إيلاف من لندن: هذا حوار مع عثمان العمير، ناشر "إيلاف" ورئيس تحريرها، يعود إلى 27 فبراير 1987. هل نُشر هذا الحوار؟ ليس لدي إجابة جازمة عن هذا السؤال، لهذا قررت نشره، لقطع الشك بيقين، فضلًا عن أن مضمون الحوار عصيّ على الزمن.

إليكم النسخة المضافة PDF:

تم هذا الحوار بالمراسلة. وبين وصول الأسئلة إلى العمير وإجابته عنها بضعة أسابيع، حتى لا أقول أشهرًا. وهو قال في الرسالة المرفقة باجابته عن أسئلة الحوار: "اعتذر عن الإهمال غير المتعمد والذي تأخرت بسببه في الإجابة عن الأسئلة التي سبق وبعثتها. الظروف كانت صعبة ومزعجة. قد يكون فات الوقت على استلام الإجابات، لكن على أية حال أرفقها لك مع هذا الخطاب".

كأن نشر الحوار، اليوم، اقتصاص من الإهمال، غير المتعمد، من السائل والمسؤول!

العمير متواضعًا
أرفق عثمان العمير مع إجاباته نبذة مختصرة عن حياتة المهنية، حينها. كتب: "عمل محررًا في صحيفة ’الندوة‘ في عام 1969. وفي عام 1970، عمل في مؤسسة اليمامة الصحفية، من خلال مشاركته محررًا في صحيفة ’الرياض‘. ثم شارك في إصدار صحيفة ’الجزيرة‘ كصحيفة يومية، وكانت أسبوعية، وتولى من خلالها مناصب متعددة في هيئة التحرير، بما فيها الإشراف على تحرير الصحيفة. وانتقل إلى لندن للعمل مديرًا لمكتب صحيفتي ’الجزيرة‘ و ’المسائية‘. وتولى، أيضًا، رئاسة تحرير صحيفة ’اليوم‘ في عام 1980 خلال مرحلة تطويرها. ويرأس حاليًا تحرير مجلة ’المجلة‘".

أرفق العمير السطور السابقة مع نص الحوار، وكان متواضعًا في وصفه مسيرته المهنية. فعلى الرغم من أن عثمان العمير وصل إلى رئاسة تحرير مجلة "المجلة" بعد رحلة مهنية متميزة، وإن شئت، مثيرة، يمكن القول إنه أبرز صناع الإثارة المهنية في الصحافة السعودية الحديثة، التي خرجت لتوّها من تحت عباءة الأدب، وكان بعض كتابها من الوجهاء وكبار الموظفين الحكوميين التقليديين. وكان السمت والرصانة "المفتعلة أحيانًا" سمتين بارزتين في مقالاتها ونصوصها وعناوينها.


من اليسار الى اليمين: خالد المعينا\رئيس تحرير عرب نيوز، عثمان العمير\ رئيس الشرق الأوسط(آنذاك)، ولي عهد البحرين الشيخ خليفة محمد علي حافظ، داوود الشريان\ رئيس تحرير جريدة المسلمون، عبدالعزيز الشرقي\ رئيس تحرير الرياضية، خالد القشطيني\ كاتب في الشرق الأوسط

من عاصمة الصحافة إلى قريتها
دخل العمير إلى الصحافة من باب "الندوة"، وهي أقل الصحف السعودية إصابة بعدوى الأدب، فضلًا عن أنها صحيفة عريقة صدرت أول مرة في مكة المكرمة في عام 1958. وشهدت لاحقًا تطورًا مهنيًا لم تشهده صحيفة سعودية أخرى، لجهة عنايتها بالأخبار، ومهارة ترتيبها بحسب أولويتها، ونفورها من الإنشائية والدعاية السياسية. من يقرأ أعداد الصحيفة في ثمانينيات القرن الماضي، يجدها قد فاقت صحفًا عربية كثيرة في صوغ الأخبار وتحريرها، ناهيك عن أن "الندوة" تستند إلى التاريخ العريق لصحافة الحجاز، التي نشأت مع بداية القرن العشرين (في عام 1908).

