إيلاف من لندن: اتهم مئات المثقفين العراقيين الاثنين أحزاب البلاد الإسلامية والمليشيات المسلحة بمهاجمة مفهوم "الجندر" للتغطية على إفلاسها السياسي والأخلاقي مؤكدين أنه لا علاقة له بالمثلية والإلحاد والتحول الجنسي.

وأشار حوالى 300 كاتباً ومثقفاً في بيان اليوم ما زال مفتوحاً لمزيد من التوقيعات وتسلمت "إيلاف" نسخة منه الى أن البلاد شهدت خلال الأسابيع الماضية "حملة مسيسة وممنهجة ما تزال تتصاعد ضد استعمال مفهوم (الجندر) أو (النوع الاجتماعي) في المجال العام.

حملة تقودها قوى نافذة
وبينوا أن هذه الحملة أطلقتها وقادتها قوى نافذة في الدولة وشخصيات ودوائر قريبة منها ومن محيطها الإيديولوجي تقدم الجندر بوصفه تهديدًا أخلاقيًا خطيرًا للمجتمع وتقويضًا حقيقيًا لمعنى العائلة وهدمًا للدين وذلك عبر ربط متعسف ومغلوط ومتعمد لهذا المفهوم بالمثلية والإلحاد والتحول الجنسي".
وأوضحوا أنه "وفي إطار هذه الحملة المسيسة وأجواء الرعب التي صنعتها أصدرت مؤسسات رسمية عراقية تعليمات برفع مصطلح "النوع الاجتماعي"من وثائقها ومنع القيام بأي أنشطة أو فعاليات مرتبطة بالمفهوم".

تدخل قوى مسلحة
وأوضحوا أن الأمر قد بلغ الأمر ذروته بإصدار قوى مسلحة تعد جزءًا من دائرة الحكم بيانات تمنع فيه استعمال هذا المفهوم وتطالب العراق بالانسحاب من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة التي صادق عليها".
ودان المثقفون في بيانهم "التشويه التشويهَ المتعمد للمعرفة وفرض نوعٍ من الوصاية والهيمنة من دون معرفة علمية على الجامعات والمؤسسات الأكاديمية، فإنهم يجدون أن هذه الحملة تنطلق من نزعة ذكورية، وتتبنى خطابًا يروج لثقافة كراهية النساء، ويبرر العنف ضدهن.

هستريا شعبوية
ورأى المثقفون أن من بين الأهداف الكامنة وراء هذه الهستيريا الشعبوية ضد مفهوم "الجندر" محاولة "التضييق على مؤسسات المجتمع المدني ولا سيما المختصة بقضايا المرأة إذ شجعت هذه الحملة ومن يقف وراءها على استهداف ناشطات المجتمع المدني وناشطيه بالتهديد والتنكيل بهم لقمع أي محاولة لتفكيك اللبس في فهم هذا المصطلح.
وحذروا من أن حصيلة كل ذلك ستكون تقويض حقوق الإنسان/ المواطن العراقي، التي هي شرط كرامته ومعنى وجوده.

إفلاس سياسي وأخلاقي
وأوضح المثقفون أن الحملة الحالية لشيطنة "الجندر" في مسعى أوسع تمارسه القوى والأحزاب الإسلامية، لافتعال معارك وأزمات وهمية، لتهرب نحو ميدان الأخلاق، الذي لا يقع ضمن مسؤوليتها، بل هو اختصاص المجتمع بكل تنوعه، بهدف التملص من مسؤولياتها المنصوص عليها قانونًا، وللتغطية على سجل فشلها الذريع والموثق في إدارة الملفات الحيوية التي تختص بها الدولة، كتوفير الخدمات، وتشييد بنية تحتية رصينة، ومكافحة الفساد الذي ينخر عميقًا في مؤسسات الدولة المختلفة، وتوفير الفرص الاقتصادية لملايين الشباب العراقيين الذين يدخلون سوق العمل، وضمان احتكار السلاح بيد الدولة.
وشددوا على إن هذا الهروب يمثل إفلاسًا سياسيًا وأخلاقيًا لهذه الأحزاب الحاكمة".

الجندر مفهوم إنساني
وأوضح المثقفون أن "الجندر" مفهوم أكاديمي راسخ، بأبعاد إنسانية ومؤسسية وحقوقية يُدَّرَس في جامعات عالمية كثيرة ومرموقة ويختص بالبحث في أشكال التهميش والتمييز المختلفة ضد المرأة ومواجهتها في كل المجتمعات بضمنها المجتمعات الغربية، وهو مفهوم واسع النطاق والتطبيق بوصفه أداةً ضرورية للمساعدة في الجهد الأخلاقي لبناء مجتمعات إنسانية يُحترم فيها الجميع على نحو غير مشروط وينُظر فيها للمرأة ويُتعامل معها بوصفها كائنًا عاقلًا وقادرًا وكاملًا مساويًا للرجل وليست تابعة له، أو منقوصة الكرامة الإنسانية.
وشددوا أنه لا علاقة لمفهوم "الجندر" بالتوجه الجنسي للأفراد أيًّا كان ولا يتعاطى مع التغيير البايولوجي للجنس كما تروج قوى سياسية حاكمة علاقتها بالمعرفة الرصينة فقيرة وانتهازية.

