إيلاف من الرباط:خلص تقرير مهمة استطلاعية للوقوف على حقيقة ما يعانيه العديد من الأطفال والنساء والمواطنين المغاربة العالقين ببعض بؤر التوتر مثل سوريا والعراق، إلى أن المغرب - الرائد بتجربته في مجال تجديد وتأهيل الحقل الديني، تحت قيادة الملك محمد السادس، والذي ما فتئ يقدم نموذجا متميزا وملهما في الاعتدال والتجديد، وأنه بمؤسساته الحكومية القوية، سواء ما تتوفر عليه من أطر بوزارة الخارجية والتعاون، وبمختلف السفارات المغربية في العالم، أو من خلال الخبرة القانونية والكفاءات البشرية ذات التجربة التي تقارب بها وزارة الداخلية هذا الموضوع، وبتوفره على سلطة قضائية راكمت تجارب رائدة في معالجة مثل هذه الملفات داخل محاكم المملكة استنادا على رصيد تشريعي متجدد ومتطور، إلى جانب التوفر على تجربة أمنية جد ناجحة ورائدة في مواجهة الظاهرة الإرهابية "قوي وقادر على مقاربة هذا الملف الشائك وإبداع الحلول والإجابات بشأنه، بكثير من الجرأة والمسؤولية والاعتماد على الكفاءات القضائية والأمنية والمؤسساتية المحترفة الموجودة بالمغرب".
وبقدر ما أكد تقرير اللجنة على قدرة المغرب على "النجاح بشكل أكيد لإنهاء شامل لهذا الملف الشائك والمعقد"، لم يخف أعضاؤها ألمهم "للاختيارات الخاطئة للعديد من المغاربة الذين التحقوا ببؤر التوتر، وما أنتجته من مآس اجتماعية وما كلفته من خسارات لأنفسهم وللوطن".
وأصدرت اللجنة توصيات من صنفين، يهمان المستوى القانوني والمؤسساتي والإداري والمستوى الاجتماعي والإنساني والفكري.
أمل وندم
جاء تكوين اللجنة المكلفة المهمة الاستطلاعية، بناء على طلب تقدم به فريق حزب الأصالة والمعاصرة المعارض بمجلس النواب، من أجل "العمل على معاينة ودراسة الأوضاع المأساوية" التي تعاني منها فئة من المغاربة العالقين في بؤر التوتر والصراع كسوريا والعراق، خصوصا الأطفال والنساء منهم، و"الإسهام في معالجة تلك الأوضاع انطلاقا من الاختصاصات المخولة للبرلمان"، وهو الطلب الذي تمت الموافقة عليه بتاريخ 29 سبتمبر 2020. وتكونت اللجنة من 13 عضوا، ورمت في أهدافها العامة إلى وضع دراسة دقيقة بعدد الأطفال والنساء المغاربة المعنيين في سوريا والعراق؛ والوقوف على وضعية الأطفال والنساء المغاربة في مختلف المخيمات والسجون والعالقين في بؤر التوتر بسوريا والعراق؛ وحماية الأطفال المغاربة بنقلهم من السجون والمحتجزات والمعتقلات السورية والعراقية إلى أرض الوطن، انطلاقا من مسؤولية الدولة على أمنهم وإعادة تأهيلهم وإدماجهم؛ ودعم الجهود الحكومية وجهود مختلف المتدخلين لإنهاء معاناة النساء والأطفال وجميع المغاربة المعنيين؛ وبلورة تصورات من أجل الإسهام في وضع حد للوضعيات المسجلة، ودراسة مدى القدرات والإمكانيات المتوفرة قصد تحقيق الإدماج والاندماج للعائدين في المنظومة الوطنية؛ ودراسة البرامج والتصورات النظرية التي يمكن التعامل من خلالها مع هؤلاء الأطفال والنساء، قصد تأهيلهم نفسيا وصحيا وتجاوز ما عاشوه من معاناة وجرائم مختلفة. كما حددت الآليات والإجراءات، مع تحديد الإطار الزمني للمهمة، وذلك بتوزيع المدة المخصصة لقيام اللجنة بمهمتها والمحددة في شهرين ابتداء من أول إجراء.
