مع نزول المئات من الليبيين، في يوم الاثنين، إلى الشوارع وسط مدينة درنة، احتجاجا على ما وصفوه بـ"تقصير السلطات المحلية"، بات من الواضح أنّ تبعات إعصار دانيال ستتحوّل إلى مصدر إضافيّ للتوتّر في البلاد التي مزّقها الاقتتال الداخلي والانقسام.
ولم تشفِ إقالة المجلس البلدي لدرنة غليل أهالي المدينة المنكوبة؛ فثمّة قناعة بأنّ وتيرة الإغاثة لا تتناسب وحجم الكارثة.
وذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، مساء الثلاثاء، أنّ السلطات الليبية رفضت دخول فريق تابع للمنظمة الدولية كان من المقرّر أن يتوجّه إلى مدينة درنة للمساعدة في مواجهة أسوأ كارثة في تاريخ البلاد المعاصر.
واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أنّ "سَدّي درنة انهارا بعد سنوات من الحرب والإهمال"، مضيفا أنّ المدينة الليبية "تمثّل صورة حزينة لحالة العالم، حيث يعمّ طوفان عدم المساواة والظلم".
حرب المعلومات
وكان الهلال الأحمر الليبي قد نفى، الأحد، مقتل أكثر من ١١ ألف شخص في فيضانات درنة، وهي الحصيلة التي قدّمتها الأمم المتحدة، بناء على ما قالت إنها أرقام المنظمة الليبية.
وعبّر توفيق شكري، المتحدث باسم منظمة الهلال الأحمر الليبي عن استغرابه من "الزجّ باسمنا في مثل هذه الإحصاءات ونحن لم نصرّح بهذه الأرقام".
وشهدت ليبيا، الثلاثاء، تضاربا في المعلومات بشأن بقاء طواقم الإغاثة والصحفيين في درنة من عدمه.
وقال وزير الطيران المدني في الحكومة المفوضة من البرلمان هشام أبوشكيوات، إن السلطات الليبية طلبت من الصحفيين مغادرة مدينة درنة، معتبرا أن "العدد الكبير للصحفيين يربك عمل فرق الإغاثة ويعرقله".
وكانت هيئة الرقابة الإدارية قد أعلنت، السبت، إيقاف مدير هيئتها الإعلامية نبيل السكوني وإحالته إلى التحقيق بعد تصريحات أشار فيها إلى "تفجير سدود درنة بصاروخين من دون صوت"، متهماً مصر بالوقوف وراء التفجير.
وتقدم السكوني، الثلاثاء، باعتذار إلى القاهرة، موضحا أنّ "الجهة التي اتصلت به ونقلت إليه رواية التفجير لم تكن صادقة".
اختبار مهمّ
يطالب أهالي درنة بفتح تحقيق نزيه وشفّاف في الكارثة التي حلّت بمدينتهم ومناطق أخرى مجاورة، خاصّة مع تواتر المعلومات بشأن التقصير في صيانة سدود الجهة.
وشدّد المبعوث الدولي إلى ليبيا عبد الله باتيلي، على الحاج الملحّة إلى توحيد المؤسسات الليبية للاستجابة بفعالية لجميع التحديات التي تواجه البلاد، مقرّا بأنّ كارثة درنة تتجاوز قدرة ليبيا على إدارتها.
وفشلت أطراف الأزمة الليبية في نبذ خلافاتها وتوحيد جهود التعامل مع تداعيات إعصار دانيال الوخيمة.
وتحدّث صحفيون ليبيون لبي بي سي، بشرط عدم الكشف عن هويّتهم، قائلين إنّ مصادر المعلومة الدقيقة غير متوفّرة، رغم أنّ إدارة الأزمات تفترض بلورة سياسة اتصالية ناجعة.
ولم تتمّكن عشرات الطواقم الصحفية الأجنبية من الوصول إلى المناطق المنكوبة بل وحتّى من الدخول إلى الأراضي الليبية، لعدم توفّر جهة اتّصال موحّدة للتعامل معها من أجل الحصول على التراخيص الضروريّة.
واندفعت أطراف الأزمة الليبية، منذ الأسبوع الماضي، لتقديم نفسها كجهة رئيسية في جهود الإغاثة أو كمُتّهِم "للطرف الآخر" بالتقصير والإهمال.
وسوّقت قوات شرق ليبيا، التي يقودها الجنرال خليفة حفتر، لكونها "الحكم الأوّل والنهائي في عمليات الإغاثة"، بينما توالت اجتماعات حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس لإبراز دورها في الأزمة، رغم غياب أيّ سلطة لها أو نفوذ في المنطقة الشرقيّة.
سباق الساعة
ووجّه رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، مساء الثلاثاء، بتسيير رحلات جوية للمتطوعين في المناطق المنكوبة لنقل الراغبين في العودة إلى طرابلس وتنسيق رحلات الذاهبين إلى المناطق الشرقية.
ويأتي ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه هيئة السلامة الوطنية انتهاء مهام الفريق التابع لها للبحث عن ناجين، بعد مضيّ عشرة أيام عن الكارثة.
وذكرت الهيئة أن فريق البحث البحري لا يزال يعمل لانتشال جثث للضحايا، وسط تضاؤل فرص العثور على ناجين.
ولا تزال أطراف الأزمة الليبية عاجزة عن تقييم الوضع العامّ في المناطق المنكوبة، سواء فيما يتعلّق بالوضع الصحّي أو الإنساني أو على مستوى البنية التحتية.
وأشارت أرقام أوّلية إلى أنّ ١٥٠٠ بناية تعرضّت لأضرار كبيرة جرّاء السيول الجارفة التي اجتاحت المناطق المنكوبة.
وذكرت مبادرات إغاثة محليّة أنّ المساعدات الغذائية المتوفّرة حاليا تفي بالغرض، لكن ثمّة حاجة ماسّة لمزيد من المتطوّعين لتوزيعها.
وقاربت أعداد النازحين من درنة حاجز الـ ٤٠ ألفا. ولم يتحدث أيّ طرف ليبي عمّا إذا كان سيتمّ إيواء هؤلاء النازحين في مدن مجاورة أو ما إذا كانت ستجري إقامة مساكن مؤقتة لهم.
التعليقات