بيروت: على بعد مئات الأمتار من مرفأ بيروت الذي شهد قبل عامين انفجاراً ضخماً دمّر أحياء من العاصمة اللبنانية، زيّنت صور قديمة للمدينة وملصقات لأفلام تناولتها معرضاً افتُتح السبت، عُرضت على شاشات موزعة فيه خمسة أشرطة "اكتشاف بيروت ما قبل الحرب" استندت على مشاهد من نحو 50 عملاً سينمائيا.

وتتناول الأفلام الخمسة التي أعدّها المخرج هادي زكاك وتُعرَض في إطار مهرجان أيام بيروت السينمائية "ذاكرة المنطقة الممتدّة من مرفأ بيروت وصولاً الى الفنادق مروراً بوسط المدينة التجاري"، وفق البيان الاعلامي للمعرض الذي يقام بالتعاون مع المؤسسة العربية للصورة وجهات أخرى، ويستمر إلى 22 حزيران/يونيو في مركز مينا للصورة.

وقال زكاك (48 عاماً) لوكالة فرانس برس إن العمل الذي يتيح إعادة "اكتشاف بيروت ما قبل الحرب" بين العامين 1935 و1975، "ليس من قبيل الحنين ولا التغني بالماضي بقدر ما هو حوار مستمر بين الماضي والحاضر"، أراد من خلاله أن يُظهِر "أن ثمة الكثير من الإشارات، حتى في الماضي الجميل، إلى ما (جرى) في المستقبل".

واستند زكاك الذي عُرف بأفلامه الوثائقية و"يسعى الى ان يوثق الذاكرة السينمائية اللبنانية"، بحسب البيان، على خمسين فيلماً روائياً طويلاً لبنانياً وعربياً وأجنبياً أجرى توليفاً لمشاهد منها عن بيروت، بحسب الأمكنة التي تناولتها.

وأوضح المخرج الذي أصدر كتاباً عام 1997 عن تاريخ السينما اللبنانية أن "من الصعب العثور اليوم على بعض هذه الأفلام" التي واظب على جمعها منذ سنوات، مشيراً إلى أن "بينها انتاجات أوروبية، من المانية وإسبانية وإيطاليا وفرنسية، وأخرى عربية، وخصوصاً مصرية وسورية، وثمة أفلام تركية ويوجد حتى فيلم هندي".

وإذ لاحظ أن "الأفلام الروائية تصبح مع الوقت أرشيفاً عن المدينة"، أبرزَ أن في كل واحد من أشرطته الخمسة "تلميحاً إلى أن في بيروت شيئاً ما سينفجر".

وشدد زكاك في تصريحه لوكاله فرانس برس على أن المنطقة التي اختار التركيز عليها في أشرطته الخمسة "تنطوي على رمزية كبيرة وتمثّل مفهوم بيروت عموماً، وشهدت فصولاً عنيفة من الحرب الأهلية وكانت الخط الفاصل بين شطري بيروت المنقسمة". كذلك هي "المنطقة التي كانت دائماً تعكس انقسامات لبنان (...) وتشكّل صورة مصغّرة عنه"، على قوله.

ورأى أن "تجربة المُشاهد مع هذه الأشرطة ستختلف بحسب الجيل الذي ينتمي إليه، فمن يعرف بيروت القديمة سيشعر بحنين قوي جداً، ولكن ثمة من سيكتشف مدينة أخرى لم تعد موجودة، وخصوصاً وسط المدينة الذي كان قلباً نابضاً ومكاناً تجتمع فيه كل الطبقات الاجتماعية".

ويبدأ العمل بفيلم قصير بعنوان "أهلا بكم في بيروت" "يتعرف فيه المشاهد على دافع مجيء شخصيات الأفلام إلى بيروت، فيلاحظ (...) مقاربة مختلفة جداً بين أفلام لبنانية وعربية غالباً ما تكون فيها نظرة انبهار بالمدينة، في مقابل الأجنبي الآتي مع أجندته كعميل سري في مهمة، ولا تختلف المدينة بالنسبة إلى نظرته الاستشراقية عن أي مدينة عربية أخرى"، بحسب زكاك.

ويتمحور الفيلم الثاني على مرفأ بيروت، "وهو اليوم مكان ينطوي على الكثير من الرمزيات، لكنّه شكّل دائماً في الأفلام اللبنانيّة محطة للهجرة، ولاستقبال السياح في بعض الأفلام المصريّة والأجنبيّة"، و"كان أيضاً مسرحاً للعمليّات المشبوهة المتمثّلة بالتهريب وخصوصاً في أفلام الجريمة والتجسس الأجنبيّة (...) وأصبح الخطر على مدينة بيروت مصدره المرفأ وما يخفيه من بضاعة ومطلوبين".

أما الشريط الثالث فيركّز على وسط المدينة المعروف بـ"البلد"، و"من خلاله يكتشف المُشاهد كل تفاصيل بيروت، من زحمتها واهمية ساحاتها وتنوّع أسواقها، حيث يتجاور سوق الخضار مع الأسواق التجارية كسوق الطويلة وشارع المصارف والمراكز التجارية الحديثة التي بدأت تظهر في المدينة".

وفي الشريط الرابع "أوتيل بيروت"، الموضوع هو "الفندق الذي غالباً ما يتجه إليه الزائر العربي، أو الأجنبي من خلال أفلام التجسس الأوروبيّة التي ظهرت بقوة خلال الستينات وإبان الحرب الباردة". ولاحظ زكاك أن "ألأبرز سينمائياً بين هذه الفنادق هو +فينيسيا+ الذي كان واجهة الحداثة في بيروت، وكذلك +سان جورج+ قبل أن يظهر لمدة قصيرة جداً فندق هوليداي إن".

وينقل الفيلم الأخير "كباريه بيروت" إلى "أجواء الحياة الليلية لبيروت، ويعكس هوية المدينة كخليط بين أجواء شرقية وأجنبية غربية، يبحث فيها الأجنبي عن الرقص الشرقي، ويسعى اللبناني إلى أن يكون غربياً، وفيه تلميح إلى أن هذه الهويات ستنفجر في النهاية بطريقة معينة"، وفق زكاك.

ولم يستبعد زكاك أن يجمع أجزاء عمله الخمسة المقسّمة بحسب الأماكن، مشيراً إلى أنه "معدّ ليكون فيلماً واحداً على مدى ساعة ونصف ساعة".