بدأ عثمان العمير محررًا في صحيفة "الندوة" في عام 1969، وحين التحق بصحيفة "الرياض"، كان يشبه من جاء من عاصمة الصحافة في السعودية إلى قريتها. فمجلة "اليمامة" أول مطبوعة صحفية في منطقة نجد، أطلقها حمد الجاسر في عام 1954، وتاليًا جاءت جريدة "الرياض" في عام 1965، وسبقتها صحيفة "الجزيرة" التي كان عبدالله بن خميس قد اصدرها في عام 1959 كمجلة شهرية. وبين بداية الصحافة في المنطقة الغربية للمملكة العربية السعودية (الحجاز) ومثيلتها في المنطقة الوسطى (نجد) ما يزيد على سبعة عقود.

خاض عثمان العمير تجربته الصحفية في جريدتي "الرياض" و "الجزيرة"، وترك بصمته فيهما. دخل من باب الرياضة، وأحدث ضجيجًا هائلًا في الصحافة الرياضية، وتأثر بأسلوبه وطريقته في الكتابه كل الأجيال التي احترفت الكتابة الرياضية في الصحافة السعودية إلى اليوم. وهو صاحب العبارة الأشهر في الصحافة الرياضية: "دَع التعصّب.. وشجّع الهلال!"


من اليسار إلى اليمين، داوود الشريان، إياد ابو شقراء هدى الحسيني، عبدالله بشارة، فؤاد مطر، عثمان العمير وعبدالله الضويحي / صحافي رياضي سعودي

رائد "المانشيت"
امتدت مهنية عثمان العمير إلى كل صفحات الصحف السعودية التي حرّرها وكتب فيها. وهو نقل الإثارة التي صنع فيها الصفحات الرياضية في الصحافة السعودية الحديثة، إلى السياسية والحوارات والأخبار والتقارير، وإلى "مانشيت" الصفحة الأولى. وعلى الرغم من أنه من رواد الجيل الذي لجم تمدد العبارة الأدبية في الأخبار والتقارير والحوارات، فقد استطاع استخدام الأدب بطريقة صحفية تُعد سابقة في هذا المجال، فوضع "مانشيت" الصفحة الأولى مطلع قصيدة في رثاء الملك فيصل، وصدرت صحيفة "الجزيرة" يوم تشييع الملك بــ "مانشيت": "لا هنت يا رأس الرجاجيل لا هنت"!!

اجتمع لعثمان العمير العمل في الصحيفتين الأشد تنافسًا في تاريخ الصحافة السعودية: "الرياض" و"الجزيرة". لكن دوره في الأخيرة كان أكثر اتساعًا وعمقًا، وهو ظل على علاقة متميزة بهما في آن.

وصل عثمان العمير إلى بريطانيا في أواخر عام 1975. تعرف على إرث دانيل ديفو، الأب الروحي للصحافة البريطانية، وإن شئت، الأوروبية. دخل شارع الصحافة في لندن، وتصعلك فيه. وفي عام 1978، صدرت "الشرق الأوسط"، وتعاقب على رئاسة تحريرها ثلاثة رؤساء تحرير: جهاد الخازن ومحمد معروف الشيباني وعرفان نظام الدين. في عام 1987، أصبح عثمان العمير هو رئيس التحرير الرابع في تاريخ الجريدة الخضراء، وكان قبل ذلك رئيسًا لتحرير مجلة "المجلة" في عام 1984.

من الثلاجة إلى الفرن
كان صدور صحيفة "الشرق الأوسط" حدثًا عربيًا كبيرًا. لكن وصول عثمان العمير إلى رئاستها كان بمثابة نقطة تحول في مسيرة هذه الجريدة. طبعها عثمان العمير بشخصيته وبإثارته، وكانت "الشرق الأوسط" تفتقدها طوال تسع سنوات من عمرها.

وصلت مهنية عثمان العمير إلى ذروتها في "الشرق الأوسط"، وظل عثمان وفيًا لكونه محررًا. يتابع كل حروفها من "مانشيت" الصفحة الأولى حتى الصفحة الأخيرة. وفي السطور القليلة التي كتب فيها سيرته مع هذا الحوار، تجده يتمسك بصفة "المحرر"، ويبقى وفيًا لهذه الصفة طوال مشواره المهني. لم يكن ليحتفي بالمناصب الصحفية، وظل طوال مشواره المهني متمسكًا بقلم المحرر.

نقل عثمان العمير صحيفة "الشرق الأوسط" من الثلاجة إلى الفرن: رفع درجة حرارتها، وأشعلها بالإثارة المحسوبة، وساهم وصوله في اتساع انتشارها وتعزيز تأثيرها. بقيت "الخضراء" وفيةً لأسلوبه سنوات عدة بعد خروجه منها. وحين ابتعدت عن أسلوبه، خرجت من الفرن!

