إيلاف من تل أبيب: يقول المحللون إن الموساد ربما قام بإخفاء المتفجرات في أجهزة الاتصال قبل وصولها إلى حزب الله، وتم استبعاد احتمال ارتفاع درجة حرارة البطارية إلى حد كبير بسبب شدة الانفجار، حيث افترض الكثيرون أن سلسلة التوريد قد تم اختراقها، وهو جزء مما أطلق عليه أحد الخبراء "عودة" استخباراتية إسرائيلية.
بهذه الطريقة وتلك الكلمات امتدحت الصحافة الاسرائيلية جهاز الموساد، بعد عملية تفجير بيجرات حزب الله بلبنان الثلاثاء، والملاحظ في التناول الصحفي والإعلامي الإسرائيلي أنه يحتفل بالعملية ولكنه لا يتحدث بصورة مباشرة عن أنها عملية اسرائيلية على لسان مصدر رسمي، كما أن الحكومة الاسرائيلية وكالعادة في مثل هذه العمليات تلتزم الصمت، بل أصدرت تعليماتها للوزراء بعدم التعليق أو التفاعل مع الحدث بأي شكل من الأشكال.
الصحافة الاسرائيلية نقلت عن مصادر خارجية قولها إن ما تحقق هو نجاح استخباراتي كبير من خلال التسلل إلى سلسلة إمداد للتسبب في انفجار مئات من أجهزة الاتصال التابعة لحزب الله في وقت واحد، في ضربة للجماعة "الإرهابية" اللبنانية وداعميها الإيرانيين، بحسب محللين، ووفقاً ما نقلته "تايمز أوف إسرائيل".
قُتل ما لا يقل عن تسعة أشخاص وجُرح نحو 2750 آخرين، بمن فيهم السفير الإيراني في لبنان، عندما انفجرت أجهزة الاستدعاء في معاقل حزب الله في مختلف أنحاء البلاد في هجوم متزامن غير مسبوق.
وبما أن حزب الله يبدو أنه يفضل استخدام أجهزة الاستدعاء للاتصالات الداخلية على الهواتف الذكية لأسباب أمنية، قال محللون إن إسرائيل على ما يبدو أفسدت الأجهزة قبل تسليمها، مما سمح لها بالانفجار في وقت محدد.
وقال مصدر مقرب من حزب الله، طلب عدم الكشف عن هويته، لوكالة فرانس برس، إن "أجهزة الاستدعاء التي انفجرت تتعلق بشحنة استوردها حزب الله مؤخرا وتضم ألف جهاز"، ويبدو أنها "تعرضت للتخريب في المصدر".
ونقلت قناة سكاي نيوز عربية عن مصادر قولها إن جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) حصل على أجهزة اتصال تابعة لحزب الله قبل تسليمها للحزب.
جرامات من مادة شديدة الانفجار
وأضاف المصدر أن جهاز التجسس الإسرائيلي وضع كمية من مادة PETN، وهي مادة شديدة الانفجار، على بطاريات الأجهزة، وقام بتفجيرها من خلال رفع درجة حرارة البطاريات عن بعد.
وقال مصدر أمني لبناني للجزيرة إن عبوة ناسفة تزن أقل من عشرين غراما وضعت في كل جهاز استدعاء (بيجر)
كانت أجهزة النداء التي انفجرت قد حصل عليها حزب الله مؤخرا بعد أن أمر زعيم الجماعة أعضاءها بالتوقف عن استخدام الهواتف المحمولة، محذرا من إمكانية تعقبهم من قبل الاستخبارات الإسرائيلية.
وقال مسؤول في حزب الله لوكالة أسوشيتد برس إن أجهزة النداء (البيجر) كانت علامة تجارية جديدة لم تستخدمها الجماعة من قبل.
وقال تشارلز ليستر من معهد الشرق الأوسط إن "الموساد تسلل إلى سلسلة التوريد"، في إشارة إلى وكالة الاستخبارات الإسرائيلية.
وقال "من المؤكد تقريبا أن مادة بلاستيكية متفجرة صغيرة كانت مخبأة بجوار البطارية، من أجل تفجيرها عن بعد عبر مكالمة أو صفحة".
ماذا تقول علامات الانفجار؟
وقال أليكس بليتساس، خبير الأسلحة في المجلس الأطلسي، إن مسؤولين في المجموعة اشتبهوا في البداية في أن بطاريات أيون الليثيوم شديدة السخونة ربما تسببت في انفجار أجهزة الاستدعاء، لكن صور الأجهزة المدمرة التي شوهدت يوم الثلاثاء أظهرت علامات انفجار.