كشف الاضطهاد
وبينوا أن مفهوم "الجندر" بوصفه سعيًا منظمًا لكشف الاضطهاد ومواجهته وتحقيق المساواة وترسيخها فأنه ينسجم مع الالتزامات الدستورية للدولة العراقية بالمساواة بين العراقيات والعراقيين بوصفهم مواطنين، وتكافؤ الفرص بينهم بحسب نص المادتين 14 و16 من الدستور العراقي الدائم.
وفي إطار هذا الفهم، وافق العراق على الانضمام لمعاهدات ومواثيق دولية نصّت على توظيف الجندر في مكافحة التمييز ضد المرأة، منها تبني القرار 1325 عن المرأة والسلام والأمن والقرارات المكمّلة له، ومنهاج عمل بيجين الذي شكّل إطارًا عالميًا لتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات وأجندة التنمية المستدامة لعام 2030.

خرق واضح
وحذر المثقفون من الحملة الحالية ضد مفهوم الجندر التي رُصدت لها أموال وموارد ضخمة والدعوات ضدها من شخصيات عامة سياسية واجتماعية ودينية تمثل خرقًا جديًا وفاضحًا للدستور العراقي والالتزامات الدولية التي اختار العراق الدخول فيها، وظلمًا فادحًا للنساء العراقيات وتقويضًا واضحًا لمبدأ المساواة الدستوري، وتعزيزًا للجهد المتصاعد بفرض هوية أحادية ضيقة على المجتمع العراقي المتنوع تتبناها القوى والأحزاب الإسلامية الحاكمة وتنكرًا للسياسات التي تبنّتها الدولة عبر عقدين.

جمهورية الخوف الجديدة
ونوه المثقفون الى أن هذه الحملة "قد أفضت وبشكل مقلق وجدي إلى صناعة جو من التخويف داخل الدوائر الأكاديمية المختصة وطالت مؤسسات المجتمع المدني التي تنشط في مجالات المرأة والجندر والمساواة الاجتماعية، وهو أمر لا يهدّد فقط وبشكل صريح الحريات الأكاديمية وحرية الرأي والتعبير، على نحو عام، ولا يزعزع فقط الأمن المجتمعي، بل يمهّد لاستعادة جمهورية الخوف ثانية".
واعتبروا شيطنة المفهوم ومنع توظيفه في المؤسسات الحكومية وتخويف المجتمع منه خرقًا لحقوق الإنسان، فضلًا عن كونه أحد أشكال التحريض ونشر الكراهية في المجتمع.

وقف حملة شيطنة الجندر
وطالب المثقفون في ختام بيانهم "القوى السياسية الحاكمة الداعية لحظر التعاطي مع مصطلح (الجندر) في الحياة الأكاديمية والمؤسّسية والثقافية للبلد إلى التوقّف عن حملة الشيطنة هذه والانصراف إلى مهماتها السياسية والقانونية بما ينسجم مع نظام الحكم الديمقراطي الذي ينص عليه الدستور".
كما شددوا على ضورة ممارسة الحكومة لدورها في حماية المواطنات والمواطنين وحقّهم في العمل والتعبير والتفكير.
يشار إلى أن الجندر أو النوع الاجتماعي يعني "العلاقات والأدوار والسلوك المناسب الذي يحدده المجتمع لكل من الرجل والمرأة مسبقًا في ضوء موروثات اجتماعية ومنظومة ثقافية تضم مجموعة من العادات والتقاليد والقيم السائدة في مجتمع ما وفي فترة زمانية معينة.
وفي تعريف آخر للجندر فأنه يرى أنه "الدور الاجتماعي والمكانة الاجتماعية والقيمة المعنوية التي يحملها الفرد في مجتمع ما والمرتبطة بكونه ذكر أو أنثى ومثال ذلك هو تغير دور المرأة في المجتمع العربي التقليدي فقد اتسع دورها من الأم وربة المنزل إلى دور المرأة الفاعلة خارج الأسرة في المجتمع العربي الحديث فرغم أن طبيعة المرأة وكينونتها لم تتغير إلا أن دورها ومكانتها في المجتمع مستمرين في التغير.
فالجندر هو مبني على أساس المثل الثقافية والنظم الإعتقادية والصور والتوقعات حول الرجولة و الأنوثة في مجتمع معين. ويرتبط هذا المفهوم ارتباطًا وثيقًا بمفهوم الدور الجندري والذي يُعرّف بأنّه مجموعةُ المظاهر الشخصية الخارجية التي تعكس الهوية الجندرية.