باريس: من الدعاية الإعلامية إلى الضغوط والتجسس، تتزايد الشكوك في معاهد كونفوشيوس الصينية الثقافية، ما يجبر سلطات بعض الدول على إغلاقها وسلطات بكين على إعادة تنظيمها.

مؤخرا، صدرت انتقادات حادة من ألمانيا لتعكس تغييرا في لهجة القوة الأوروبية الأولى التي سايرت بكين لفترة طويلة لتضمن لشركاتها منافذ ثمينة إلى السوق الصينية.

وقالت وزيرة التعليم الألمانية بيتينا شتارك فاتسينغر في منتصف حزيران/يونيو "لو كنت رئيسة جامعة، لن يكون هناك معهد كونفوشيوس لدي". وأشارت إلى أن هذه المعاهد التي "تساهم بكين في تمويلها (...) يستخدمها الحزب الشيوعي أداة لغايات سياسية".

ومضت وزارة الداخلية الألمانية أبعد من ذلك عبر اعتبار التعاون بين الجامعات الألمانية ومعاهد كونفوشيوس "بالغ الأهمية من وجهة نظر أمنية"، مع وجود خطر "تبعية وبالتالي تقييد خبيث للحرية الأكاديمية".

وتهدف معاهد كونفوشيوس إلى نشر الثقافة الصينية عبر تعليم اللغة وتنظيم معارض وعروض وغيرها.

وقد أبرم كثير منها شراكات مع جامعات تتمركز داخلها مباشرة بينما تؤمن السلطات الصينية الأساتذة والمواد التعليمية وتمويلا سخيا.

إغلاق

ومنذ إطلاق أول معهد في سيول في 2004 ، ارتفع عدد هذه المراكز إلى نحو 550 في أكثر من 150 دولة بحسب تقرير يعود إلى 2019 نُشر على الموقع الإلكتروني للهيئة الصينية المسؤولة عن المعاهد.

لكن العديد من المعاهد أغلقت أبوابها في السنوات الأخيرة ولا سيما في السويد وفرنسا وأستراليا وكندا، واتهمت غالبا بالدعاية أو حتى بالتجسس لحساب بكين.

ويؤكد "معهد البحث الاستراتيجي للكلية العسكرية" في تقرير نُشر في نهاية 2021 أن "الجهود الصينية تصطدم بمعارضة متزايدة أدت إلى إبطاء إنشاء مؤسسات جديدة".

واضاف التقرير أنها تتهم خصوصا بالضغط على المعلمين لتجنب المواد الحساسة (التيبت وتايوان وشينجيانغ وحقوق الإنسان...)، وبفرض قيود على حرية التعبير وعلى ممارسة العبادة ضد المعلمين (حظر الممارسات المرتبطة خصوصا بفالون غونغ الحركة الروحية المحظورة في الصين منذ 1999 وتعتبرها بكين طائفة) أو بنقص الشفافية في علاقاتها بالهيئة المشرفة التي تحمل اسم "هانبان" والقريبة من الحزب الشيوعي الصيني.

وكمثال على ذلك، أُغلق معهد كونفوشيوس في ليون العام 2013 بعد نزاع بين مدير صيني حديث ومسؤولين غير صينيين شجبوا التشكيك في المحتوى التعليمي والضغط من أجل تعزيز اندماج المعهد في جامعة ليون 3 و"تدخل هيكل منبثق من الدولة الصينية في الجامعة ".

في الولايات المتحدة حيث يتفاقم عداء السلطات ضد هذه المؤسسات بشكل خاص، أغلق أو بات على وشك الإغلاق ما يصل إلى 104 معاهد من أصل عدد إجمالي يبلغ 118 معهدًا ، كما أشارت المنظمة المحافظة الرابطة الوطنية للجامعيين في حزيران/يونيو.

ويصنف القانون الأميركي "المركز الأميركي لمعاهد كونفوشيوس" على أنه "بعثة دبلوماسية" مما يجعل هذه المؤسسات خاضعة لمراقبة أكبر في عملها.

في هذا السياق أعادت وزارة التربية والتعليم الصينية تنظيم أنشطتها في الخارج في 2020 ما أدى إلى زوال هيئة "هانبان" التي كانت تواجه انتقادات.

والبديل؟ مركز لتعليم اللغة والتعاون ومؤسسة غير حكومية لتعليم اللغة الصينية في الخارج مسؤولة عن الإشراف على المعاهد.

التفسير الغربي الخاطئ

ويهدف هذا التطور إلى "تبديد التفسير الغربي الخاطئ بأن المنظمة كانت ماكينة تسويق أيديولوجية للصين"، بحسب ما ذكرت صحيفة غلوبال تايمز المتفرعة من صحيفة الشعب اليومية، الناطقة الرسمية الأولى باسم الحزب الشيوعي الصيني الحاكم.

لكن "مراقبين" قالوا للصحيفة إنهم لا يتوقعون أكثر من "تأثيرات محدودة في البلدان التي تسود فيها مشاعر معادية للصين وتم التشهير فيها عمداً بالمعاهد".

قال ماتي سيمالسيك مدير معهد أوروبا الوسطى للدراسات الآسيوية لوكالة فرانس برس إن "معاهد كونفوشيوس تخضع لمراقبة متزايدة والحكومة الصينية تتحرك لكن ليس بطريقة تسمح للمعاهد بالعمل بشكل مستقل وعدم استخدامها لأغراض سياسية".

وتحدث المعهد الواقع في سلوفاكيا عن استنكار في أوروبا "لانخفاض مستوى الاهتمام بالمخاطر المرتبطة بالتعاون الأكاديمي مع الصين".

وقال إن التطورات الأخيرة "تجميلية"، معتبرا أنه بدون "تغيير في طريقة عمل المعاهد ، (...) تستمر المشكلات نفسها حتى لو كانت أقل وضوحًا".

وصرحت راشيل بيترسون الباحثة في الرابطة الوطنية لأساتذة الجامعات إنه بعد إغلاق معاهد كونفوشيوس، وقعت الجامعات والمؤسسات التعليمية بسذاجة برامج مشابهة جدا لكن بأسماء مختلفة.

من جهته قال أندريه غاتولان عضو مجلس الشيوخ الفرنسي والذي أعد تقريرا حول هذا الموضوع، إنه بعد معارضة على الصعيد الأكاديمي "نلاحظ تغييرًا مقارنة بالجيل الأول من معاهد كونفوشيوس، مع إعادة التوجيه نحو مناطق تضم موانىء ومراكز أبحاث عسكرية وتكنولوجية أو كليات التجارة لإحداث تأثير اقتصادي".

مع ذلك، لا يبدو أن هذا اليقظة تنطبق على كل مكان: ففي أفريقيا وحدها قالت الصين في نهاية 2021 انه كان هناك ما يصل إلى 61 من معاهد كونفوشيوس و48 "صفا لكونفوشيوس" وينبغي على بكين توسيع الحركة.