بعد أن هاجمت حماس إسرائيل في 7 أكتوبر الماضي، أشار اليمين المتطرف في الولايات المتحدة وأنصار إسرائيل بإصبع الاتهام إلى طهران، آملين في أن يؤدي ذلك إلى تحفيز هجوم عسكري على إيران

إيلاف من بيروت: معروف أن إيران تدعم حماس، لكن حماس ليست دمية في يد طهران. خلال الحرب الأهلية في سوريا، دعمت حماس المعارضة المسلحة ضد بشار الأسد، ما أثار غضب القيادة الإيرانية. وفي الحرب الحالية، تبدو حماس غاضبة لأن إيران وحلفاءها لم يقدموا لها مساعدة مباشرة ولم يدخلوا في الحرب لصالحها. فقد فوجئت قيادة طهران، وكذلك قيادة حزب الله اللبناني، بهجمات حماس، حيث أكد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، في خطاب ألقاه أن حزبه لم يتلق إشعاراً مسبقاً بشأن خطة حماس. وكذلك فعل المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، الذي نفى مشاركة إيران في التخطيط للهجمات أو تنفيذها أو حتى علمها المسبق.

انتقادات لحماس

ذكر الأميركيون والإسرائيليون أيضًا أن لا دليل على أن إيران شاركت مباشرة في التخطيط للهجمات. كذلك، صرح خامنئي أن إيران لن تدخل الحرب نيابة عن حماس. وفي اجتماعه الأخير بإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ورد أن خامنئي انتقد حماس لمهاجمتها إسرائيل، واصفا ذلك بالخطأ الاستراتيجي الذي أدى إلى إعادة انتشار قوة أميركية كبيرة في الشرق الأوسط، وفقًا لمقالة كتبها محمد سحيمي، المحاضرذ بجامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجليس، ونشرها موقع "ريسبونسيبل ستايتكرافت".

الديناميكيات السياسية الداخلية في إيران معقدة، والفصائل السياسية المختلفة ليست موحدة حول سياسة إيران تجاه الشرق الأوسط بشكل عام، والفلسطينيين وإسرائيل والحرب الحالية، بشكل خاص. ثمة انقسامات عميقة داخل إيران نفسها عندما يتعلق الأمر بمناقشة السياسة الخارجية، خصوصًا في الشرق الأوسط. بادئ ذي بدء، تتفق جميع الفصائل السياسية الإيرانية على إجبار الجيش الأميركي على مغادرة الشرق الأوسط، ورفع تكاليف سياسة «الضغط الأقصى» التي بدأت مع إدارة ترمب واستمرت في عهد إدارة بايدن، وأهمية وجود رادع قوي ضد الهجمات العسكرية المحتملة من قبل الولايات المتحدة و/أو إسرائيل، ودعم حقوق الشعب الفلسطيني. لكن، لا اتفاق حول كيفية وضع مثل هذه السياسات موضع التنفيذ.

توسيع التحالفات

بحسب سحيمي، يعتقد المتشددون أن أفضل نهج هو إقامة تحالفات مع الصين وروسيا ودول أخرى تعارض التدخلات الأميركية في جميع أنحاء العالم وخلق تحالفات مع الصين وروسيا. من ناحية أخرى، يدعو المعتدلون والبراغماتيون إلى إقامة علاقات وثيقة مع جيران إيران والدول العربية في الخليج، فضلاً عن أوروبا، من أجل الحد من التوتر. بحسبهم، الرادع الأفعل هو تسليح البلاد ووكلائها بأسلحة متطورة، في حين يرى المعتدلون أن استعادة ثقة الشعب الإيراني بفتح المجال السياسي وإجراء انتخابات حرة واتخاذ القرارات هو النهج ألأفضل. يضيف سحيمي: "في حين يساوي المتشددون بين دعم الشعب الفلسطيني وتسليحه، يعتقد المعتدلون والبراغماتيون أن إيران لا بد من أن تقصر مساعداتها على الدعم الدبلوماسي والمساعدات الإنسانية. ما لا تتفق عليه هذه الفصائل هو سياسة خارجية تعتمد على الأيديولوجية بدلاً من السياسة التي تعطي الأولوية القصوى لإهتمامات إيران، والتقارب مع الولايات المتحدة، وكيفية معاقبة إسرائيل على حملة الاغتيالات والتخريب التي تشنها في إيران".

