وزارة تتشكّل في تاريخ الكويت.