وأشار تقرير اللجنة، الذي جاء في 250 صفحة، إلى أن أعضاءها لمسوا "الندم في كل الشهادات التي قدمت"، و"إرادة المراجعة والتصحيح والتشبث بالبلد والاعتزاز بنموذجه المتفرد، وهو شيء "مهم"، تضيف خاتمة التقرير، قبل أن تستدرك: "لكنه لن يمحو للأسف الشديد الآثار الكارثية المترتبة عن سوء بعض الاختيارات وسوء تقدير العواقب".
أوضاع صعبة
شددت خاتمة التقرير على أن مهمة اللجنة مكنت من "الوقوف على حقائق مؤلمة لأوضاع صعبة وخطيرة عاشها ويعيشها مواطنونا بسوريا والعراق، خصوصا النساء والأطفال منهم".
وذكر أعضاء اللجنة أنهم كانوا، وهم يسمعون لإفادات بعض العائدين ولأعضاء "تنسيقية المغاربة المعتقلين والعالقين في سوريا والعراق"، يزدادون "يقينا وقناعة بصواب هذه المهمة، رغم طبيعتها المعقدة"، مع تزايد إحساس الأعضاء بـ"جسامة وحجم المسؤولية لتقديم ما يمكن أن يفيد لمعالجة هذا الملف".
وأوضحت اللجنة أنها انتهت من عملها دون أن تتمكن من التنقل خارج أرض الوطن للمعاينة عن قرب لأوضاع المغاربة العالقين بسوريا والعراق، مشددة على أنها "تقدر فعليا وعمليا أن عدم استطاعتها التنقل خارج أرض الوطن للقيام بالمعاينة المطلوبة لا ينقص البتة من العمل الذي قامت به على أرض الوطن، خصوصا أنه أمكنها الاستماع لشهادات بعض العائدين ولأسر بعض العالقين إلى جانب بعض التسجيلات الصوتية ذات الصلة".
وشددت اللجنة على أنه بالرغم مما يمكن أن يسجل على عمل اللجنة الاستطلاعية المؤقتة إيجابا أو سلبا، فإن عملها يبقى مهما بالنظر لما تحقق عمليا من إجراءات في برنامج عملها؛ ولما خلصت إليه من خلاصات وتوصيات ستشكل يقينا مادة للاشتغال المستقبلي للسلطات العمومية المعنية، من أجل تعزيز المعالجات الوطنية المنجزة؛ ولما فتحه من "نافذة على المستقبل"، يمكن أن يشكل منطلقا لمبادرات قانونية ومؤسساتية أخرى لتحقيق التراكم في مقاربة هذا الملف، على درب "الألف ميل الذي يبدأ بالخطوة الأولى".
تقاطع الإنساني والإجرامي
شددت اللجنةجوابا عن سؤال مقاربة معالجة وضعية العالقين ببؤر التوتر، على أن خلاصة التشخيص التي يمكن أن تنتهي إليها مهمتها والتوصيات التي يمكن أن تتبلور عن ذلك تجعلنا أمام سؤال محوري هو: "كيف سنتعامل مع قضية يتقاطع فيها ما هو إنساني بما هو إجرامي، تحكمه العقيدة في مفاهيمها الخلافية، كما يحكمه الشعور بالانتماء والهوية؟".
وزاد تقرير اللجنة قائلا : "نحن نواجه جرائم متكاملة المكونات يتفرع عنها من شارك بوعي في الجريمة ومن أصبح جزء منها بدون إرادة"، وشدد على أن "الانتقال إلى بؤر التوتر بسوريا والعراق يعد جريمة جنائية في المغرب ، حسب مقتضيات القانون الجنائي، وتختزل هذه الجريمة في مرتكبيها والمحرضين عليها والفاعلين الأساسين فيها، والآخرين الذين انضموا إليها للمشاركة، خاصة النساء اللائي رافقن أزواجهن، أما الأطفال فهم في وضعية انعدام الأهلية، الأمر الذي يجعلنا أمام قضية متشابكة تطرح أكثر من سؤال: كيف يمكن أن نتعامل مع هذه الحالة المعقدة؟".
