واشنطن: أعلنت وزارة الخارجية الأميركية الأربعاء أنّ إسرائيل أقرّت بأنّ التقاط ونشر صور لعشرات المعتقلين الفلسطينيين في قطاع غزة مجرّدين من ملابسهم كان غير مناسب وتعهّدت التخلّي عن هذه الممارسة.

والأسبوع الماضي، بثّت قنوات إسرائيلية مقاطع فيديو تظهر عشرات الفلسطينيين بملابسهم الداخلية، معصوبي الأعين، تحت حراسة جنود إسرائيليين في قطاع غزة، ما أثار جدلاً على شبكات التواصل الاجتماعي وقلقاً في العديد من العواصم.

وكانت الولايات المتحدة أعربت علناً عن "قلقها" إزاء نشر هذه الصور، وأشارت إلى أنّها طلبت توضيحات من السلطات الإسرائيلية.

توضيح
والأربعاء، قال المتحدّث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر خلال مؤتمره الصحافي اليومي إنّ الإسرائيليين "أوضحوا لنا أنّه لم يكن ينبغي التقاط هذه الصور، ولم يكن ينبغي بثّها، وأوضحوا أنّ تلك لن تكون من ممارساتهم في المستقبل، وأنهم إذا قاموا بتفتيش معتقلين سيعيدون إليهم ملابسهم على الفور".

وردّاً على سؤال بشأن ما إذا كانت إسرائيل تعتبر بثّ هذه الصور فقط أمراً غير لائق أم عمليات تجريد المعتقلين من ملابسهم أيضاً، أشار ميلر إلى أنّ الدولة العبرية تعرّضت لعدد من الهجمات الانتحارية في الماضي.

المعاملة الانسانية
وأضاف "الأمر متروك لإسرائيل لتقرّر ما هي الإجراءات التي يجب اتخاذها لتفتيش المعتقلين. لكن إذا اتّخذت إجراءات لخلع ملابس المعتقلين... فالمهمّ هو أن يعيدوا إليهم ملابسهم على الفور وأن يتصرفوا بطريقة تتماشى مع المعاملة الإنسانية للمحتجزين".

في مقاطع الفيديو والصور التي بثّت الخميس الماضي في وقت الذروة على شاشة التلفزيون الإسرائيلي، ظهر رجال يصطفون جاثين على ركبهم مطأطئي الرؤوس، وجميعهم يرتدون فقط ملابس داخلية وسط منطقة سكنية.

والتقطت الصور في منطقة بيت لاهيا في شمال غزة، وفقاً لتحليل أجراه فريق التحقّق من الأخبار في وكالة فرانس برس.

الولايات المتحدة
لا تعتزم الولايات المتحدة مراجعة دعمها لإسرائيل، لكنها تشعر بغضب متزايد إزاء طريقة إدارة الحرب في قطاع غزة، إلى حد إظهار خلافاتها علناً مع حكومة بنيامين نتانياهو اليمينية.

من خلال حديثه عن "القصف العشوائي" و"التآكل" المحتمل للدعم الدولي لإسرائيل، كشف الرئيس الأميركي عن إحباطه المتزايد تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بل إن إدارته بدأت تحث على وضع "جدول زمني" لاستمرار العمليات العسكرية المكثّفة.

تحذيرات
وتتزايد التحذيرات لإسرائيل منذ عدة أسابيع، فقد تحدث مسؤولون أميركيون رفيعون مثل نائبة الرئيس كامالا هاريس ووزير الخارجية أنتوني بلينكن عن مقتل عدد "مرتفع للغاية" من المدنيين الفلسطينيين وحتى عن "فجوة" بين الالتزامات والواقع في قطاع غزة الذي يتعرض لقصف مكثف منذ بدء الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر، توقف فقط خلال هدنة إنسانية قصيرة في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر.

لخص وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن مؤخراً المعضلة قائلا "في هذا النوع من القتال، يكون مركز الثقل هو السكان المدنيون. وإذا دفعتهم إلى أحضان العدو، فإنك تستبدل نصرا تكتيكيا بهزيمة استراتيجية".

رفض وقف اطلاق النار
لكن واشنطن، الحليف الدبلوماسي والعسكري الرئيسي لإسرائيل، امتنعت عن انتقاد حليفتها بشكل مباشر وعلني، كما رفضت الدعوات لوقف إطلاق النار حتى استبعاد حماس من المشهد، وذلك رغم الضغوط الدولية.

في الواقع، تبدو الولايات المتحدة معزولة بعض الشيء في دعمها للدولة العبرية، كما يتضح من تصويت الغالبية الساحقة في الجمعية العامة للأمم المتحدة الثلاثاء لصالح وقف إطلاق النار.

منذ بدء الحرب اثر الهجوم غير المسبوق الذي نفذته الحركة الإسلامية الفلسطينية على الأراضي الإسرائيلية، حاولت الولايات المتحدة التأثير على حليفتها للسماح بإيصال المزيد من المساعدات الإنسانية لسكان غزة وكذلك خلال المفاوضات بشأن إطلاق سراح رهائن، أو حتى تشجيعها على تبني استراتيجية عسكرية أكثر "استهدافا".

وفي السر، لا يخفي الدبلوماسيون الأميركيون استياءهم من سلوك إسرائيل الحربي.

طلبت واشنطن من إسرائيل مثلا ألا "تكرر" في جنوب غزة السيناريو الذي حدث في شمال القطاع قبل الهدنة الإنسانية التي استمرت سبعة أيام في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر.

ساليفان
وفي مؤشر على الضغط المستمر الذي تمارسه على إسرائيل، سيقوم مستشار الأمن القومي جيك ساليفان بزيارة الدولة العبرية يومي الخميس والجمعة، حسب ما أعلنت واشنطن.

وقال ساليفان لصحيفة وول ستريت جورنال الثلاثاء "من الواضح أنني سأتناول (...) مسألة الجدول الزمني وكيف ينظرون إليه (الإسرائيليون)"، مقترحا الانتقال "إلى مرحلة مختلفة عن العمليات عالية الكثافة التي نشهدها اليوم".

واستقبل بايدن للمرة الأولى الأربعاء في البيت الأبيض عائلات رهائن أميركيين تحتجزهم حماس في غزة، بحسب مسؤول كبير.

نقطة تحول
هل يشكل كل ذلك نقطة تحول في الموقف الأميركي؟

يرى مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد أبحاث السياسة الخارجية جيمس رايان أن "هذا له علاقة كبيرة بالوضع السياسي الداخلي"، في ظل حملة الرئيس الديموقراطي للفوز بولاية جديدة في تشرين الثاني/نوفمبر 2024.

يتابع الخبير "هناك ضغوط كبيرة على إدارة بايدن من داخل حزبه ومن قاعدته".

لكنه يضيف أن "هذا يعكس أيضا اعترافا ضمنيا" بمحدودية قدرة الولايات المتحدة على التأثير على الحكومة الإسرائيلية الأكثر يمينية في تاريخ البلاد.

يتعلق أكبر الخلافات بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية بما سيحدث بعد الحرب.

حل الدولتين
تشدد واشنطن على ضرورة إحياء حل الدولتين، وهو ما ترفضه إسرائيل.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر الأربعاء "نعتقد أن السلطة الفلسطينية هي ممثلة الشعب الفلسطيني، وأن سلطة فلسطينية يتم تجديدها وإصلاحها وإعادة تنظيمها هي السبيل للمضي قدما نحو إعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة".