بيرون (اندونيسيا): أمضى الصياد ايدي سابوترا (39 عامًا) أربعة أيام في البحر قبالة سواحل مقاطعة آتشيه الإندونيسية قبل أن يتلقّى اتصالًا من صديق يطلب منه أن يأتي بسرعة، بعد أن رصد هذا الأخير قاربًأ مزدحمًا بلاجئين تبيّن أنهم من أقلية الروهينغا المسلمة المضطهدة في بورما.

هرع سابوترا وصيّادون آخرون إلى المكان على بعد 30 ميلًا حيث كان ينتظرهم صديق قرب مركب خشبي صغير تجرفه مياه المحيط بمن فيه من نساء وأطفال حسبما أظهر مقطع فيديو.

"عندما وصلنا إلى هناك، كلّمونا باستخدام لغة الإشارة، طالبين الطعام والماء"، حسبما قال لوكالة فرانس برس، مضيفًا "لم نكن نملك الكثير من الطعام في حينها لأن قاربنا كان صغيرًا، ولكننا أعطينانهم كل ما معنا".


(مهاجرون من الروهينغا يتابعون وصولهم بالقارب إلى لوكسيوماوي، أتشيه. 7 أيلول/سبتمبر 2020)

يتناقض كرم وتعاطف سكان آتشيه حيال الروهينغا مع موقف سلطات اندونيسيا والدول المجاورة التي تنبذ هؤلاء اللاجئين.

وأشار سابوترا إلى أن المهاجرين كانوا في حالة يُرثى لها عندما عثروا عليهم في البحر في 25 كانون الأول/ديسمبر بعد أن أمضوا 26 يومًا في المحيط الهندي بسبب تعطّل محرّك القارب الذي يقلّهم.

كانت المياه تتسلل إلى زورقهم الخشبي المكتظّ في ظلّ أحوال جوية سيئة تهدّد بحصول كارثة على متنه.

وقال "أردت أن أساعدهم ... كان هناك الكثير من الأطفال والنساء. بكيت عندما رأيت الأطفال لأنني تذكّرت أطفالي في البيت".

وأضاف سابوترا أن الصيادين أجروا اتصالًا لاسلكيًا من الموقع إلى السلطات، وظلوا قرب الزورق المنكوب تحسّبًا لأي حالة غرق محتملة.

وتابع "بقينا هناك طيلة يومين لمراقبتهم وحمايتهم ... تواصلنا مع صيّادين آخرين في آتشيه ليأتوا لأن الطعام نفد منا. أتوا ومعهم الطعام وشاركوه مع الروهينغا".

بحلول الوقت الذي عاد فيه سابوترا إلى قرية الصيد في بيرون على بعد نحو 70 ميلًا، اهتمّ نحو 30 قاربًا بحراسة الروهينغا، بحسب قوله.

وروى أن "جميعهم أرادوا المساعدة وسحبهم إلى اليابسة، لكن لم نكن قادرين على ذلك".

وأفاد زعماء محليون أن بعض الصيادين خشوا من عواقب إحضار المهاجرين إلى إندونيسيا دون موافقة رسمية.

وجعلت ذكريات عقود من الصراع الدموي العديد من سكان آتشيه أكثر تعاطفًا مع محنة اللاجئين المسلمين.

وقالت فردوس نوزولا (29 عامًا) "نحن سكان آتشيه عانينا قرابة 30 عامًا من الصراع المرير في الماضي. في ذلك الوقت تعاونت العديد من المجتمعات الدولية بهدف مساعدتنا... واجبنا أن نمد يد العون لمن يحتاج مساعدتنا في البحر".

غير أن السلطات الاندونيسية أعلنت الثلاثاء أنها زوّدت المهاجرين بالطعام والإمدادات وأرسلت فنيًا لإصلاح زورقهم.

وقال متحدث باسم الشرطة في مقاطعة آتشيه لوكالة فرانس برس "نتمنّى أن تساعد (الإمدادات) الروهينغا على مواصلة رحلتهم إلى ماليزيا مثلما كانوا ينوون ويخطّطون".

وأثارت لامبالاة السلطات غضبًا محليًا، فتجمّع أشخاص الأربعاء على شاطئ بيرون لمطالبة الحكومة بالسماح بإحضار المهاجرين إلى الشاطئ، حسبما أفاد ممثلون عن مؤسسة غوتانيو وهي منظمة غير حكومية محلية.

وأثار انتشار مقاطع فيديو صوّرها الصيادون على مواقع التواصل الاجتماعي تعاطفًا شعبيًا مع الروهينغا في آتشيه.

وقال واهيودي (35 عامًا) من سكّان بيرون "يجب أن يُعاملوا بلطف ككائنات بشرية"، معتبرًا أن إعادة المهاجرين إلى برّ الأمان هو تذكير بماضي آتشيه المضطرب.

وأضاف "لقد كنا في الوضع نفسه ونختبر نفس" معاناة الروهينغا متابعًا "هربنا عبر البحر وساعدنا أشخاص من مختلف البلدان".

أعلنت الحكومة مساء الأربعاء أنها ستُنزل المهاجرين على الشاطئ، بعد اجتماع استمر طيلة النهار بين مسؤولين في بيرون.

وقال أرميد ويجايا الذي يرأس فرقة العمل الوطنية المعنية بشؤون اللاجئين "اتُّخذ القرار بعد النظر في حالة اللاجئين الطارئة على ذلك القارب".

وأعلنت منظمة العفو الدولية في اندونيسيا في بيان إثر قرار الحكومة أن "الفضل لمجتمع الصيّادين في آتشيه الذين بذلوا جهودًا كبيرة وخاطروا من أجل جلب هؤلاء الأطفال والنساء والرجال إلى الشاطئ".

وأضافت "أظهروا أجمل ما في الانسانية".