تفكيك الملف
عبرت اللجنة في تقريرها عن اعتقادها أنه "يجب أولا تفكيك هذا الملف"،مشيرة الى أن هذا التفكيك يجب أن يتجزأ بين ملفات كبرى، قبل أن ننتقل إلى حالات أقل حدة على مستويات ثلاثة: الذكور، والنساء، ثم الأطفال.
فبالنسبة للذكور (المقاتلين)، أشار التقرير إلى أن الذكور في هذا الملف المرتكبين للأفعال المجرمة بمواد القانون الجنائي، الذي يعتبر مجرد الانتقال إلى بؤر التوتر، فعلا جرميا، وهم في هذه الحالة حتى عند رجوعهم وتسليمهم للمغرب يتعين إحالتهم مباشرة على السلطات القضائية المختصة قصد تطبيق المسطرة القضائية في مواجهتهم، وبعد إنهاء المسطرة آنذاك يمكن الدخول إلى مسطرة المراجعات أو المصالحة التي قامت بها الدولة في ملفات مماثلة.
وعبرت اللجنة عن اعتقادها أن ذلك سيكون" مسألة إيجابية خاصة إذا صاحبتها بعض الخطوات كتسهيل الاندماج الاجتماعي، والتوفر على دخل اقتصادي لا بأس به، مما سيساهم في إدماجهم وتوفير مستلزمات الحياة العادية لهؤلاء، مما قد يغير من ردود فعلهم العنيفة ضد المجتمع".
أما بالنسبة للنساء، فيطرح أكثر من سؤال، يقول التقرير، لأنه "إذا ما تم استثناء النساء اللواتي توجهن بحسن نية إلى بؤر التوتر انطلاقا من قناعة إيديولوجية ودينية "طاعة الزوج"، فتكون وضعيتهن كوضعية الذكور، أي مقاتلات مدانات بمضمون القانون الجنائي. غير أنه من منطلق مرجع الإطار الفكري الديني نجد الكثير من النساء التحقن بأزواجهن من منطلق (طاعة الزوج من طاعة الله)، ورغم ذلك سنواجه في هذا الموضوع صعوبة التمييز بين القناعتين، قناعة حسن النية، وقناعة توفر النية الإجرامية، فانتقال المرأة الى بؤر التوتر وهي تعرف أنها منطقة نزاع حتى ولو كانت مستندة على مبدأ طاعة الزوج لا يعفيها من وقوعها تحت طائلة الفعل الجرمي، لذلك هل نعتبرهن مجرد مشاركات؟ أم مرتكبات للفعل الجرمي المادي الرئيسي؟ خاصة وأن هناك اختلاف بين التنظيمات الإسلامية في توظيف النساء، فهناك من يوظفهن في القتال، وهناك تنظيمات أخرى لا توظف النساء في الجهاد أو القتال. ونعتقد أن ما للقضاء من السلطة التقديرية وإعمال ظروف التخفيف قد يساهم في التمييز بين المشاركات والمرتكبات للفعل الجرمي بنية وإرادة، وبين مدى توفر العنصر المعنوي من عدمه".
وذهب التقرير إلى أن "مشكلة النساء في بؤر التوتر لا تختزل فقط في مرافقة أزواجهن، فمنهن مقاتلات ومنهن من اشتغلن في مجال اللوجيستيك والإدارة، ومنهن من كن محرضات أساسيات حتى لأزواجهن، ومنهن من كن وراء رجوع أزواجهن من مناطق التوتر كنوع من العدول التلقائي عن الفعل الجرمي".
