باريس: وقّعت فرنسا والمملكة المتحدة الاثنين اتفاقاً جديداً للعمل معاً من أجل وقف عبور المهاجرين بحر المانش، وهو أمر وتّر العلاقات بين البلدين إلى حد كبير بينما يخوض كثيرون هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر.

ويأتي الاتفاق بعدما أعلنت الحكومة البريطانية الأحد أن أكثر من 40 ألف مهاجر عبروا المانش إلى بريطانيا هذا العام، وهو عدد قياسي جديد.

وبموجب الاتفاق ستدفع بريطانيا 72,2 مليون يورو (74,5 مليون دولار) في العامين 2022-2023 لتزيد فرنسا عدد عناصر قواها الأمنية بين 800 إلى 900 عنصر عند الشواطئ الفرنسية حيث ينطلق المهاجرون في اتجاه السواحل البريطانية.

حل المشكلة المعقدة

ويأتي الاتفاق في إطار معاهدة "ساندهيرست" الموقعة في كانون الثاني/يناير 2018 بين البلدين.

ولا يشمل الاتفاق الموقّع في باريس بين وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان ونظيرته البريطانية سويلا برافرمان، اعتراض السفن، كما أرادت المملكة المتحدة وفق الصحافة البريطانية.

وكتبت برافرمان على حسابها في تويتر "فقط من خلال العمل معًا يمكننا أن نأمل في حل هذه المشكلة المعقدة. أردت أن أشكر جيرالد وفريقه على عملهم وتعاونهم".

وللمرة الأولى، سيتم نشر فرق من المراقبين على جانبي قناة المانش.

وسيدفع البريطانيون أيضًا لتأمين أماكن في مراكز استقبال مهاجرين في جنوب فرنسا لوقف تدفق المهاجرين إلى كاليه بعد اجتيازهم البحر الأبيض المتوسط.

ويشمل الاتفاق 12 بنداً بينها تأمين مسيّرات جديدة للمراقبة، وكلاب، وأجهزة استخبارات مشتركة تعمل بشكل دقيق لتوقيف المهربين (55 شبكة تم تفكيكها منذ العام 2020)، والعمل "في أقرب وقت" مع بلدان المهاجرين الأم وبلدان العبور. ويأتي الاتفاق في وقت تتعرض فيه الحكومتان لضغوط في قضية الهجرة.

ورحب جيرالد دارمانان بالاتفاق الجديد.

وأكدت السلطات الفرنسية اعتراض أكثر من 30 ألف مهاجر في العام 2022 حتى الوقت الحالي.

سنوات من الخلافات

وبعد سنوات من الخلافات بشأن قضية الهجرة والتي بلغت درجة الحدة أحياناً، لاسيما خلال عهدي رئيسي الوزراء بوريس جونسون وليز تراس تبنت الحكومة البريطانية الجديدة لهجة أكثر تصالحاً مع الحكومة الفرنسية، داعيةً إلى علاقة "بناءة" بشكل أكبر.

اتخذ رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، وهو حفيد مهاجرين هنود، موقفاً صارماً بشأن الهجرة. ويؤيد خطة الحكومات المحافظة السابقة المثيرة للجدل بإرسال طالبي اللجوء إلى رواندا، والتي لا تزال قيد المراجعة القضائية.

وقال السفير البريطاني السابق في فرنسا بيتر ريكيتس لوكالة فرانس برس "على مر السنوات، رأيت وزراء بريطانيين كثرا يتناولون المشكلة ويحاولون حلها بطريقة أو بأخرى". وتدارك "لكنهم في نهاية المطاف يدركون أن الطريقة الوحيدة للسيطرة على المشكلة هي بالعمل مع الفرنسيين".

وأسفت منظمة "ريفوجي كاونسل" Refugee Council البريطانية غير الحكومية في تغريدة على تويتر لكون الاتفاق "لا يعالج العوامل التي تدفع الرجال والنساء والأطفال للقيام برحلات محفوفة بالمخاطر للوصول إلى المملكة المتحدة وبالتالي لن يفعل الكثير لإنهاء رحلات العبور".

وقال هالو وهو عراقي يبلغ 36 عامًا التقته فرانس برس برفقة ابنته البالغة 12 عامًا في مخيم لون-بلاج في غراند سينت في شمال فرنسا "الأمن والشرطة ليسا مهمين، سنحاول مهما حدث. مرارًا وتكرارًا".

وُقع الاتفاق بعد نحو عام من مصرع 27 مهاجراً في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، بغرق قاربهم قبالة كاليه، في أسوأ مأساة شهدتها القناة.

مأساة جديدة

وكشفت صحيفة لوموند عناصر من التحقيق القضائي الذي جرى في باريس، تفيد بأن ركاب القارب المنكوب اتصلوا بالسلطات الفرنسية نحو خمس عشرة مرة، لكنها انتظرت وصولهم إلى المياه الإنكليزية.

وأعربت المنظمة الفرنسية غير الحكومية "فرنسا أرض اللجوء" عن أسفها قائلة "لن يمنع أي شيء في هذا الاتفاق حدوث مأساة جديدة في القناة مرة أخرى غدًا".

ولقي أكثر من 200 شخص مصرعهم أو فقدوا في البحر أو على الأرض، في محاولة للوصول إلى إنكلترا من الساحل الشمالي لفرنسا منذ 2014، وفق المنظمة الدولية للهجرة.