باريس: صلاح عبد السلام الذي التزم الصمت أثناء التحقيق وكان من الضروري في بعض الأحيان قطع الميكروفون لإسكاته في محاكمة المتهمين بهجمات 13 تشرين الثاني/نوفمبر، قدم نفسه أمام المحكمة على أنه "مقاتل من تنظيم الدولة الإسلامية"، لكنه مرتكب جنح صغير كان يحب اللهو وأصبح جهاديا في وقت متأخر.

وعبد السلام العضو الوحيد الذي بقي على قيد الحياة من المجموعة المسلحة التي قتلت 130 شخصًا في باريس وسان دوني، سيكون أول من يجيب على أسئلة محكمة الجنايات الخاصة التي تدرس بدءا من الثلاثاء مسارات المتهمين قبل الهجمات.

ليل 13 إلى 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 كان يرتدي حزاما مفخخا لم ينفجر. وأكد في رسالة عثر عليها المحققون ونسبت إليه انه كان يريد "الانضمام الى سائر إخواني" والموت "شهيدا" لكن عطلا ما طرأ على حزامه الناسف.

وهو بقي هاربا أربعة أشهر رغم إعلانه مطلوباً خطراً ونشر صوره بشكل متواصل في كل أنحاء أوروبا.

لكن مطاردته انتهت في 18 آذار/مارس 2016، وأوقف في حي "كاتر فان" في منطقة مولنبيك في العاصمة البلجيكية، بعد ثلاثة أيام على تبادل إطلاق نار مع الشرطة في بروكسل.

ووجهت إلى الرجل في فرنسا تهمة اعتداءات ارهابية، وبات السجين الأكثر خضوعاً للمراقبة في فرنسا، وأودع سجن فلوري ميروجي الى جنوب باريس.

يبدو عبد السلام من ملفه الشخصي أنه من أصحاب الجنح الصغيرة. وقد أدين عشر مرات بارتكاب مخالفات مرورية أو أعمال عنف أو محاولة سطو في 2010 مع صديق طفولته عبد الحميد أباعود الذي اصبح منسق هجمات 13 تشرين الثاني/نوفمبر.

ويقول جيران له إنه كان يحب الحفلات الكبيرة ويشرب الكحول ويدخن ويرتاد الكازينوهات وغالبا ما يكون لديه "صديقات". ولم يكن يعمل بل يتسكع في المقاهي، خصوصا مقهى شقيقه الأكبر إبراهيم الذي كان بين مطلقي النار على شرفات مطاعم باريسية.

كان يصلي أحيانا لكن ليس في المواعيد الصحيحة. ومنذ نهاية 2014 بدأ التحدث عن سوريا، واقترح على خطيبته التوجه إلى هناك. لكنها لم تأخذ الأمر على محمل الجد لأنه أمضى "ثلاثة أرباع حياته" في ملاه ليلية.

وقف المشروبات

لكنّ مقربين منه لاحظوا أن الأخوين عبد السلام بدآ "رحلة الدولة الإسلامية". فقد توقفا عن شرب الكحول وباتا يهتمان بالدين.

وفي الحانة التي يديرها إبراهيم، باتوا يجتمعون لمشاهدة مقاطع الفيديو الجهادية و"الدعوات إلى الحرب".

في كانون الثاني/يناير 2015، أبلغت الشرطة برغبة عبد السلام في الرحيل. في شباط/فبراير استُدعي إلى مركز الشرطة للتحدث عن عبد الحميد أباعود الذي غادر إلى سوريا. قال إنه "رجل لطيف" مؤكدا أنه لم يلتق به منذ فترة طويلة.

وفي السنة نفسها، تكثفت رحلاته عبر اوروبا، إلى اليونان في مطلع آب/اغسطس ثم النمسا والمجر التي عبرتها حشود اللاجئين الفارين من سوريا.

قبل أيام قليلة من الاعتداءات، تناول العشاء للمرة الأخيرة مع خطيبته وبكى كثيرا على حد قولها بينما كان أقرباؤه يعتقدون أنه ذهب لممارسة رياضة التزلج.

في السيارة التي قامت بتهريبه إلى بلجيكا ليل 13 إلى 14 تشرين الثاني/نوفمبر بكى كثيرا بسبب موت شقيقه "الانتحاري".

لغز المهمة

ما زالت مهمته الدقيقة لغزا. وقد ذكرها مرة واحدة فقط بعد اعتقاله مباشرة. وقال "أردت أن أفجر نفسي في استاد فرنسا لكنني تراجعت".

لكن المحققين يعتقدون أن حزامه الناسف كان معطلا.

وكتب في رسالة نسبت إليه "كنت أتمنى أن أكون من الشهداء (...) أود فقط أن أكون أكثر استعدادا للمستقبل".

وخلال محاكمته في بلجيكا حيث حُكم عليه بالسجن لمدة 20 عاما لإطلاق النار مع الشرطة قبل اعتقاله، بدا إسلاميا مقتنعا، وكذلك خلال محاكمته في فرنسا من اليوم الأول في الثامن من أيلول/سبتمبر.

وقدم نفسه على أنه "مقاتل من الدولة الإسلامية"، ثم انتزع فرصة ليتحدث من أجل التنديد، وقوفا ورافعا سبابته، بظروف احتجازه. وقال "نُعامل مثل الكلاب"، قبل أن يقطع رئيس المحكمة الميكروفون.