وشدد التقرير على أن "وجود المرأة في مناطق التوتر يطرح كذلك إشكاليات قانونية متعددة، حيث إن هناك نساء مغربيات بعد أن قتل أزواجهن تزوجن من مقاتلين آخرين، وقد يكونون من جنسيات أخرى، وقد ينجبن منهم أطفالاً، ويردن العودة مع أزواجهن المقاتلين اللذين ينتمون لجنسية ثالثة، وهناك عقود زواج تمت في هذه الظروف وفي تنظيمات غير شرعية، وهناك أرامل كانوا متزوجين من مغاربة أو من جنسيات أخرى ولكن بعقود غير قانونية، مثل عقود زواج يشرف عليها أمراء الحركات المتشددة، فنصبح هنا أمام وضعية قانونية مبنية على زواج فاسد أو باطل، يتعين التعامل معها ضرورة، لأنها أنتجت أطفالا".
ورأى التقرير أن "الإشكال القانوني في موضوع النساء حاضر بقوة، باعتبارهن الحلقة الأضعف في هذا الملف، مما أنشأ أوضاعا معقدة، فالمرأة بالرغم من احتمال أنها تكون غير مشاركة في الجريمة، فهي ضحية لهذه الوقائع كلها، لذلك يجب التعامل معها بكثير من الحذر الممزوج بالمصالحة الاجتماعية أولا، ثم الفكرية ثانيا، لكون ملف المرأة لا يمكن أن يتجزأ في اتجاه المراجعات إلا إذا كانت في ظل ظروف اجتماعية وأسرية تساعد على ذلك".
أما بالنسبة للأطفال، فقد رأى التقرير أنهم "من المواضيع المعقدة جداً في هذا الملف"، لأن "الطفل بالرغم من أن لا إرادة جرمية له، إلا أنه يوجد في صلب الجريمة، ورغم أن تجنيد الأطفال يعاقب عليه القانون الدولي والوطني، فإن هذه الحركات المتشددة استعملت الطفل بشكل كبير دعائيا وعسكريا، ورغم أن هذا القانون لا يعفي الطفل من العقوبة في سن معينة، فإن السؤال سيكون حول مدى توفر الإرادة من عدمها، ثم إن هذا الطفل سيكون محل إشكالات عدة في هذا الموضوع"، منها أن "هؤلاء الأطفال تربوا في مناطق التوتر، حيث تنتشر براتين الدم وتنعدم فيها الحدود الإنسانية وتستباح فيها الدماء، مما يلغي الحاجز النفسي لديهم، فتتحول تصرفاتهم من خلال هذه الجرائم إلى تصرفات خطيرة وغير محصورة"؛ وأنهم "الأطفال فقدوا انتماءهم الجغرافي وهويتهم وأصبح انتماؤهم مرتبطا أساسا ببؤر التوتر و"محاربة الكفار" والدفاع عن الحركات المتشددة"؛ كما أن "هؤلاء الأطفال الذين عاشوا في بؤر التوتر فقدوا مفهوم السلطة، وانزاحوا إلى تربية عدوانية يجب التعامل معهم على هذا الأساس قبل إدماجهم في المجتمع"، كما أن "هؤلاء الأطفال يعتقدون أن ما يقومون به مقدس، وأن غير المقدس هو الموجود لدى الاَخر، مما يجعلهم يرفضون ذلك الاَخر الذي قد يكون مصدراً لإعادة التأهيل وتربيتهم".
لذلك، يضيف التقرير، فإن "هذه القناعات تغلف فيها تلك البراءة الطفولية التي تم تحويرها نحو الجريمة، ونعتقد أن هذا الموضوع يتطلب الكثير من الحكمة والعلمية في التعامل مع هؤلاء الأطفال، فهم يحتاجون إلى إعادة التأهيل والتربية، وهذا يدخل في مجال المتخصصين في تربية الطفولة وما يحتاجه ذلك من إدراك علمي ووسائل تقنية دقيقة إلى غير ذلك، إضافة إلى ذلك يتعين الإجابة على السؤال التالي، هل يجب فصل هؤلاء الأطفال عن محيطهم، ثم عن المجتمع لإعادة تأهيلهم قبل إدماجهم من جديد؟ أم يتوجب إدماجهم في المجتمع وبعد ذلك مواكبتهم بالتأهيل؟".