أجري هذا الحوار قبل 35 عامًا، قبيل وصولي إلى رئاسة تحرير مجلة "الدعوة" السعودية بوقت قصير. والأكيد أنني لم أتهور وأنشره في "الدعوة". لا يصلح عثمان العمير ضيفًا في مجلة سلفية، على الرغم من أنه وهابي الهوى سياسيًا!
هذا الحوار قديم جديد. وهو بهذه الصفة يشبه عثمان العمير الذي يتجدد مع الوقت، والذي أطلق أول جريدة عربية إلكترونية، يسميها "إيلاف". اسمها قرشي... ومحتواها تعرفونه.


من اليسار إلى اليمين: داوود الشريان، عبدالله باجبير، عثمان العمير وعبد الرحمن الراشد.

الحوار المستعاد
هل تعتقد أن الأشكال الصحفية واضحة في الصحافة السعودية، أم هناك بعض الخلط؟ وفي حال وجود الخلط، ما أسبابه؟
من خلال متابعتي للصحف السعودية، فإن الانطباع الدائم عندي هو أن الخلط يغلب على الأشكال الصحفية. وأجد الخلط واضحًا في الموضوعات والأخبار ذات الصبغة المحلية بالذات. وربما كان السبب الرئيسي وراء ذلك التعميم في تعريف الموضوعات المحلية، واعتبار كل ما ورد من داخل المملكة يصنف في نفس الخانة، في حين أن الموضوعات السعودية متباينة، ويفترض أن يتم طرحها وتبويبها وفقًا للموضوع نفسه.

ما هو تعريفك للتحقيق الصحفي؟
التحقيق الصحفي هو التقرير المطول الذي يتميز بشموليته وتعدد مصادره.

ما هو تعريفك للتقرير الصحفي؟
التقرير الصحفي هو الخبر الذي يروي حدثًا آنيًا.

بين التقرير والتحقيق
ما الفرق بين التقرير الصحفي والتحقيق الصحفي؟
قد يكون من المهم أن أشير إلى أن الصحفيين يستعملون مصطلحات متباينة لنفس التعريف، وهذا ينطبق على العمل التحريري والفني. بالنسبة إلى التحقيق، فهو في مفهومي يتمثل في الموضوع الذي يحقق معظم الشروط التالية: أولًا، أن موضوع التحقيق ليس حدثًا فوريًا، فمعالجة حدث الحرب العراقية - الإيرانية في تحقيق يعني تجاوز حدث اليوم إلى ما هو أكثر بعدًا؛ ثانيًا، شمولية التحقيق وأكثر من مصدر للمعلومات؛ ثالثًا، شمولية التحقيق على العمل الميداني والخروج من مكتب التحرير؛ رابعًا، التوسع في الطرح وتقديم أكبر كمية من المعلومات التي تسمح بها المساحة؛ خامسًا، التكامل في العرض مثل إرفاق الصور ووسائل الإيضاح الملائمة.

أما بالنسبة إلى التقرير الصحفي، فهو ما يحقق الخبر وفقًا لمعظم الشروط التالية: أولًا، كونه حدثًا آنيًا، ويفترض أن يبتدئ بآخر ما جد على الجبهة في الحرب العراقية - الإيرانية مثلًا؛ ثانيًا، يجوز اقتصاره على مصدر واحد للمعلومات إذا لم يتوفر أكثر من مصدر، كتصريح صحفي يصدر عن طرف من الأطراف المتحاربة؛ ثالثًا، يجوز فيه الاختصار وفق توافر المعلومات ومحدودية المساحة؛ رابعًا، لا يفترض فيه دائمًا التكامل، خصوصًا بالنسبة إلى التقارير ذات الصبغة المستعجلة.