وقال بلتساس "إن حريق بطارية ليثيوم أيون أمر مختلف، لكنني لم أر قط انفجارا كهذا. يبدو الأمر وكأنه شحنة متفجرة صغيرة".
وقال بول كريستنسن، الخبير في سلامة بطاريات الليثيوم أيون بجامعة نيوكاسل، إن مستوى الضرر الناجم عن انفجارات أجهزة النداء يبدو غير متسق مع الحالات المعروفة لفشل مثل هذه البطاريات في الماضي.
"إن ما نتحدث عنه هو بطارية صغيرة نسبيًا تنفجر وتشتعل فيها النيران. نحن لا نتحدث عن انفجار مميت هنا. أحتاج إلى معرفة المزيد عن كثافة الطاقة في البطاريات، لكن حدسي يخبرني أن هذا غير مرجح للغاية"، كما قال.
وقالت جهات لبنانية إن إسرائيل ربما استغلت نقطة ضعف في الجهاز لإحداث انفجار فيه. وأضافت أن إسرائيل ربما اعترضت أجهزة النداء (البيجر) قبل وصولها إلى حزب الله، وتم العبث بها إلكترونيا أو زرع جهاز متفجر فيها.
وأشار يهوشوا كاليسكي، وهو عالم وباحث كبير في معهد دراسات الأمن القومي، وهو مركز أبحاث في تل أبيب، إلى احتمال وجود نبضة إلكترونية "أُرسلت من بعيد وأحرقت الأجهزة وتسببت في انفجارها".
وأضاف أن "هذا الأمر لم يكن عملاً عشوائياً، بل كان متعمداً ومعروفاً".
"عودتهم الكبيرة"
واتهم حزب الله إسرائيل بالمسؤولية عن الانفجارات. ولم تؤكد إسرائيل أو تنفي تورطها في هذه التفجيرات، وهي التي لا تعلق عادة على العمليات الأمنية خارج البلاد.
ولكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا الإجراء قد يدفع المنطقة إلى حرب إقليمية بين إسرائيل وحزب الله والتي كان الغرب يكافح لتجنبها.
لكن الصور التي التقطتها الكاميرات لانفجار أجهزة الاستدعاء تشكل ضربة أمنية كبيرة لحزب الله، وتوضيحا لمدى وصول إسرائيل حتى إلى جيوب أعضاء "الجماعة الإرهابية".
وتأتي هذه الخطوة بعد مقتل القائد في حزب الله فؤاد شكر في غارة جوية إسرائيلية في 30 تموز (يوليو) مما يشير إلى أن إسرائيل لديها معلومات دقيقة عن مكان وجوده.
وبعد يوم واحد فقط، قُتِل الزعيم السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في مسكن بطهران، ويُقال إن العملية نُفِّذت باستخدام عبوة ناسفة زرعها عملاء إسرائيليون قبل أسابيع. ولم تؤكد إسرائيل أو تنفي تورطها في عملية الاغتيال.
خبير فرنسي: الموساد يغسل سمعته
وقال الخبير الفرنسي في مجال الدفاع بيير سيرفانت إن التحرك الأخير ضد حزب الله من شأنه أن يساعد أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية على استعادة سمعتها التي تضررت بشدة بسبب ما حدث في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) عندما هاجمت جماعة حماس المجتمعات الجنوبية في اسرائيل، فقتلوا نحو 1200 شخص وأسروا 251 آخرين ونقلوهم إلى غزة كرهائن.
وأضاف لوكالة فرانس برس أن "سلسلة العمليات التي نفذوها خلال الأشهر القليلة الماضية تمثل عودتهم الكبيرة، مع رغبة في الردع ورسالة مفادها: لقد ارتكبنا خطأ لكننا لسنا أمواتا".
"التخريب الكلاسيكي"
وقال المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مايك ديمينو من مركز أبحاث أولويات الدفاع الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقرا له إنه استنادا إلى صور الإصابات فإن السبب الأكثر ترجيحا هو "مادة متفجرة صغيرة للغاية" مزروعة داخل الأجهزة، وليس ارتفاع درجة حرارة البطارية.
وقال في مقابلة مع قناة إكس: "كانت هذه عملية تخريب كلاسيكية"، مضيفًا أن مثل هذه العملية تستغرق "أشهرا إن لم يكن سنوات" للتخطيط لها.
إسرائيل استغلت انتقال حزب الله من الهواتف الذكية إلى أجهزة النداء، والاستخبارات الإسرائيلية نفذت "عملية احترافية للغاية، وقد يكون أحد المصانع التي تملكها إسرائيل هو الذي قام بتصنيع وشحن هذه الغرامات الناسفة التي تم زرعها في أجهزة النداء (البيجر).
التعليقات