ولاحظ التقرير أن "كلا السؤالين يطرحان إجابات معقدة، مما يتعين معه التفكير في طريقة علمية تربوية من شأنها وضع اليد على طريقة التعامل مع الأطفال لترتيب انتقالهم من تربية التوتر إلى ثقافة مجتمع عاد، رغم أن هذا الأخير قد يحمل تناقضات كما يحتمل عدة انزلاقات، وليس فقط إعادة تأهيل وتربية هؤلاء الأطفال هو المفروض، بل وضعيتهم القانونية تطرح أكثر من سؤال كالاَتي: إن هؤلاء الأطفال مرتبطون بأهاليهم، وإن نقلهم من بؤر التوتر وفصلهم عن عائلاتهم، يعتبر "من حيث الرؤية السطحية للقانون" أمرا مخالفا للقانون الدولي والوطني، لأنه لا يمكن فصل الطفل عن أسرته، غير أن الطبيعة الإجرامية لهذا الملف ووضعية الأطفال في هذا الملف والأسر، تجعل ترحيلهم من بؤر التوتر هو من مسؤولية الدولة؛ وإن وضعيتهم الوثائقية القانونية تطرح أكثر من سؤال، إذ لا يتوفرون على وثائق إثبات الهوية، وحتى إن أدلوا بوثائق فتكون صادرة عن جهة غير معترف بها قانونيا، وعن دول وهمية، ويبقى الأطفال المولودون من آباء مغاربة سواء كانوا بالمغرب أو مستقرين بدول أخرى، هم اللذين يمكن اعتماد أوراقهم الثبوتية، لأنها صادرة عن دول معترف بها ووفقا للقانون الدولي، ويمكن للآخرين أن يكونوا أبناء المغاربة أنفسهم لكنهم من زواج باطل أو فاسد لعدم ثبوت الوثائق الزوجية، وقد تكون المرأة متزوجة من زوج من جنسية ثالثة ولها أطفال منهم، أو أن الزوجة من جنسية أخرى والزوج مغربي، وهذا يطرح أكثر من سؤال". لذلك إذا كان من المفروض قانونا أن النيابة العامة ملزمة بتصحيح الوضعية المدنية للأطفال المغاربة من أصول مغربية إذا لم يتوفروا على وال أمرهم للقيام بذلك، أو رفض هذا الوالي القيام بذلك، فإن الأمر يزداد تعقيدا حينما يكون الطفل خارج التراب الوطني في دولة أخرى، أو أنه نظرا لوفاة الوالدين الحاملين للجنسية المغربية، فهنا تعرقل هذه الأسباب مسطرة إثبات الهوية".
وزاد التقرير أن هذه "التعقيدات القانونية التي يعرفها هذا الملف تجعل منه ملفا شائكاً يحتاج إلى ذكاء جماعي للتعامل معه، لأن الحصول على الهوية هو الخطوة الأولى نحو العلاج النفسي، ونحو الانتماء والشعور بالأمن الداخلي والاستقرار النفسي".
طرق الحل
رأى التقرير أن العالم يقترح حلاً لهذا الإشكال من خلال نظريتين، الأولى نظرية الحل الوطني، والثانية نظرية الحل الدولي. فعلى مستوى الحل الوطني، أشار التقرير إلى أن بعض الدول وخاصة التي لا تتوفر على عدد كبير من المقاتلين ببؤر التوتر تعتقد أن "الحل الوطني المحلي هو الأفضل، من خلال إرجاع المقاتلين ومحاكمتهم محليا أو أن يكون ذلك بإجراء مصالحات وإعادة التربية وتأهيل الأطفال المقاتلين، غير أن هذا الطرح يكون سهل التطبيق بالنسبة للدول التي تتوفر على عدد قليل من المقاتلين"، فيما يكمن الحل الدولي في "العمل من أجل معالجة المشكل من أصله، أي أن معالجة ملف المقاتلين مرتبط باللا استقرار والتوتر التي تعرفه الكثير من مناطق العالم، فالمقاتلون ينتقلون إلى بؤر التوتر داخل كل بلد تعرف فيه الدولة ضعفاً بدرجة فقدانها لزمام الأمور الأمنية، فتنهار تلك الدول، مما يؤدي الى انتشار الإرهاب بها، وهذا الأمر يسمح بسهولة بانتقال هؤلاء من بؤر التوتر الى أخرى".
