موسكو: سمح النزاع في أوكرانيا لقائد مجموعة فاغنر المسلحة يفغيني بريغوجين بفرض نفسه لاعباً أساسياً في روسيا، لكنّ الملياردير الحليق الرأس الذي كان اسمه على قائمة ركاب طائرة تحطّمت في روسيا الأربعاء وقُتل كلّ من كان فيها أصبح عدواً للرئيس فلاديمير بوتين منذ قاد تمرّداً فاشلاً ضدّ القيادة العسكرية في موسكو في حزيران/يونيو.
وتجاوز هذا الرجل المتهوّر الذي يصعب التنبّؤ بتحرّكاته، خط اللاعودة حين قرّر الانقلاب على سيّد الكرملين.
وفي 24 حزيران/يونيو، وهو اليوم التالي لبدء تمرد فاغنر، أدان الرئيس الروسي "خيانة" يفغيني بريغوجين التي عزاها إلى "الطموحات المفرطة والمصالح الشخصية".
وكان بريغوجين قد أعلن أنه استولى من "دون إطلاق رصاصة واحدة" على مقر الجيش الروسي في روستوف أون دون، مركز قيادة العمليات في أوكرانيا، بعد أن اتهم الجيش الروسي بأنه قصف في اليوم السابق معسكرات مجموعته.
ثم حبس العالم أنفاسه عندما زحف رجاله "المستعدون للموت" نحو موسكو، وأسقطوا طائرات للجيش الروسي.
لكن في النهاية، تراجع زعيم المرتزقة البالغ من العمر 62 عامًا عن تمرّده بعد 24 ساعة على انطلاقه، وتفاوض على الذهاب الى منفى في بيلاروسيا مع رجاله، من دون أن يحال إلى المحاكمة أو يُسجن.
ومما يدل على غموض الاتفاق أن بريغوجين عاد إلى روسيا، حتى أنه تم استقباله في الكرملين في الأيام التي تلت التمرد.
وفي حين أنه لم يظهر علناً، تعقبه المدونون ورصدوا تحركات طائراته.
وفي النهاية، ظهر مساء الإثنين 21 آب/أغسطس في مقطع فيديو قال فيه إنه يعمل في أفريقيا من أجل تعزيز عظمة روسيا في هذه القارة حيث ينفّذ رجاله منذ سنوات ما يكلفهم به الكرملين.
ففي جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وليبيا وسوريا... عُرفت فاغنر التي لم يعترف الكرملين بوجودها حتى نهاية عام 2022، منذ 10 سنوات على أنها شريك لأنظمة تريد التخلص من رعاتها الغربيين أو تبحث عن مقاتلين متكتمين ولا يرحمون.
فرصة من ذهب
وبدا أنّ النزاع في أوكرانيا وفر فرصة من ذهب لرجل الأعمال للخروج إلى دائرة الضوء بعدما عمل لسنوات في الظل، ليفرض نفسه لاعباً أساسياً في روسيا.
قام بتجنيد عشرات الآلاف من السجناء للذهاب إلى الجبهة حيث واجه الجيش الروسي صعوبات.
وعلى العكس من كبار المسؤولين الروس، تواجد بريغوجين في ميدان المعركة وصوّر جثث رجاله ليطالب بمزيد من الذخيرة.
في أيار/مايو 2023 بعد أكثر من عام من المعارك الشرسة والدامية، حقق بريغوجين هدفه بإعلانه سيطرة فاغنر على باخموت في شرق أوكرانيا محتفياً بانتصار نادر للقوات الروسية على أرض المعركة، وإن استمرت المعارك في ما بعد.
لكن خلال هذه المعركة أيضاً تفاقم التوتر مع هيئة أركان الجيش الروسي بقيادة فاليري غيراسيموف ووزير الدفاع سيرغي شويغو اللذين اتهمهما بريغوجين بحرمان فاغنر من الذخائر ونشر عدة لقطات مصورة شتم فيها القادة العسكريين الروس.
وهذا أمر لا يمكن تصور أن يقدم عليه أي شخص آخر في روسيا التي لا تتساهل مع مثل هذه المواقف.
في دائرة الضوء
بدأ بريغوجين يظهر إلى دائرة الضوء في أيلول/سبتمبر الماضي بالتزامن مع تكبد الجيش الروسي هزيمة تلو الأخرى في أوكرانيا ما شكل انتكاسة لقارعي طبول الحرب على غراره.
وأكد يومها للمرة الأولى علناً أنه أسس في 2014 مجموعة فاغنر المسلحة الناشطة في أوكرانيا وسوريا وأفريقيا كذلك. وفرض نفسه قائدًا أساسيًا.
وشدد على أن هؤلاء "الشباب، هؤلاء الأبطال دافعوا عن الشعب السوري وشعوب دول عربية أخرى وعن الفقراء الأفارقة والأميركيين اللاتينيين وأصبحوا إحدى ركائز وطننا".
في تشرين الأول/أكتوبر ذهب أبعد من ذلك عندما دشن بحفاوة مقر "شركة فاغنر العسكرية الخاصة" في مبنى زجاجي في مدينة سان بطرسبرغ في شمال غرب روسيا.
ونشر بريغوجين، سيد الاستفزاز، في شباط/فبراير مقطعاً مصوراً يظهره في طائرة حربية وهو يقترح على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تقرير مصير باخموت خلال منازلة جوية.
ولكي يبني جيشاً على قدر طموحاته، راح بريغوجين المولود كما بوتين في سان بطرسبرغ، يجند آلاف السجناء ليقاتلوا في أوكرانيا في مقابل العفو عنهم.
"طاهي بوتين"
ويعرف يفغيني بريغوجين أوساط السجون جيّداً فقد أمضى تسع سنوات في السجن في الحقبة السوفياتية لارتكابه جرائم.
وخرج من السجن العام 1990 عندما كان الاتحاد السوفياتي على شفير الانهيار وأسس شركة ناجحة لبيع النقانق.
وارتقى السلّم بعد ذلك وصولاً إلى فتح مطعم فخم أصبح من أهم مطاعم سان بطرسبرغ، حين كان نجم بوتين يصعد.
وبعد وصول بوتين إلى سدّة الرئاسة في العام 2000 راحت مجموعة بريغوجين توفّر خدمات طعام للكرملين فحظي بلقب "طاهي بوتين" وقيل إنّه حقق المليارات بفضل عقود عامة.
ويبدو أنه استخدم هذه الأموال لتأسيس فاغنر وهو جيش خاص ضمّ في صفوفه أولا مقاتلين قدامى أصحاب خبرة من كلّ من الجيش وأجهزة الاستخبارات الروسية.
وفي 2018، حين كانت هذه المجموعة لفتت الانظار إليها في أوكرانيا وسوريا وليبيا، بدأت تسري معلومات عن انتشارها في أفريقيا أيضاً. وقُتل ثلاثة صحافيين روس كانوا يجرون تحقيقاً حول هذه المجموعة في جمهورية أفريقيا الوسطى.
التعليقات