ما هي أهم مشاكل إعداد وكتابة التحقيق الصحفي في الصحافة السعودية بوجه عام، ومجلتكم على وجه التحديد؟
يُستحسن أن أتطرق إلى تجربة مجلة "المجلة" لتوضيح مصاعب إعداد التحقيق الصحفي وكتابته. بعد اختيار موضوع التحقيق وموقعه والأشخاص الذين يتولون تنفيذه، تبدأ المصاعب الطبيعية التي تتمثل في توفير المعلومات الأولية ذات الطابع الأرشيفي، وهي بكل أسف قاصرة دائمًا بحكم محدودية مراكز المعلومات الموجودة لدينا، واعتقد أنه واقع الصحافة العربية بشكل عام. ومن المشاكل الأخرى أن الاتصال بذوي العلاقة في ما يخص موضوع التحقيق قد تكون نتيجته فاشلة بحكم تحفظ الكثيرين من أصحاب العلاقة. ثم تعود مشكلة توافر المعلومات عند جهة الاختصاص نفسها، حيث يكتشف الصحفي في كثير من الأحيان أنه حتى مع المتفهمين لدور الصحافة قلما يستطيع الخروج بمعلومات دقيقة وجديدة، وذلك بحكم استعداد المؤسسات العامة والخاصة للتعامل اليومي أو الدوري مع الصحافة. وثمة مشكلة ثالثة تتمثل في صدقية مصادر المعلومات، والتي قد تزود الصحفي بمعلومات خاطئة أو مضللة أو على الأقل غير مكتملة الصورة. وهناك مشكلة رابعة، تواجه في العادة القائمين على تنفيذ التحقيقات الصحفية تتمثل في الجانب القانوني في ما يخص النشر، والتي قد تلغي الموضوع بأكمله. ومشكلة أخرى تواجهها الصحافة السعودية في العادة، تتمثل في كفاءة الصحفي نفسه. فالتحقيق الصحفي يتطلب جهدًا أكثر، خاصة في جانب جمع المعلومات من زيارة المكتبات والاتصال بالعديد من الأشخاص. ومشكلة سادسة يواجهها الصحفي من قبل مؤسسته أو رئيسه تتمثل في أنه دومًا مطالب بتقديم أكبر كمية من الانتاج اليومي، وهذا يصعب تطبيقه على التحقيق الصحفي الذي يتطلب أيامًا او أسابيع عديدة لإنجازه. فدار الصحيفة قد تجد أن من المكلف ماديًا إنجاز مثل هذه الأعمال الصحفية لذا تفضل الموضوعات والأخبار الصحفية المكثفة على حساب النوعية التي يتميز بها التحقيق الصحفي في العادة.

وما هي مشاكل التقرير الصحفي أيضًا؟
إلى حد كبير، تتشابه مشاكل التقرير الصحفي مع المصاعب التي تعترض تنفيذ التحقيق الصحفي، من حيث ندرة المعلومات وشحّة المصادر وقلة المؤهلين من الصحفيين. يضاف إليها أن سرعة نشر التقرير بالنسبة إلى مجلة أسبوعية تعني كون الخبر خاص بها، على اعتبار أن المجلات - ولأسباب فنية - قد تضطر إلى إقفال صفحاتها قبل أربعة أيام أو أكثر من موعد النشر.

في الحملة الصحفية
ما هو في رأيك تعريف الحملة الصحفية، وما هو موقع التحقيق الصحفي منها؟
الحملة الصحفية هي التكثيف المتعمد عند نشر التحقيقات أو الأخبار أو المقالات أو جميعها لموضوع معين. والتحقيق الصحفي يمثل دورًا أساسيًا من خلال إمكانية توسيع دائرة الطرح حول الموضوع المراد التعريف به.

هل تتذكر حملة صحفية بناء على تعريفك؟ ما هي وأين نشرت، ومتى؟
أقرب مثال على ذلك هو كثرة الحديث عن مرض المناعة المكتسبة (أيدز) في الصحف البريطانية والذي يوافق مع الحملة الإعلامية والإعلانية التي تقوم بها المؤسسة الرسمية في البلاد.

الرجاء كتابة نبذة عن حياتكم لنشرها حين يتم التعريف بكم من خلال الدراسة.
نبذة عن حياة عثمان العمير الصحفية: عمل محررًا في جريدة "الندوة" في عام 1969، وفي عام 1970 عمل في مؤسسة اليمامة الصحفية من خلال مشاركته في تحرير جريدة "الرياض". ثم شارك في إصدار "الجزيرة" كصحيفة يومية وتولى من خلالها مناصب تحريرية متعددة بما فيها الإشراف على التحرير. وانتقل إلى لندن للعمل مديرًا لمكتب جريدتي "الجزيرة" و "المسائية". وتولى أيضًا رئاسة تحرير مجلة "المجلة".