وتساءل التقرير: "هل يجب حل الأزمات الدولية من أجل تطويق بؤر التوتر وتفكيك هذه الحركات؟"، قبل أن يشير إلى أن هذه "الوضعية يحكمها ما هو سياسي أكثر مما هو أمني" وأن "هذا الحل الدولي يحتاج الى اتفاقيات دولية تضم كل ما هو أمني وما هو مؤسساتي وسياسي، مع توفر إرادة دولية في هذا الاتجاه وقيام الدول بتنازل عن بعض من سيادتها القضائية والأمنية لإيجاد حلول لهذا الموضوع".
ورأى التقرير أن هذا "الاقتراح رغم وجاهته، يحتاج إلى وقت طويل لتتوافق الإرادات الدولية والمصادقة على الاتفاقيات، مما يقتضيه ذلك من المساطر التي تستهلك الكثير من الوقت والزمن، في حين تكتسي معالجة هذا الإشكال نوع من الاستعجالية، وأن أي تأخير فيه قد يكلف أمنيا، لأن تشتت المقاتلين في دول وتفريخ مقاتلين جدد، إضافة إلى خطورة كبر الأطفال وتحولهم إلى مقاتلين أشد قساوة، كل هذه الأمور تهدد بأعمال إرهابية، لن تنتظر توافق الإرادات الدولية والمصادقة على الاتفاقيات مع ما يستهلك ذلك الكثير من الوقت والزمن".
وتحدث التقرير عن حل ثالث يسعى إلى ضرورة التوفيق بين الحل الوطني والحل الدولي، ويتطلب "الكثير من التعاون الدولي على المستوى الأمني، وتبادل المعلومات حول هؤلاء المقاتلين وعائلاتهم، غير أنه على المستوى الوطني يجب التعامل مع كل حالة على حدة، سواء كان مقاتلا أو امرأة أو طفلا، كما أنه على المستوى الدولي فالتعاون حول هؤلاء الأشخاص يجب أن يكون بنَّاءً ومبنيا على تصور فكري وقانوني وأمني مشترك لاتخاذ القرار القضائي المناسب والإداري الأنسب، غير أن هذا الحل المختلط يحتاج لإعمال الاتفاقيات الدولية منها اتفاقيات تبادل المجرمين أو تبادل المعلومات بنوع من السرعة والمصداقية وهو ما يصعب أحيانا".
توصيات
خلصت اللجنة إلى اعتماد توصيات من صنفين، يهمان المستوى القانوني والمؤسساتي والإداري والمستوى الاجتماعي والإنساني والفكري.
فعلى المستوى القانوني والمؤسساتي والإداري، أوصت بإصدار قوانين إطار وقوانين تضع الإطار التشريعي لمعالجة الأوضاع الخاصة والاستثنائية التي يوجد فيها الأطفال والنساء المغاربة العالقون في بؤر التوتر في سوريا والعراق، من أجل تسهيل عملية إرجاعهم بشكل سريع وإدماجهم في ظروف سليمة في محيطهم العائلي والاجتماعي، مع دعوة السلطات الحكومية المغربية إلى العمل في أقرب الآجال من أجل التوقيع على مشاريع اتفاقيات التعاون القضائي والقانوني بين المملكة المغربية والجمهورية العراقية لتسهيل عملية نقل الأشخاص المحكوم عليهم بين البلدين، مع إعمال مضمون اتفاقية نقل الأشخاص المحكوم عليهم الموقعة مع الجمهورية السورية خلال أبريل 2006.
