النجف (العراق): حُفرت مدافن جديدة في مقبرة في النجف لأنصار مقتدى الصدر الذين قتلوا خلال المواجهات الأخيرة في بغداد... رغم ذلك، يؤكد مؤيدون لرجل الدين الشيعي النافذ أنهم لا يزالون مستعدين "للاستشهاد" إذا طلب منهم زعيمهم ذلك.

وشهدت المنطقة الخضراء في وسط بغداد منتصف الأسبوع الماضي مواجهات مسلحة استمرت 24 ساعة بين أنصار الصدر من جهة وقوات الجيش وعناصر الحشد الشعبي من جهة ثانية، خلفت أكثر من 30 قتيلاً ومئات الجرحى من أنصار التيار الصدري الذين توفي بعضهم بعد أيام متأثرين بجراحهم.

وألقى أنصار الزعيم الديني والسياسي سلاحهم المؤلف من بنادق وقاذفات صواريخ ورشاشات ثقيلة، الثلاثاء وانسحبوا من الشارع، تلبية لأمر أصدره الصدر الثلاثاء الماضي.

ويتوقع موسى عباس، وهو عامل مطعم عمره 21 عاما، جاء للمشاركة في دفن رفاقه الذين سقطوا في المواجهات، أن يُستأنف القتال.

ويقول الشاب الصدري لوكالة فرانس برس إنه "مستعد أن يُكمل المواجهة"، مضيفاً "إذا إستمر هذا الفساد وإستمر الإطار و غير الإطار، هناك دماء غير التي سقطت هناك"، في إشارة الى الإطار التنسيقي الذي يشكّل الواجهة السياسية لقوات الحشد الشعبي الموالية لإيران.

ويضيف "إذا سقط شهيدا منا يأتي عشرة بدلاً عنه. (...) مثلما ضحوا بدمهم من أجلنا، يجب أن ندافع من أجلهم".

وكان أنصار التيار الصدري خرجوا الى الشارع بالآلاف بعد إعلان الصدر، أحد أبرز الشخصيات السياسية في العراق منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، عن "الاعتزال النهائي" للعمل السياسي، وكانت حشود من أنصاره تعتصم منذ أسابيع قرب البرلمان الواقع في المنطقة الخضراء الشديدة التحصين وحيث مقر الحكومة والبعثات الدبلوماسية.

ويقدّم الصدر نفسه على أنه زعيم "الإصلاح" ضد الطبقة السياسية الحاكمة التي يتهمها ب"الفساد".

واقتحم الآلاف من أنصاره المنطقة الخضراء و"القصر الجمهوري" أو "قصر الحكومة"، مقر مجلس الوزراء، وسيطروا على مؤسسات حكومية مهمة في مناطق عدة.

وووجهوا بالغاز المسيل للدموع والرصاص الحي، ثم اشتبك عناصر سرايا السلام، (القوة العسكرية لتيار الصدر، مع قوات من الجيش والحشد الشعبي.

ومثّلت المواجهات قمة الخلافات حول الأزمة السياسية التي يمرّ بها العراق منذ الانتخابات التشريعية في تشرين الأول/أكتوبر 2021. إذ حالت الانقسامات الحادة بين الأطراف السياسية دون اختيار رئيس وزراء وتشكيل حكومة.

كما لم يتكم البرلمان من انتخاب رئيس جمهورية.

ويتمسك أنصار الصدر وبينهم طالب سعد، ستيني من محافظة واسط (وسط العراق)، بالوقوف الى جانب مقتدى الصدر.

ويقول سعد الذي شارك في المواجهات التي دارت الأسبوع الماضي، متحدثاً من مقبرة النجف وهو يشير لصور "شهداء" وضعت حولها ورود بلاستيكية "أنا مستعد أن أكون أول الشهداء (...) أتمنى أن أًدفنْ هنا".

وتعد مدينة النجف معقل مقتدى الصدر الذي يستمد شرعيته من والده آية الله محمد الصدر الذي اغتيل في زمن نظام صدام حسين عام 1999.

ويقع في مدينة النجف، المقدسة لدى الشيعة، مرقد الأمام علي صهر النبي محمد وأبرز رموز الإسلام خصوصا لدى الشيعة.

وعلى الرغم من عدم تولي التيار الصدري الحكم، يتمتع الصدر بنفوذ واسع في عدد كبير من الوزارات والمؤسسات الحكومية، وبولاء ملايين من أنصاره الذين لا يتأخرون عن تنفيذ أوامره بإشارة من سبابته.

وكان هذا واضحاً عندما توقفت المواجهات وانسحب أنصاره بأمر منه من الشارع، يوم الثلاثاء الماضي.

كذلك الولاء واضح في هذه المقبرة التي أنشأت عام 2004 لدفن قتلى جيش المهدي، أول فصيل مسلح شكل بعد عام 2003 تابع للتيار الصدري.

ويؤكد صادق جابر (16 عاما) من بغداد، "كأتباع، نحن تحت أمر السيد القائد مقتدى الصدر، نحن حاضرون لما يريد، كلنا مع أطفالنا وشيبنا وشبابنا وبيوتنا، كلنا تحت خيمة السيد القائد".

ويرى الشاب أن "الشهداء سيستمرون ما دامت هذه الحكومة موجودة (...) الأمور لن تهدأ".

ويشهد العراق منذ الانتخابات البرلمانية المبكرة في تشرين الأول/أكتوبر 2021، شللا سياسيا تاما.

وبلغ الخلاف السياسي أوجه مع بدء مطالبة التيار الصدري منذ أكثر من شهر بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة من أجل السير بالبلاد على طريق الإصلاحات في ظل رفض خصومه في الإطار التنسيقي هذا التوجه، وإصرارهم على تشكيل حكومة قبل انتخابات جديدة.

ويرى فاضل البديري، أحد المراجع الشيعة في النجف، أن "المصالحة مستحيلة" حالياً.

ويقول "نأمل الخير، إلا إن الواقع لا يُبشر بالخير".