القدس: للمرة الأولى في تاريخه السياسي، غيّر رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتانياهو استراتيجيته تجاه المواطنين العرب في إسرائيل، ويسعى مع بدء حملته الانتخابية الجديدة، الى استمالتهم لكسب أصوات يحتاجها للفوز برابع انتخابات في أقل من عامين، أو على الأقل الى تشتيتهم.

خلال الحملات الانتخابية الثلاث الأخيرة، لم يتردّد نتانياهو بوصم العرب بعبارات اعتبروها "عنصرية " و"تحريضية" ضدهم، مطلقا عليهم صفة داعمي "الإرهابيين"، ما دفع العرب الى التصويت بكثافة والوصول الى الكنيست بكتلة من 15 نائبا، لكي يشكلوا كتلة وازنة ومؤثرة ضد نتانياهو.

لكن قبل أيام، فاجأ نتانياهو سكان مدينتي أم الفحم والطيبة في وسط البلاد حيث توجد أعداد كبيرة من العرب، بزيارة تفقد خلالها العيادات التي تجري فيها حملات تلقيح ضد فيروس كورونا المستجد.

ثم زار الخميس الناصرة، كبرى المدن العربية، حيث "اعتذر" عن تصريحاته السابقة تجاه العرب الذين يمثلون نحو عشرين في المئة من سكان إسرائيل.

وقال بالعربية "السلام عليكم". ثم أضاف "أعتقد أن عرب إسرائيل يجب أن يكونوا جزءا كاملا يتساوى مع المجتمع الإسرائيلي".

ووعد "بالقضاء على الجريمة في المجتمع العربي مثلما تم القضاء عليها في المجتمع اليهودي". وتحدث عن "زيادة الميزانيات" للمجالس البلدية والمحلية للعرب.

ورحّب به رئيس بلدية الناصرة علي سلام وأعلن دعمه له ولحزب الليكود.

وكتبت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الخميس "لا شك أننا رأينا نتانياهو في الأسابيع الماضية مختلفا، وتراجع فجأة. فبدلا من التحريض والكذب على الجمهور العربي، تبنى استراتيجية احتواء واحتضان".

واعتبرت أن "الغرض المباشر من هذه الاستراتيجية" وقف لعب "دور المحرض"، مشيرة الى أن التحريض دفع العرب الى الخروج بأعداد كبيرة للتصويت.

ودأب نتانياهو في انتخابات 2015 و2019 على تخيير ناخبيه بين "بيبي (اللقب الذي يعطيه الإسرائيليون لنتانياهو) أو طيبي" (رئيس كتلة القائمة العربية المشتركة في الكنيست أحمد الطيبي)، متهما منافسه الرئيسي بيني غانتس الذي حظي بدعم بين العرب، بأنه "يتحالف مع داعمي الإرهاب".

وحصدت القائمة المشتركة في الانتخابات الأخيرة في آذار/مارس 87,2 في المئة من أصوات الناخبين العرب الذين شاركوا في الاقتراع بنسبة 64,8 في المئة. ورفعت شعار "إسقاط نتانياهو".

ولم يتمكن حزب نتانياهو، الليكود، ولا تحالف "أزرق ابيض" الذي يرأسه غانتس من الحصول على أكثرية واضحة في الانتخابات الثلاث الأخيرة. وشكل نتانياهو وغانتس حكومة ائتلاف برئاسة نتانياهو لم تصمد حتى لسنة، وساهمت في إضعاف فريق غانتس الذي تشتت.

وشرّعت إسرائيل خلال حكم نتانياهو "قانون القومية" الذي يحدد إسرائيل على أنها دولة يهودية، وحق تقرير المصير فيها حصري للشعب اليهودي، وألغى اللغة العربية كلغة رسمية كان ينص عليها القانون الأساسي في إسرائيل. كما أقرت قانون "كيمنتس" لتسريع هدم بيوت العرب غير المرخصة.

ويقول مدير مركز "مساواة" جفر فرح "التحريض على العرب بدأ منذ عام 2001 مع رئيس حزب شاس آنذاك إيلي يشاي ولم يساعده التحريض على كسب الأصوات، كما ولم يساعد أفيغدور ليبرمان الذي نادى بالترنسفير للعرب، ولم يساعد نتانياهو الذي حصل فقط على ثمانية آلاف صوت من العرب في الانتخابات الاخيرة، بمثابة نصف مقعد".

ويضيف "أدرك نتانياهو أن المستفيد من التحريض على العرب هي أحزاب المستوطنات برئاسة بتسلئيل سموتريتش ونفتالي بينيت".

وحسب استطلاع للرأي نشرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية الجمعة، "بإمكان معسكر اليمين بقيادة نتانياهو الحصول على 60 مقعدا" في الانتخابات المقبلة المحددة في 23 آذار/مارس، مقابل 59 مقعدا في البرلمان الحالي. وبحسب مصادر الليكود، يمكن أن يحصل نتانياهو على مقعدين إضافيين من العرب. ويحتاج الى 61 مقعدا ليتمكن من تشكيل حكومة بمفرده.

ويؤكد المحلل السياسي والبروفسور في جامعة تل أبيب أمل جمال أن نتانياهو "يريد أصوات العرب"، لكن زيارته "للمجتمع العربي (...) الآن هي بهدف تفكيك الصوت الأعلى فيه: القائمة المشتركة".

ويرى "أن تفكيك المشتركة سىيسهّل عليه التعامل مع ملف العرب داخل إسرائيل وملف القضية الفلسطينية"، مشيرا الى أن القائمة المشتركة تطالب طوال الوقت داخل البرلمان "بإنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية والتوصل الى حل" مع الفلسطينيين.

وقام نتانياهو بمغازلة رئيس الحركة الإسلامية الجنوبية منصورعباس، العضو في القائمة المشتركة، والذي امتنعت حركته عن التصويت على إسقاط حكومة نتانياهو في آخر تصويت لحل الكنيست، ما شكل شرخا داخل القائمة.

ونقلت صحيفة "هارتس" عن عباس بأنه أجرى لقاءات مع مقربين من نتانياهو.

وأظهرت استطلاعات رأي أن القائمة المشتركة ستحصل على 11 مقعدا فقط في الانتخابات القادمة.

ويرى المحلل السياسي الإسرائيلي المتخصص بالشؤون العربية يوآف شطيرن أن نتانياهو "يريد إحداث بلبة وإرباكا للمواطن العربي داخل اسرائيل"، ليس بالضرورة عبر كسب أصوات العرب، إنما عبر ثنيهم عن التصويت.

ويضيف شطيرن المشارك في كتاب "محليون" حول العرب في اسرائيل، "يعمل نتانياهو على تفكيك وإعادة بناء التفكير السياسي للمواطن العربي بحيث يصبح هذا المواطن لامباليا.. ويقول +لن أصوّت للأحزاب الصهيونية، وجميع الأحزاب متشابهة+، فيعزف عن التصويت".

وهاجم أحمد الطيبي بقوة تصريحات نتانياهو في الناصرة. وقال "إذا أخضعوا نتانياهو لجهاز كشف الكذب+بوليغراف+، فسيحترق الجهاز لعدم قدرته على تحمل كذبه"، واصفا إياه "بكذاب لا يرف له جفن".

في تل أبيب وحيفا ورمات غان ومداخل البلدات العربية، رفعت لافتات ردّا على تحركات نتانياهو الأخيرة تجاه العرب، عليها صورة رئيس الوزراء الإسرائيلي مقلوبة، وكتب عليها "تنياهو قلب (غيّر موقفه) وصار بدو (يريد) أصوات العرب.. فشر (خسىء)".