كما أوصت بإحداث مؤسسة وطنية تتكفل بتدبير هذا الملف، بالتنسيق مع الحكومة والمجتمع المدني الفاعل في المجال والمؤسسات الدينية والمؤسسات البحثية والأكاديمية ومختلف المؤسسات الدستورية والقضائية والأمنية المعنية، وكذا مع الفاعلين المعنيين من الأطباء النفسانيين وعلماء الاجتماع وأساتذة التكوين المهني ومؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء وغيرها من الأطراف، ويمكن لهذه المؤسسة أن تنهض ببعض المهام المذكورة في هذا الباب.
كما أوصت بتطوير الجانب المؤسساتي المتعلق بالمصاحبة وإعادة الإدماج بنفس مستوى التطور الذي يعرفه الجانب الاستباقي في منع العمليات الإرهابية وفي محاربة التطرف؛ وتأهيل مؤسسات الرعاية الاجتماعية بالمغرب للتأطير الخاص والايجابي للأطفال العائدين من بؤر التوتر بسوريا والعراق؛ وإنشاء هيئة تنسيقية لجمع المعطيات الميدانية المتعلقة بكل جوانب موضوع الأطفال والنساء العالقين في بؤر التوتر في سوريا والعراق (جمع المعطيات والإحصائيات والمعلومات رصد وتتبع الصعوبات والمشاكل وتطبيق الحلول)؛ وإنشاء هيئة الوساطة بين الأطفال العائدين وعائلاتهم ومؤسسات المجتمع المغربي المختصة في الإدماج والاندماج لتسهيل الإجراءات ومواكبة تطبيق الحلول؛ وإحداث آلية برلمانية مغربية تعنى بالتواصل وتبادل المعلومات مع برلمانيي كل من سوريا والعراق في شأن الأطفال والنساء العالقين في بؤر التوتر داخل هذين البلدين؛ وإحداث قنوات رسمية ودعم المنظمات والجمعيات العاملة في مجال اللاجئين وحقوق الإنسان للتحقق من المعلومات والمعطيات حول وضعية الأطفال والنساء العالقين في بؤر التوتر بسوريا والعراق؛ مع السعي لإنشاء مؤسسة دولية تعنى بالملف على الصعيد الدولي؛ فضلا عن إشراك المؤسسة الأمنية في المقاربة الشاملة لحل هذا الملف لما تملكه من تجربة ورصيد احترافي في محاربة الإرهاب والتطرف وتتبع خطوات المقاتلين داخليا وخارجيا وما أبانت عنه من حس احترافي في هذا الموضوع بات محط إشادة دولية.
أما على المستوى الاجتماعي والإنساني والفكري، فتتحدد التوصيات في توفير الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال والنساء العالقين في بؤر التوتر في سوريا والعراق؛ وإنشاء جسور التواصل بين الأطفال والنساء العالقين في بؤر التوتر بسوريا والعراق وعائلاتهم وأقاربهم وأصدقائهم بالمغرب، مع اعتماد سياسة لإدماج العائدين في محيطهم الاجتماعي والعائلي والتعليمي والمهني؛ وكذا تعزيز دور المجتمع المدني ومختلف مؤسسات المجتمع التي تقوم بمهام التنشئة التربوية والاجتماعية، للعمل إلى جانب الأسر من أجل تعزيز الإدماج المجتمعي؛ علاوة على اعتماد برامج للتأهيل الفكري للعائدين، قصد تحقيق الحصانة الفكرية ضد العنف والإرهاب وترسيخ قيم الوسطية والاعتدال والتسامح؛ مع اعتماد مقاربة النوع الاجتماعي في إعداد وتصميم وتقييم السياسات التي تهدف لمكافحة التطرف، باعتبار القدرة الاستباقية المتاحة للمرأة ولوظيفتها التربوية والنفسية والسلوكية القادرة على جس نبض التحولات في حياة وسلوكيات أولادها.
التعليقات