ينظر المتشددون إلى تسليح وكلاء إيران باعتباره الخيار "الأفضل" لأنه يرغم إسرائيل على إنفاق مواردها على حدودها، في حين تعتقد كل الفصائل الأخرى أن الدبلوماسية هي أفضل نهج ممكن. وفي الحرب الحالية بين حماس وإسرائيل، أدانت كافة الفصائل الهجمات الإسرائيلية على المدنيين في غزة، كما أدان المعتدلون أيضاً هجمات 7 أكتوبر على المدنيين الإسرائيليين. لكن أوجه الشبه بينهما تنتهي هناك.

يكتب سحيمي: "في بداية الحرب، أعلن بعض المتشددين أن إيران يجب أن تنضم إلى القتال. لكن هذا كان موقفًا أجوفًا هدفه التغلب على المنافسين. وينظر في إيران إلى مناوشات بين حزب الله والقوات الإسرائيلية بوصفها وسيلة لتخفيف الضغط على حماس، وليست مقدمة لحرب شاملة. ورغم أن الرئيس ألإيراني إبراهيم رئيسي تبنى موقفا متشددا في ما يتعلق بالحرب في غزة، فمن الأفضل أن يُنظر إلى موقفه باعتباره محاولة لصرف الانتباه عن فشل إدارته في تحسين الاقتصاد والحد من التضخم. أما تهددي قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، العميد إسماعيل قاآني وبالمثل، بفعل كل ما هو مطلوب ’في هذه المعركة التاريخية‘، ليس سوى مسعى شخصي لرفع نفسه إلى مستوى سلفه قاسم سليماني، واستعادة السيطرة على سياسة إيران في الشرق الأوسط وقمع أصوات المعارضة".

أصوات عقلانية

لكن، "حتى داخل الحرس الثوري الإيراني، ثمة أصوات عقلانية تعارض دخول إيران في حرب مع الولايات المتحدة وإسرائيل"، بحسب سحيمي. فقد قال العميد أمير علي حاجي زاده، قائد القوة الجوية للحرس الثوري الإيراني: "بعد أن اغتالت إدارة ترمب الجنرال سليماني، لم تهاجم إيران جميع القواعد العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط لأن عشرة أو خمسة عشر ألف مدني سيتعرضون للخطر. لو قُتلوا، لكانت تنمية البلاد قد تراجعت 20 عامًا". في الوقت نفسه، دعا المعتدلون والبراغماتيون إلى ضبط النفس، خوفاً من اندلاع حرب أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط قد تجتاح إيران. كما قال وزير الخارجية الإيراني السابق ظريف قبل بضعة أيام: "دعم الشعب الفلسطيني لا يعني أن علينا أن نقاتل من أجله. أفضل دفاع عن الشعب الفلسطيني هو تهيئة الظروف لمنع إسرائيل من تسميتهم وكلاء إيران. سئم الشعب الإيراني دفع ثمن تسليح الفلسطينيين".

كما شدد الرئيس السابق محمد خاتمي على اعتماد طهران المبادرات الدبلوماسية القائمة على المصالح الوطنية لإيران.

يختم سحيمي مقالته بالقول: "يبدو أن أهم الفصائل السياسية في إيران ترفض الحرب مع الولايات المتحدة أو إسرائيل، وتفضل سياسة ضبط النفس. لكن، ما دام الفلسطينيون محرومين من تطلعاتهم إلى دولة مستقلة، فإن المتشددين في إيران سيسعون إلى استغلال ذلك. الطريقة لمنع ذلك هي أن تقوم الولايات المتحدة والغرب والعالم العربي وإسرائيل نفسها بالعمل بجدية لمساعدة الفلسطينيين على تحقيق هدفهم وقيام دولتهم في أسرع وقت ممكن".


أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن مقالة كتبها محمد سحيمي ونشرها موقع "ريسبونسيبل ستايتكرافت"